[
معنى شرط الصحيحين ] إذا تقرر هذا ، فاعلم أنه لم يصرح أحد من الشيخين بشرطه في كتابه ولا في غيره ، كما جزم به غير واحد ، منهم
النووي ، وإنما عرف بالسبر لكتابيهما ، ولذا اختلف الأئمة في ذلك .
فقال
nindex.php?page=showalam&ids=16977أبو الفضل بن طاهر الحافظ في جزء سمعناه أفرده لشروط الستة : ( شرطهما أن يخرجا الحديث المتفق على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور من غير اختلاف بين الثقات الأثبات ، ويكون إسناده متصلا غير مقطوع .
فإن كان للصحابي راويان فصاعدا فحسن ، وإن لم يكن له إلا راو واحد وصح الطريق إليه كفى ، وما ادعاه من الاتفاق على ثقة نقلتهما قد لا يخدش فيه وجود حكاية التضعيف في بعضهم ممن قبلهما ; لتجويز أنهما لم يرياه قادحا ، فنزلا كلام الجمهور المعتمد عندهما منزلة الإجماع .
وكذا قوله : ( من غير اختلاف بين الثقات ) ليس على إطلاقه ، فإنه ليس كل خلاف يؤثر ، وإنما المؤثر مخالفة الثقات لمن هو أحفظ منه ، أو أكثر عددا من
[ ص: 67 ] الثقات ، كما سيأتي في الشاذ .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14065الحافظ أبو بكر الحازمي في جزء شروط الخمسة له مما سمعناه أيضا ما حاصله : إن
شرط الصحيح أن يكون إسناده متصلا ، وأن يكون راويه مسلما صادقا غير مدلس ولا مختلط ، متصفا بصفات العدالة ، ضابطا متحفظا ، سليم الذهن ، قليل الوهم ، سليم الاعتقاد .
وأن
شرط nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أن يخرج ما اتصل إسناده بالثقات المتقنين الملازمين لمن أخذوا عنه ملازمة طويلة سفرا وحضرا ، وإنه قد يخرج أحيانا ما يعتمده عن أعيان الطبقة التي تلي هذه في الإتقان والملازمة لمن رووا عنه ، فلم يلزموه إلا ملازمة يسيرة .
وأما
مسلم فيخرج أحاديث الطبقتين على سبيل الاستيعاب ، وقد يخرج حديث من لم يسلم من غوائل الجرح ، إذا كان طويل الملازمة لمن أخذ عنه ;
nindex.php?page=showalam&ids=15744كحماد بن سلمة في
nindex.php?page=showalam&ids=15603ثابت البناني ; فإنه لكثرة ملازمته له وطول صحبته إياه ، صارت صحيفة
ثابت على ذكره وحفظه بعد الاختلاط كما كانت قبله ، وعمل
مسلم في هذه كعمل
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في الثانية .
قلت : ولا يمنع من هذا
اكتفاء مسلم في السند المعنعن بالمعاصرة ، nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري باللقاء ولو مرة لمزيد تحريهما في صحيحيهما .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي : اشترط
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم الثقة والاشتهار . قال : وقد تركا أشياء تركها قريب ، وأشياء لا وجه لتركها .
فمما تركه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري الرواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة مع علمه بثقته ; لأنه قيل : إنه كان له ربيب يدخل في حديثه ما ليس منه .
وترك الرواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=16068سهيل بن أبي صالح ; لأنه قد تكلم في سماعه من أبيه ، وقبل صحيفة ، واعتمد عليه
مسلم لما وجده تارة يحدث عن أبيه ، وتارة عن
عبد الله بن [ ص: 68 ] دينار عن أبيه ، ومرة عن
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش عن أبيه ، فلو كان سماعه صحيفة كان يروي الكل عن أبيه . انتهى .
ورد كل من
الحازمي nindex.php?page=showalam&ids=13312وابن طاهر على
الحاكم دعواه التي وافقه عليها صاحبه
البيهقي ; من أن شرطهما أن يكون للصحابي المشهور بالرواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - راويان فصاعدا ، ثم يكون للتابعي المشهور راويان ثقتان ، ثم يرويه عنه من أتباع التابعين الحافظ المتقن المشهور ، وله رواة ثقات من الطبقة الرابعة ، ثم يكون شيخ
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أو
مسلم حافظا متقنا مشهورا بالعدالة في روايته وله رواة ، ثم يتداوله أهل الحديث بالقبول إلى وقتنا هذا ; كالشهادة على الشهادة .
قال شيخنا : وهو " وإن كان منتقضا في حق الصحابة الذين أخرجا لهم ، فإنه معتبر في حق من بعدهم ، فليس في الكتاب حديث أصل من رواية من ليس له إلا وار واحد فقط " . انتهى .
وقد وجدت في كلام الحاكم التصريح باستثناء الصحابة من ذلك ، وإن كان مناقضا لكلامه الأول ، ولعله رجع عنه إلى هذا ، فقال :
الصحابي المعروف إذا لم نجد له راويا غير تابعي واحد معروف ، احتججنا به ، وصححنا حديثه ; إذ هو صحيح على شرطهما جميعا .
فإن
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري قد احتج بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=16834قيس بن أبي حازم عن
[ ص: 69 ] كل من
مرداس الأسلمي ،
وعدي بن عميرة ، وليس لهما راو غيره ، كذلك احتج
مسلم بأحاديث
nindex.php?page=showalam&ids=12139أبي مالك الأشجعي عن أبيه ، وأحاديث
مجزأة بن زاهر الأسلمي عن أبيه .
وحينئذ فكلام
الحاكم قد استقام ، وزال بما تممت به عنه الملام ، وإن كان الذي أخرج حديث
عدي إنما هو
مسلم لا
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، مع كون
قيس لم ينفرد عنه ، والذي أخرج حديث
زاهر إنما هو
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لا
مسلم ، نعم أخرجا معا
للمسيب بن حزن ، مع أنه لم يرو عنه سوى ابنه
سعيد ، ولكن له ذكر في السير .
قال
ابن يونس : إنه قدم
مصر لغزو
إفريقية ، سنة سبع وعشرين ، وأورد
الحاكم أيضا حديث
أبي الأحوص عوف بن مالك الجشمي عن أبيه في مستدركه .
وقال : قد أخرج
مسلم nindex.php?page=showalam&ids=11915لأبي المليح بن أسامة عن أبيه ،
nindex.php?page=showalam&ids=12139ولأبي مالك الأشجعي عن أبيه ، ولا راوي لوالدهما غير ولدهما ، وهذا أولى من ذلك كله . انتهى . وسيأتي الإشارة لذلك فيمن لم يرو عنه إلا واحد .
ثم ما المراد بقوله : ( على شرطهما ) ؟ فعند
النووي وابن دقيق العيد والذهبي تبعا
nindex.php?page=showalam&ids=12795لابن الصلاح : هو أن يكون رجال ذلك الإسناد المحكوم عليه بأعيانهم في كتابيهما ، وتصرف
الحاكم يقويه ، فإنه إذا كان عنده الحديث قد أخرجا معا أو أحدهما لرواته قال :
صحيح على شرطهما أو أحدهما ، وإذا كان بعض رواته لم يخرجا له .
قال : صحيح الإسناد حسب ، ويتأيد بأنه حكم على حديث من طريق
أبي عثمان بأنه صحيح الإسناد .
ثم قال :
أبو عثمان هذا ليس هو
النهدي ، ولو كان
[ ص: 70 ] النهدي ، لحكمت بالحديث على شرطهما .
وإن خالف
الحاكم ذلك ، فيحمل على السهو والنسيان ; ككثير من أحواله .
ولا ينافيه قوله في خطبة ( مستدركه ) : وأنا أستعين الله تعالى على إخراج أحاديث رواتها ثقات ، قد احتج بمثلها الشيخان أو أحدهما ; لأنا نقول : المثلية أعم من أن تكون في الأعيان أو الأوصاف ، لا انحصار لها في الأوصاف ، لكنها في أحدهما حقيقة ، وفي الآخر مجاز ، فاستعمل المجاز ; حيث قال عقب ما يكون عن نفس رواتهما : " على شرطهما " ، والحقيقة حيث قال عقب ما هو عن أمثال رواتهما : ( صحيح أفاده شيخنا ) .
وعليه مشى في توضيح النخبة فقال : لأن المراد به - يعني بشرطهما - رواتهما مع باقي شروط الصحيح ، يعني من نفي الشذوذ والعلة ، وسبقه لنحوه غيره ، قال رجل
لشريح : إني قلت لهذا : اشتر لي مثل هذا الثوب الذي معك ، فاشترى ذلك الثوب بعينه . فقال
شريح : لا شيء أشبه بالشيء من الشيء بعينه ، [ وألزمه أخذ الثوب ] .
وكذا هل المراد بالمثلية عندهما أو عند غيرهما ؟ الظاهر - كما قال المؤلف - الأول ، وتعرف بتنصيصهما ، وقلما يوجد ذلك ، أو بالألفاظ الدالة على مراتب التعديل ، ولكن ينبغي ملاحظة حال الراوي مع شيخه .
فقد يكون من شرط الصحيح في بعض شيوخه دون بعض ، وعدم النظر في هذا من جملة الأسباب المقتضية لوهم
الحاكم ، ولذا لما قال عقب حديث أخرجه من طريق
الحسن عن
سمرة : " صحيح على شرط
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري " قال
ابن دقيق العيد : ليس من رواية
الحسن عن
سمرة من شرط
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وإن أراد أن
الحسن أو
سمرة في
[ ص: 71 ] الجملة من شرطه ، فهو من شرط
مسلم أيضا . انتهى .
فعلم منه أن الشرط إنما يتم إذا خرج لرجال السند بالصورة المجتمعة ، ويمكن أن يجاب عن
الحاكم : بأنه أراد أن
مسلما ينفي سماع
الحسن من
سمرة أصلا ،
nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري ممن يثبت ذلك ، بدليل إخراجه [ في صحيحه من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=15684حبيب بن الشهيد ، أنه قال : قال لي
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين : سئل
الحسن ممن سمع حديث العقيقة ؟ فسألته فقال : من
سمرة ] .