( 564 ) ويكره الخط الدقيق إلا لضيق رق أو لرحال فلا ( 565 ) وشره التعليق والمشق كما
شر القراءة إذا ما هذرما
[
حكم دقة الخط ] : ( ويكره ) كراهة تنزيه ( الخط الدقيق ) أو الرقيق ، لا سيما والانتفاع به لمن يقع له الكتاب ممن يكون ضعيف البصر أو ضعيف الاستخراج ممتنع أو بعيد ، بل ربما يعيش الكاتب نفسه حتى يضعف بصره ، ولذلك كان شيخنا يحكي أن الذي يكتب الخط الدقيق ربما يكون قصير الأمل لا يؤمل أن يعيش طويلا . وأقول : بل ربما يكون طويل الأمل حيث ترجى من فضل الله أنه ولو عمر لا يشق عليه قراءة الخط الدقيق .
ثم إنه لا يمنع الحكم بالكراهة ما اقتضاه كلام الحكماء في كونه رياضة للبصر وتدمينا له كما يراض كل عضو من أعضاء البدن بما يخصه ، وأن من لم يفعل ذلك وأدمن على سواه يصعب عليه معاناته ، كمن يترك المشي أو لا يشم إلا الروائح الطيبة ، فإنه يشق عليه كل من تعاطى المشي وشم الرائحة الكريهة مشقة شديدة بخلاف من اعتاده أحيانا .
ولا فعل جماعة لذلك حتى بعد تقدمهم في السن ، منهم الحافظان
الشمس ابن الجزري والبرهان الحلبي ، ومنهم من
[ ص: 50 ] المتقدمين
أبو عبد الله الصوري كتب " صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري " و "
مسلم " في مجلد لطيف وبيع بعشرين دينارا كما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر ، فالمشقة بذلك هي الأغلب .
وقد قال الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن محمد بن حنبل لابن عمه
nindex.php?page=showalam&ids=15772حنبل بن إسحاق بن حنبل ، ورآه يكتب خطا دقيقا : لا تفعل ; فإنه يخونك أحوج ما تكون إليه . رواه
الخطيب في " جامعه " ، وساق فيه أيضا عن
أبي حكيمة قال : كنا نكتب المصاحف
بالكوفة فيمر بنا
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب فيقوم علينا فيقول : أجل قلمك . قال : فقططت منه ثم كتبت فقال : هكذا نوروا ما نور الله عز وجل .
( إلا ) أن تكون دقة الخط ( لـ ) عذر كـ ( ضيق رق ) بفتح الراء وهو القرطاس الذي يكتب فيه ، ويقال له : الكاغد أيضا . بأن يكون فقيرا لا يجد ثمنه أو يجد الثمن ولكن لا يجد الرق ، ( أو لرحال ) مسافر في طلب العلم يريد حمل كتبه معه فيحتاج إما لفقره أو لكونه أضبط ، أن تكون خفيفة الحمل .
قال
محمد بن المسيب الأرغياني : كنت أمشي
بمصر وفي كمي مائة جزء من كل جزء ألف حديث . ( فلا ) كراهة حيث
[ ص: 51 ] اتصف بواحد مما ذكر ، فضلا عن أكثر ، كأن يكون فقيرا رحالا ، وأكثر الرحالين كما قال
الخطيب يجتمع في حاله الصفتان اللتان يقوم بهما العذر في تدقيق الخط ، يعني كما وقع
لأبي بكر عبد الله بن أحمد بن محمد بن روزبة الفارسي ، وكان يكتب خطا دقيقا حيث قيل له : لم تفعل ؟ فقال : لقلة الورق والورق ، وخفة الحمل على العنق .
ولكن قال
الخطيب : بلغني عن بعض الشيوخ أنه كان إذا رأى خطا دقيقا قال : هذا خط من لا يوقن بالخلف من الله تعالى . يشير إلى أن داعية الحرص على ما عنده من الورق ألجأته لذلك ; إذ لو كان يعلم أنه مستخلف لوسع .