[
الإعارة عند الحاجة ] :
( وليعر ) من ثبت في كتابه أو جزئه أو نحوهما تسميع بخط المالك أو غيره ما أثبت فيه السماع الطالب ( المسمى به ) واحدا فأكثر ( إن يستعر ) ليكتب منه أو يقابل عليه أو ينقل سماعه أو يحدث منه ، وهذه العارية - فيما إذا كان التسميع بغير خط المالك - مستحبة ، ( وإن يكن ) التسميع ( بخط مالك ) للمسموع ( سطره فقد رأى ) القاضيان (
nindex.php?page=showalam&ids=15730حفص ) هو ابن غياث النخعي الكوفي قاضيها ، بل وقاضي
بغداد أيضا ، وصاحب
nindex.php?page=showalam&ids=11990الإمام أبي حنيفة الذي قال له في جماعة : أنتم مسار قلبي وجلاء حزني .
وكان هو يقول : ما وليت القضاء حتى حلت لي الميتة ، ولأن يدخل الرجل إصبعه في عينيه فيقلعهما فيرمي بهما خير من أن
[ ص: 119 ] يكون قاضيا . ولما ولي قال
أبو يوسف لأصحابه : تعالوا نكتب نوادر
حفص ، فلما وردت قضاياه عليه قال له أصحابه : أين النوادر ؟ فقال : إن
حفصا أراد الله فوفقه . مات على الأكثر سنة تسع وخمسين ومائة ( 159 ه ) .
(
وإسماعيل ) بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم الأزدي مولاهم البصري المالكي شيخ مالكية
العراق وعالمهم ومصنف ( أحكام القرآن ) وغيرها المتوفى في سنة اثنتين وثمانين ومائة ( 282 ه ) .
وكذا
أبو عبد الله الزبير بن أحمد بن سليمان بن عبد الله بن عاصم بن المنذر بن الزبير بن العوام الأسدي الزبيري بالضم نسبة لجده المذكور ، البصري الضرير ، أحد أئمة الشافعية ، وصاحب ( الكافي ) و ( المسكت ) وغيرهما المتوفى سنة سبع عشرة وثلاثمائة ( 317 ه ) .
( فرضها ) أي : العارية ( إذ سيلوا ) بإبدال الهمزة ياء ساكنة للضرورة ، حيث ادعي عند كل من الأولين في زمنه على من امتنع من عارية كتابه ، وأجاب بإلزامه بإخراجه لينظر فيه ; فما يكون من سماع المدعي مثبتا بخط المدعى عليه ألزمه بإعارته ، حسبما روى ذلك عن الثاني
الخطيب ، وعن الأول
nindex.php?page=showalam&ids=14347الرامهرمزي ، قال : إنه سأل الثالث عنه فقال : لا يجيء في هذا الباب حكم أحسن من هذا .
( إذ خطه ) ; أي : صاحب المسموع فيه ( على الرضا به ) ; أي : بالاسم المثبت ( دل ) يعني : وثمرة رضاه بإثبات اسمه بخطه في كتابه عدم منع عاريته ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح : ولم يبن لي وجهه أولا ، ثم بان لي أن ذلك ( كما على الشاهد ) المتحمل .
يعني : سواء استدعي له أو اتفاقا ( ما
[ ص: 120 ] تحمل ) أي : أداء الذي تحمله وجوبا ، وإن كان فيه بذل نفسه بالسعي إلى مجلس الحكم لأدائها .
ووجه غيره أيضا بأن مثل هذا من المصالح العامة المحتاج إليها مع وجود علقة بينهما تقتضي إلزامه بإسعافه في مقصده .
أصله إعارة الجدار لوضع جذوع الجار الذي صح الحديث فيه ، وأوجبه جمع من العلماء ، بل هو أحد قولي
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وإذا ألزمنا الجار بالعارية مع دوام الجذوع في الغالب ، فلأن تلزم صاحب الكتاب مع عدم دوام العارية أولى ، وهو ظاهر .
ولو قلنا كما قاله
عياض : إن خطه ليس فيه أكثر من شهادته بصحة سماعه . لأنا نقول : إلزامه بإبرازه لحصول ثمرته وإن لم يسأله في إثبات اسمه وقت السماع كما يلزم الشاهد الأداء ولو لم يستدع للتحمل .
ثم إن قياس تعليل ما كتبه بخطه بكونه علامة للرضا أنه لو كتبه غيره برضاه ; كان الحكم كذلك ، إذ لا فرق ، وكلام
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح يشهد له ، فإنه قال : ويرجع حاصل أقوالهم إلى أن سماع غيره إذا ثبت في كتابه برضاه ، فيلزمه إعارته . وتبعه
النووي في " تقريبه " .
بل قال
الحاكم : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=11929أبا الوليد الفقيه يقول : مررت أنا
nindex.php?page=showalam&ids=12789وأبو الحسن الصباغ بمحمد بن علي الخياط ، يعني القاضي أبا عبد الله المروزي ، وهو جالس مع كاتبه ، فادعيت أنا أو هو أن أحدنا سمع في كتاب الآخر ، وأنه يمتنع من إعارته لرفيقه ، فسكت ساعة ثم قال :
[ ص: 121 ] بإذنك سمع في كتابك ؟ قال : نعم . قال : فأعره سماعه . وإذا كان هذا في صورة تسميع المدعي لنفسه مع إمكان اعتقاد التهمة ، فالغير الأجنبي أولى وأحرى .
وتوقف بعضهم في الوجوب في ذلك كله ، وقال : إنه ليس بشيء . وأيد بأنه يمتنع على المالك حينئذ الرواية إذا كان يروي من كتابه لغيبته عنه ، على مذهب من يشدد في ذلك ، لا سيما إذا كان ضريرا ، وإن كان الصواب خلافه كما ستأتي المسألة قريبا .
وقد حكى
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح في ( أدب الطالب ) عن
nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن راهويه أنه قال لبعض من سمع منه في جماعة : ( انسخ من كتابهم ما قد قرأت ) . فقال : ( إنهم لا يمكنونني ) . فقال : ( إذن والله لا يفلحون ، قد رأينا أقواما منعوا هذا السماع ، فوالله ما أفلحوا ولا أنجحوا ) .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح عقبه : ( إنه أيضا رأى أقواما منعوا فما أفلحوا ولا أنجحوا ) .
( وليحذر المعار ) له المسموع ( تطويلا ) أي : من التطويل في العارية والإبطاء بما استعاره على مالكه إلا بقدر الحاجة ، فقد روينا عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري أنه قال
nindex.php?page=showalam&ids=17423ليونس بن يزيد : إياك وغلول الكتب . قال
يونس : فقلت : وما غلولها ؟ قال : حبسها عن أصحابها .
وروينا عن
nindex.php?page=showalam&ids=14919الفضيل بن عياض أنه قال : ليس من فعل أهل الخير والورع أن يأخذ سماع رجل وكتابه فيحبسه ، فمن فعل ذلك فقد ظلم نفسه .
[ ص: 122 ] وأما ما رويناه في ترجمة
أبي بكر محمد بن داود بن يزيد بن حازم الرازي من ( تاريخ
نيسابور ) أنه قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=12213أحمد بن أبي سريج يقول : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل يقول : إذا رد صاحب الحديث الكتاب بعد سنة فقد أحسن . فليس على إطلاقه .
وبلغنا عن
ابن المنصف أنه كان يقول : إذا غاب الكتاب عند المستعير أكثر من عدد ورقه فهو دليل على أنه لم يأخذه لكتابة ولا قراءة ولا مقابلة ولا مطالعة . أو كما قال .
ثم إن التمسك في المنع ببطوء وما أشبهه لا يكفي في عدم الإلزام بالدفع ، فقد ساق
ابن النجار في ترجمة الأمير
أبي محمد عبد الله بن عثمان بن عمر من ( ذيله ) ، أن
nindex.php?page=showalam&ids=12425إسماعيل القاضي المالكي بعد أن حكم بما تقدم قال له المحكوم عليه - وهو صاحب الكتاب - : إنه يعذبني في كتبي إذا دفعتها إليه . فقال له : أخرج إليه ما لزمك بالحكم .
ثم قال للمدعي : إذا أعارك أخوك كتبه لتنسخها فلا تعذبه ، فإنك تطرق على نفسك منعك فيما تستحق . فرضيا بذلك وطابا ، بل وفي لفظ عند
أبي بكر اليزدي في جزء عارية الكتب له المسموع لنا ، أن صاحب الكتاب - وهو
سهل بن محمد الجوهري - قال
لإسماعيل : أعز الله القاضي ، هذا رجل غريب أخاف أن يذهب بكتبي ، فيوثق لي حتى أعطيه . فقال له القاضي : فاكتر رجلا بدرهمين في كل يوم ، وأقعده معه حتى يفرغ من نسخ سماعه .
( و ) كذا ليحذر إذا
نسخ من المسموع المعار لنفسه فرعا ( أن يثبت ) سماعه فيه ( قبل عرضه ) ومقابلته ، بل لا ينبغي إثبات تسميع على كتاب مطلقا إلا بعد المقابلة ، ( ما لم يبن )
[ ص: 123 ] بفتح الموحدة ، في كل من الإثبات والنقل أن النسخة غير مقابلة .