[ التنبيه على أربعة أمور ] :
ومما ينبه عليه أمور ; أحدها :
إذا وقع في الكتاب تقديم وتأخير ; فمنهم من يكتب أول المتقدم كتابة : يؤخر . وأول المتأخر : يقدم . وآخره ( إلى ) كل ذلك بأصل الكتاب إن اتسع المحل ، أو بالهامش ، ومنهم من يرمز لذلك بصورة ( ميم ) ، وهذا حسن بأن لم يكن المحل قابلا لتوهم أن الميم رقم لكتاب مسلم ، ثم إن محله في أكثر من كلمة لكون شيخنا كان يرى في الكلمة الواحدة الضرب عليها وكتابتها في محلها .
ثانيها : إذا أصلح شيئا نشره حتى يجف لئلا يطبقه فينطمس فيفسد المصلح وما
[ ص: 103 ] يقابله ، فإن أحب الإسراع تربه بنحاتة الساج ، ويتقي استعمال الرمل ، إلا أن يزيل أثره بعد جفافه ، فقد كان بعض الشيوخ يقول : إنه سبب للأرضة . وكذا يتقي التراب ، كما صرح به
الخطيب في ( الجامع ) .
وساق من طريق
عبد الوهاب الحجبي قال : كنت في مجلس بعض المحدثين ،
nindex.php?page=showalam&ids=17336وابن معين بجانبي ، فكتبت صفحا ثم ذهبت لأتربه فقال لي : لا تفعل ، فإن الأرضة تسرع إليه ، قال : فقلت له : الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (
nindex.php?page=hadith&LINKID=929923تربوا الكتاب فإن التراب مبارك ، وهو أنجح للحاجة ) . قال : ذاك إسناد لا يسوى فلسا . ونحوه قول
nindex.php?page=showalam&ids=14798العقيلي : لا يحفظ هذا الحديث بإسناد جيد . بل قال
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان : إنه موضوع .
قلت : وفيه نظر ، فهو عند
الترمذي في الاستئذان من ( جامعه ) من طريق
حمزة النصيبي ، عن
أبي الزبير ، عن
جابر رفعه : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=929924إذا كتب أحدكم كتابا فليتربه ، فإنه أنجح للحاجة ) .
وقال عقبه : إنه منكر لا نعرفه إلا من هذا الوجه . كذا قال ، وقد رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه في الأدب من ( سننه ) من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=15550بقية بن الوليد ، عن
أبي أحمد بن علي الكلاعي ، عن
أبي الزبير ، لكن بلفظ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=929925تربوا صحفكم أنجح لها ; لأن التراب مبارك ) بل في الباب عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة ، وكلاهما عند
nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي في ( كامله ) ، لفظ أولهما : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=929926تربوا الكتاب واسحوه - أي : اقشروه من أسفله - فإنه أنجح للحاجة ) .
وعن
هشام بن زياد أبي المقدام ، عن
الحجاج [ ص: 104 ] بن يزيد ، عن أبيه رفعه : (
تربوا الكتاب فإنه أنجح له ) إلى غيرها من الطرق الواهية ، ويمكن - إن ثبت - حمله على الرسائل التي لا تقصد غالبا بالإبقاء .
وقد قيل : إن مما يدفع الأرضة كتابة : ( فارق مارق احبس حبسا أو كبلح ) . فالله تعالى أعلم .
ثالثها : إذا أصلح شيئا من زيادة أو حذف أو تحريف ونحوه في كتاب قديم به أسمعة مؤرخة ، حسن ، كما رأيت شيخنا ، فعله أن ينبه معه على تاريخ وقت إصلاحه ليكون من سمع منه أو قرأ قبل مقتصرا عليه ، وكذا من نقل منه على بصيرة من ذلك ، بل كان في كثير من أوقاته يميز ما يتجدد له في تصانيفه بالحمرة لتيسر إلحاقه لمن كتبه قبل .
رابعها :
الضرب والإلحاق ونحوهما مما يستدل به بين المتقدمين على صحة الكتاب ، فروى
الخطيب في ( جامعه ) عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه قال : إذا رأيت الكتاب فيه إلحاق وإصلاح فاشهد له بالصحة .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12180أبي نعيم الفضل بن دكين قال : إذا رأيت كتاب صاحب الحديث مشججا - يعني : كثير التغيير - فأقرب به من الصحة . وأنشد
nindex.php?page=showalam&ids=13122ابن خلاد nindex.php?page=showalam&ids=12745لمحمد بن عبد الملك الزيات يصف دفترا :
وأرى رشوما في كتابك لم تدع شكا لمرتاب ولا لمفكر نقط وأشكال تلوح كأنها
ندب الخدوش تلوح بين الأسطر تنبيك عن رفع الكلام وخفضه
والنصب فيه لحاله والمصدر [ ص: 105 ] وتريك ما تعيا به فتعيده
كقرينة ومقدما كمؤخر
أما ما نراه في هذه الأزمان المتأخرة من ذلك ، فليس غالبا بدليل للصحة ، لكثرة الدخيل والتلبيس المحيل .