الرواية بالمعنى .
( 632 ) وليرو بالألفاظ من لا يعلم مدلولها وغيره فالمعظم ( 633 ) أجاز بالمعنى وقيل لا الخبر
والشيخ في التصنيف قطعا قد حظر ( 634 ) وليقل الراوي بمعنى أو كما
قال ونحوه كشك أبهما
[ الرواية بالمعنى والخلاف فيها ] : الفصل الثالث : ( الرواية بالمعنى ) والخلاف في ذلك ، والاستحباب لمن روى به أن يأتي بما يدل عليه .
( وليرو بالألفاظ ) التي سمع بها مقتصرا عليها بدون تقديم ولا تأخير ولا زيادة ولا نقص لحرف فأكثر ، ولا إبدال حرف أو أكثر بغيره ، ولا مشدد بمخفف أو عكسه ، ( من ) تحمل من غير التصانيف ممن ( لا يعلم مدلولها ) أي : الألفاظ في اللسان ، ومقاصدها ، وما يحيل معناها ، والمحتمل من غيره ، والمرادف منها ، وذلك على وجه الوجوب بلا خلاف بين العلماء ; لأن من اتصف بذلك لا يؤمن بتغييره من الخلل .
ألا ترى إلى
nindex.php?page=showalam&ids=13382إسماعيل ابن علية كيف أنكر على
شعبة - مع جلالته وإتقانه - روايته بالمعنى عنه
[ ص: 138 ] لحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=929934النهي أن يتزعفر الرجل بلفظ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=929935نهى عن التزعفر . الدال على العموم حيث لم يفطن لما فطن له
إسماعيل الذي رواية
شعبة عنه من رواية الأكابر عن الأصاغر ، من اختصاص النهي بالرجال .
( وأما غيره ) ممن يعلم ذلك ويحققه فاختلف فيه السلف وأصحاب الحديث وأرباب الفقه والأصول .
( فالمعظم ) منهم ( أجاز ) له الرواية ( بالمعنى ) إذا كان قاطعا بأنه أدى معنى اللفظ الذي بلغه ، سواء في ذلك المرفوع أو غيره ، كان موجبه العلم أو العمل ، وقع من الصحابي أو التابعي أو غيرهما ، حفظ اللفظ أم لا ، صدر في الإفتاء والمناظرة أو الرواية ، أتى بلفظ مرادف له أم لا ، كان معناه غامضا أو ظاهرا ، حيث لم يحتمل اللفظ غير ذاك المعنى وغلب على ظنه إرادة الشارع بهذا اللفظ ما هو موضوع له دون التجوز فيه والاستعارة .
وجاء الجواز عن غير واحد من الصحابة ، وعن بعض التابعين قال : لقيت أناسا من الصحابة فاجتمعوا في المعنى واختلفوا علي في اللفظ ، فقلت ذلك لبعضهم فقال : لا بأس به ما لم يحل معناه . حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
وقال
حذيفة : إنا قوم عرب ، نورد الأحاديث فنقدم ونؤخر . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين : كنت أسمع الحديث من عشرة ، المعنى واحد واللفظ مختلف .
[ ص: 139 ] وممن كان يروي بالمعنى من التابعين :
الحسن nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي والنخعي ، بل قال
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح : إنه الذي يشهد به أحوال الصحابة والسلف الأولين ، فكثيرا ما كانوا ينقلون معنى واحدا في أمر واحد بألفاظ مختلفة ، وما ذاك إلا لأن معولهم كان على المعنى دون اللفظ . انتهى .
ولانتشاره أجاب
مالك من سأله لم لم تكتب عن الناس وقد أدركتهم متوافرين ؟ بقوله : لا أكتب إلا عن رجل يعرف ما يخرج من رأسه . وكذا تخصيصه ترك الأخذ عمن له فضل وصلاح إذا كان لا يعرف ما يحدث به بكونه كان قبل أن تدون الكتب والحديث في الصدور ; لأنه يخشى أن يخلط فيما يحدث به .
فيه إشارة كما قال شيخنا إلى أنهم كانوا يحدثون على المعاني ، وإلا فلو حفظه لفظا لما أنكره ، ومن ثم اشترط
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ومن تبعه فيمن لم يتقيد بلفظ المحدث كونه عاقلا لما يحيل معناه ، كما تقرر في معرفة من تقبل روايته .
قال
الماوردي nindex.php?page=showalam&ids=14396والروياني : وشرطه أن يكون متساويا له في الجلاء والخفاء ، وإلا فيمتنع ، كقوله صلى الله عليه وسلم : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=929936لا طلاق في إغلاق ) . فلا يجوز التعبير عنه بالإكراه . وإن كان هو معناه ; لأن الشارع لم يذكره كذلك إلا لمصلحة فيكل استنباطه للعلماء .
ثم جعلا محل الخلاف في غير الأوامر والنواهي ، وجزما بالجواز فيهما ، ومثلا الأمر بقوله : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=929937اقتلوا الأسودين الحية والعقرب ) فيجوز أن يقال أمر بقتلهما ، والنهي بقوله : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=929938لا [ ص: 140 ] تبيعوا الذهب بالذهب إلا سواء بسواء ) فيجوز أن يقال : نهى عن كذا وكذا . لأن " افعل " أمر ، و " لا تفعل " نهي .
ونازعهما الإسنوي بأن لفظ " افعل " للوجوب ، و " لا تفعل للتحريم " ، بخلاف لفظ الأمر ولفظ النهي . وفيه نظر ; إذ " افعل " و " لا تفعل " حقيقة عبارة عنهما . وكذا عليه - كما قال
الخطيب - المبالغة في التوقي والتحري خوفا من إحالة المعنى الذي يتغير به الحكم .
وقيل : لا تجوز له الرواية بالمعنى مطلقا . قاله طائفة من المحدثين والفقهاء والأصوليين من الشافعية وغيرهم ، قال
القرطبي : وهو الصحيح من مذهب
مالك . حتى إن بعض من ذهب لهذا شدد فيه أكثر التشديد ، فلم يجز تقديم كلمة على كلمة ، وحرف على آخر ، ولا إبدال حرف بآخر ، ولا زيادة حرف ولا حذفه ، فضلا عن أكثر ، ولا تخفيف ثقيل ، ولا تثقيل خفيف ، ولا رفع منصوب ، ولا نصب مجرور أو مرفوع ، ولو لم يتغير المعنى في ذلك كله ، بل اقتصر بعضهم على اللفظ ولو خالف اللغة الفصيحة .
وكذا لو كان لحنا ، كما بين تفصيل هذا كله
الخطيب في ( الكفاية ) مما سيأتي بعضه في كل من الفصل الذي بعده والسادس والعاشر قريبا ، لما فيه من خوف الدخول في الوعيد حيث عزى للنبي صلى الله عليه وسلم لفظا لم يقله ، ولكونه صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم ، واختصر له الكلم اختصارا .
وغيره ولو كان في الفصاحة والبلاغة بأقصى غاية ليس مثله ، بل قد يظن توفية اللفظ بمعنى اللفظ الآخر ، ولا يكون كذلك في نفس الأمر كما عهد في كثير من الأحاديث .
[ ص: 141 ] وأيضا فالاتفاق حاصل على ورود الشرع بأشياء قصد فيها الإتيان باللفظ والمعنى جميعا ، نحو التكبير والتشهد والأذان والشهادة ، وإذا كان كذلك أمكن أن يكون المطلوب بالحديث لفظه ومعناه جميعا ، لا سيما وقد ثبت قوله صلى الله عليه وسلم : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=929939نضر الله امرءا سمع منا حديثا فأداه كما سمعه ) .
nindex.php?page=hadith&LINKID=929940ورده صلى الله عليه وسلم على الذي علمه ما يقوله عند أخذ مضجعه إذ قال : و " رسولك " بقوله : " لا ، ونبيك . قال
ابن كثير : وكان ينبغي أن يكون هذا المذهب هو الواقع ، ولكن لم يتفق ذلك . انتهى .
وممن اعتمده
مسلم ، فإنه في ( صحيحه ) يميز اختلاف الرواة حتى في حرف من المتن ، وربما كان بعضه لا يتغير به معنى ، وربما كان في بعضه اختلاف في المعنى ، ولكنه خفي لا يتفطن له إلا من هو في العلم بمكان ، بخلاف
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وكذا سلكه
أبو داود ، وسبقهما لذلك شيخهما
أحمد .
ومن أمثلته عنده : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون nindex.php?page=showalam&ids=16287وعباد بن عباد المهلبي قالا : أنا
هشام - قال
عباد :
ابن زياد - عن أبيه ، عن
فاطمة ابنة الحسين ، عن أبيها
الحسين بن علي مرفوعا : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=929941ما من مسلم يصاب بمصيبة وإن طال عهدها ) . قال عباد : ( وإن قدم عهدها ) .
وربما نشأ عن نسبة ما يزيده بعض الرواة من الأنساب إثبات راو لا وجود له كما سأذكره في سابع الفصول .
ومن أمثلته في "
أبي داود " ساق في الأذان حديثا عن
nindex.php?page=showalam&ids=16719عمرو بن مرزوق nindex.php?page=showalam&ids=12166ومحمد بن المثنى بلفظ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=929942ولولا أن يقول الناس ) . فقال : قال
ابن المثنى : ( أن يقولوا ) . وبلفظ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=929943لقد أراك الله خيرا ) فقال : ولم يقل
عمرو : ( لقد ) .
[ ص: 142 ] ( وقيل : لا ) يجوز ( في الخبر ) يعني حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة لما تقدم ، ويجوز في غيره ، قاله
مالك فيما رواه عنه
البيهقي والخطيب وغيرهما .
وقيل : لا يجوز إن كان موجبه عملا كـ (
nindex.php?page=hadith&LINKID=929944تحليلها التسليم وتحريمها التكبير ) . و (
nindex.php?page=hadith&LINKID=929945خمس يقتلن في الحل والحرم ) ، وإن كان موجبه علما جاز ، بل وفي العمل أيضا ما يجوز بالمعنى ، نقله
ابن السمعاني .
وقيل : لا يجوز لغير الصحابة خاصة ، لظهور الخلل في اللسان بالنسبة لمن قبلهم ، بخلاف الصحابة فهم أرباب اللسان وأعلم الخلق بالكلام . حكاه
الماوردي nindex.php?page=showalam&ids=14396والروياني في باب القضاء ، بل جزما بأنه لا يجوز لغير الصحابي ، وجعلا الخلاف في الصحابي دون غيره .
وقيل : لا يجوز لغير الصحابة والتابعين بخلاف من كان منهم . وبه جزم بعض معاصري
الخطيب ، وهو حفيد
القاضي أبي بكر في ( أدب الرواية ) ، قال : لأن الحديث إذا قيده الإسناد وجب ألا يختلف لفظه فيدخله الكذب .
وقيل : لا يجوز لمن يحفظ اللفظ لزوال العلة التي رخص فيه بسببها ، ويجوز لغيره ; لأنه تحمل اللفظ والمعنى وعجز عن أحدهما فلزمه أداء الآخر ، لأنه بتركه يكون كاتما للأحكام . قاله
الماوردي في ( الحاوي ) وذهب إليه .
[ ص: 143 ] وقيل : لا يجوز في الرواية والتبليغ خاصة بخلاف الإفتاء والمناظرة . قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم في كتاب ( الإحكام ) .
وقيل : لا يجوز بغير اللفظ المرادف له بخلافه به ، مع اختلاف الأصوليين في مسألة قيل : إن النزاع في مسألتنا يتفرع عن النزاع فيها ، وهي : جواز إقامة كل من المترادفين مقام الآخر . على ثلاثة أقوال ثالثها التفصيل ، فإن كان من لغته جاز ، وإلا فلا ، وقيل : لا يجوز في المعنى الغامض دون الظاهر . أشار إليه
الخطيب .
والمعتمد الأول ، وهو الذي استقر عليه العمل ، والحجة فيه أن في ضبط الألفاظ والجمود عليها ما لا يخفى من الحرج والنصب المؤدي إلى تعطيل الانتفاع بكثير من الأحاديث حتى قال
الحسن : لولا المعنى ما حدثنا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري : لو أردنا أن نحدثكم بالحديث كما سمعناه ما حدثناكم بحرف واحد .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع : إن لم يكن المعنى واسعا فقد هلك الناس .
وأيضا فقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله : وإذا كان الله عز وجل برأفته بخلقه أنزل كتابه على سبعة أحرف معرفة منه بأن الحفظ قد يزل ، لتحل لهم قراءته وإن اختلف لفظهم فيه ، ما لم يكن في اختلافهم إحالة معنى ، كان ما سوى كتاب الله أولى أن يجوز فيه اختلاف اللفظ ما لم يحل معناه .
وسبقه لنحوه
يحيى بن [ ص: 144 ] سعيد القطان فإنه قال : القرآن أعظم من الحديث ، ورخص أن نقرأه على سبعة أحرف . وكذا قال
أبو أويس : سألنا
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن
التقديم والتأخير في الحديث ، فقال : إن هذا يجوز في القرآن ، فكيف به في الحديث ! إذا أصبت معنى الحديث ; فلم تحل به حراما ، ولم تحرم به حلالا ، فلا بأس به .
بل قال
مكحول وأبو الأزهر : دخلنا على
واثلة رضي الله عنه ، فقلنا له : حدثنا بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيه وهم ولا نسيان ، فقال : هل قرأ أحد منكم من القرآن شيئا ؟ فقلنا : نعم ، وما نحن له بحافظين جدا ، إنا لنزيد الواو والألف وننقص .
قال : فهذا القرآن مكتوب بين أظهركم لا تألونه حفظا ، وأنتم تزعمون أنكم تزيدون فيه وتنقصون منه ، فكيف بأحاديث سمعناها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عسى ألا نكون سمعناها منه إلا مرة واحدة ، حسبكم إذا حدثناكم بالحديث على المعنى .
واحتج
nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة بأن الله تعالى أخبر عن
موسى عليه السلام وعدوه
فرعون بألفاظ مختلفة في معنى واحد كقوله :
بشهاب قبس ، و
بقبس أو
جذوة من النار ، وكذلك قصص سائر الأنبياء عليهم السلام في القرآن ، وقولهم لقومهم بألسنتهم المختلفة ، وإنما نقل إلينا ذلك بالمعنى ، وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب كما أخرجه
أبو داود :
nindex.php?page=hadith&LINKID=929946كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بـ سبح اسم ربك ، وقل للذين [ ص: 145 ] كفروا ، والله الواحد الصمد . فسمى السورتين الأخيرتين بالمعنى .
ومن أقوى الحجج - كما قال شيخنا - ما حكى فيه
الخطيب اتفاق الأمة من جواز
شرح الشريعة للعجم بلسانهم للعارف به ، فإذا جاز الإبدال بلغة أخرى فجوازه باللغة العربية أولى ، وأشار إليه
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب ، واستأنسوا للجواز بحديث مرفوع :
قلنا : يا رسول الله ، إنا نسمع منك الحديث فلا نقدر أن نؤديه .
فقال : ( إذا لم تحلوا حراما ، ولم تحرموا حلالا ، وأصبتم المعنى ، فلا بأس ) .
وهو حديث مضطرب لا يصح ، بل ذكره
الجوزقاني nindex.php?page=showalam&ids=11890وابن الجوزي في " الموضوعات " ، وفي ذلك نظر .
وكذا استأنسوا له بما يروى عن
أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعا : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=929717من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده بين عيني جهنم ) .
قال : فشق ذلك على أصحابه حتى عرف في وجوههم ، وقالوا : ( يا رسول الله ، قلت هذا ونحن نسمع منك الحديث فنزيد وننقص ، ونقدم ونؤخر ) .
فقال : ( لم أعن ذلك ، ولكن عنيت من كذب علي يريد عيبي وشين الإسلام ) .
وقد قال
الحاكم : إنه أيضا حديث باطل ، وفي إسناده
محمد بن الفضل بن عطية ، اتفقوا على تكذيبه ، بل قال
nindex.php?page=showalam&ids=16216صالح جزرة : إنه كان يضع الحديث . لكن له
[ ص: 146 ] طريق أخرى ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12289أحمد بن منيع في ( مسنده ) ،
والخطيب في ( كفايته ) ، معا من طريق
خالد بن دريك ، عن رجل من الصحابة أتم منه . وبه تعلق بعض الوضاعين كما أشرت إليه هناك .
ثم إن ما استدل به المخالف يدفعه القطع بنقل أحاديث - كما تقدم قريبا - في وقائع متحدة بألفاظ مختلفة من غير إنكار من أحد ، بحيث كان إجماعا ، والقصد قطعا مع إيراد اللفظ إنما هو المعنى ، وهو حاصل ، وإن كان لفظ الشارع أبلغ وأوجز ، ويكفي في كونه معناه غلبة الظن ،
وإلحاق حديث الرسول صلى الله عليه وسلم بألفاظ الأذان والتشهد ونحوهما من التوقيفيات لا دليل له كما قاله
الخطيب .
وحديث ( نضر الله ) ربما يتمسك به للجواز ، لكونه مع ما قيل : إنه صلى الله عليه وسلم لم يحدث به سوى مرة واحدة ، روي بألفاظ مختلفة : كـ ( رحم الله ) ، و ( من سمع ) ، و ( مقالتي ) ، و ( بلغه ) ، و ( أفقه ) ، و ( لا فقه له ) مكان ( نضر الله ) ، و ( امرأ ) ، و ( منا حديثا ) ، و ( أداه ) ، و ( أوعى ) ، و ( ليس بفقيه ) .
لا سيما وفيه ما يرشد إلى الفرق بين العارف وغيره بقوله : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=929948فرب مبلغ أوعى من سامع ، ورب حامل فقه وليس بفقيه ، إلى من هو أفقه منه ) .
وأما حديث : ( لا ونبيك ) ففي الاستدلال به نظر ; لأنه وإن تحقق بالقطع أن المعنى في اللفظين متحد ; لأن الذات المحدث عنها واحدة ، فالمراد يفهم بأي صفة وصف بها الموصوف ، فيحتمل أن المنع لكون ألفاظ الأذكار كما سيأتي في الفصل الثاني عشر توقيفية ، ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس ، فتجب
[ ص: 147 ] المحافظة على اللفظ الذي وردت به .
وبالجملة ، فيستحب له أن يورد الأحاديث بألفاظها كما قاله
الحسن وغيره ; لأن ذلك أسلم وأفضل كما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين وغيره ، ولذا كان
nindex.php?page=showalam&ids=16349ابن مهدي - فيما حكاه عنه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد - يتوقى كثيرا ، ويحب أن يحدث بالألفاظ . هذا كله فيمن تحمل من غير التصانيف .
والشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح في ( التصنيف ) المدون ( قطعا قد حظر ) بالمهملة ثم المعجمة ، أي : منع تغيير اللفظ الذي اشتمل عليه ، وإثبات لفظ آخر بدله بمعناه ، بدون إجراء خلاف منه ، بل ولا علم غيره أجراه ، لكون المشقة في ضبط الألفاظ والجمود عليها التي هو معول الترخيص منتفية في الكتب المدونة ، يعني كما هو أحد الأقوال في القسم الأول المحكي فيه المنع لحافظ اللفظ ، وأيضا فهو إن ملك تغيير اللفظ فليس يملك تغيير تصنيف غيره .
وهذا قد يؤخذ منه اختصاص المنع بما إذا روينا التصنيف نفسه أو نسخناه ، أما إذا نقلنا منه إلى تخاريجنا وأجزائنا فلا ، إذ التصنيف حينئذ لم يتغير ، وهو مالك لتغيير اللفظ . أشار إليه
ابن دقيق العيد ، وأقره شيخنا ، وهو ظاهر وإن نازع المؤلف فيه ، وحينئذ فهو كما قال
ابن دقيق العيد : لا يجري على الاصطلاح ، فإن الاصطلاح على أن لا تغير الألفاظ بعد الانتهاء إلى الكتب المصنفة ، سواء روينا فيها أو نقلنا منها .
ووافقه المؤلف في كونه الاصطلاح ، لكن ميل شيخنا إلى الجواز إذا قرن بما يدل عليه ، كقوله : " بنحوه " .
ويشهد له تسوية
nindex.php?page=showalam&ids=12453ابن أبي الدم كما تقدم في
[ ص: 148 ] رابع التنبيهات التالية لثاني أقسام التحمل بين القسمين ، لا سيما وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح في القسم الأول .