فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
[ ص: 111 ]

( 608 ) وكتبوا عند انتقال من سند لغيره ( ح ) وانطقن بها وقد      ( 609 ) رأى الرهاوي بأن لا تقرا
وأنها من حائل وقد رأى      ( 610 ) بعض أولي الغرب بأن يقولا
مكانها الحديث قط وقيلا      ( 611 ) بل حاء تحويل وقال قد كتب
مكانها صح فحا منها انتخب

[ وضع " ح " بين الأسانيد ومعناها ] :

( وكتبوا ) أهل الحديث في كل من الحديث أو الكتاب أو نحوهما مما يرومون الجمع بين إسناديه أو أسانيده ، ( عند انتقال من سند لغيره " ح " ) بالقصر مهملة مفردة ، وهي في كتب المتأخرين أكثر ، وفي ( صحيح مسلم ) أكثر منها في ( البخاري ) كما صرح به النووي في مقدمة ( شرح مسلم ) ، وهو المشاهد . ثم اختلفوا : أهي من الحائل أو التحويل أو صح أو الحديث ؟ وهل ينطق بها " حا " أو يصرح ببعض ما رمز بها له عند المرور بها في القراءة أو لا ؟ قال ابن الصلاح ( وانطقن بها ) كما كتبت مفردة ، ومر في قراءتك . يعني : حسبما عليه الجمهور من السلف وتلقاه عنهم الخلف ، وعليه مشى بعض البغداديين أيضا كما سمعه ابن الصلاح من بعض علماء المغاربة عنه ، ولكن ذلك غير متعين إلا أنه كما قال ابن الصلاح : أحوط الوجوه وأعدلها .

( وقد رأى ) الحافظ الرحال أبو محمد عبد القادر بن عبد الله ( الرهاوي ) نسبة إلى الرها بالضم للأكثر ، الحنبلي ، كما سمعه منه ابن الصلاح ( بأن ) ; أي : أن ( لا تقرا ) أو لا يلفظ بشيء عند الانتهاء إليها ، ( وأنها ) ليست من الرواية بل هي " حا " ( من حائل ) الذي يحول بين الشيئين إذا حجز بينهما ، لكونها حالة بين [ ص: 112 ] الإسنادين ، وأنه لم يعرف عن مشايخه ، وفيهم عدد كانوا حفاظ الحديث في وقته ، غيره ، ونحوه في كونها من حائل لكن مع النطق بذلك قول الدمياطي ، وقد قرأ على بعض المغاربة ، فصار كلما وصل إلى " ح " قال : حاجز . وهو في النطق بمعناها خاصة موافق لما حكاه ابن الصلاح حيث قال ( وقد رأى بعض ) علماء ( أولي الغرب ) حين ذاكرته فيها ، وحكاه عن صنيع المغاربة كافة ( بأن ) ; أي : أن ( يقولا ) من يمر بها ( مكانها الحديث قط ) أي : فقط . وحكى ابن الصلاح عن الرهاوي إنكار كونها من الحديث .

قلت : وكأنه لكون الحديث لم يذكر بعد ، فإن كانت مذكورة بعد سياق السند الأول وبعض المتن كما في ( البخاري ) فإنه أورد من حديث مالك ، عن سمي ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال : جئت أنا وأبي حتى دخلنا على عائشة وأم سلمة . ثم قال : ح ، وثنا . وساق سندا آخر إلى الزهري ، عن أبي بكر المذكور ، أن أباه عبد الرحمن أخبر مروان أن عائشة وأم سلمة أخبرتاه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ، ثم يغتسل ويصوم . فيمكن عدم إنكاره .

( و ) كذا ( قيلا ) مما نقله ابن الصلاح أيضا عن بعض من جمعته وإياه الرحلة بخراسان عن بعض الفضلاء من الأصبهانيين أنها ليست من الحديث ، ( بل ) هي ( حاء تحويل ) من إسناد إلى إسناد آخر .

( وقال ) ابن الصلاح : ( قد كتب ) فيما رأيته بخط الحافظين أبي عثمان الصابوني وأبي مسلم عمر بن علي الليثي البخاري ، والفقيه المحدث أبي سعد محمد بن أحمد بن محمد بن الخليل الخليلي ( مكانها ) بدلا عنها ( صح ) صريحة ، يعني [ ص: 113 ] نحو ما يجعل بين الرواة المعطوف بعضهم على بعض كما تقدم . قال : فهذا يشعر بكون الحاء رمزا إلى صح ، ( فحا ) بالقصر ( منها انتخب ) . أي : اختير في اختصارها . قال : وحسن إثبات " صح " هاهنا لئلا يتوهم أن حديث هذا الإسناد سقط ، ولئلا يركب الإسناد الثاني على الأول فيجعلا إسنادا واحدا . وبالجملة فقد اختار النووي أنها مأخوذة من التحول ، وأن القارئ يلفظ بها .

ثم إنه لم يختلف من حكينا عنهم في كونها حاء مهملة ، بل قال ابن كثير : إن بعضهم حكى الإجماع عليه . قال : ومن الناس من يتوهم أنها خاء معجمة . أي : إسناد آخر .

وكذا حكاه الدمياطي أيضا ، فقال : وبعض المحدثين يستعملها بالخاء المعجمة يريد بها آخرا وأخيرا . زاد غيره : أو إشارة إلى الخروج من إسناد إلى إسناد . والظاهر كما قال بعض المتأخرين : أن ذلك اجتهاد من أئمتنا في شأنها من حيث إنهم لم يتبين لهم فيها شيء من المتقدمين .

قال الدمياطي : ويقال : ( إن أول من تكلم على هذا الحرف ابن الصلاح ، وهو ظاهر من صنيعه لا سيما وقد صرح أول المسألة بقوله : ولم يأتنا عن أحد ممن يعتمد بيان لأمرها ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية