[ ص: 332 ] [
طلب العلو في الحديث سنة ] :
( وطلب العلو ) الذي هو قلة الوسائط في السند أو قدم سماع الراوي أو وفاته ( سنة ) عمن سلف كما قاله الإمام
أحمد ، بل قال
الحاكم : إنه سنة صحيحة ، متمسكا في ذلك بحديث
أنس في مجيء
ضمام بن ثعلبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليسمع منه مشافهة ما سلف سماعه له من رسوله إليهم ; إذ لو كان العلو غير مستحب لأنكر عليه صلى الله عليه وسلم سؤاله عما أخبره به رسوله عنه ، وترك اقتصاره على خبره له .
ولكن إنما يتم الاستدلال بذلك على اختيار
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في أن قول
ضمام : ( آمنت بما جئت به ) إخبار ، وهو الذي رجحه
عياض ، ولكنه قال : إنه حضر بعد إسلامه مستثبتا من الرسول صلى الله عليه وسلم لما أخبر به رسوله إليهم ; لأنه قال في حديث
ثابت عن
أنس عند
مسلم وغيره : ( فإن رسولك زعم ) ، وقال في رواية
كريب عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عند
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : (
أتتنا كتبك ، وأتتنا رسلك ) .
أما على القول بأن قوله : ( آمنت ) إنشاء كما هو مقتضى صنيع
أبي داود حيث ذكره في باب ما جاء في المشرك يدخل المسجد ، ورجحه
القرطبي متمسكا فيه بقوله : ( زعم ) ; فإن الزعم القول الذي لا يوثق به فيما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12758ابن السكيت وغيره ، فلا ; فإنه حينئذ إنما يكون مجيئه وهو شاك لكونه لم يصدقه ، وأرسله قومه ليسأل لهم .
قال شيخنا : ( وفيه نظر ، أما أولا : فالزعم يطلق أيضا على القول المحقق كما نقله
nindex.php?page=showalam&ids=12102أبو عمر الزاهد في شرح فصيح شيخه
ثعلب ، وأكثر
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه من قوله : زعم
الخليل في مقام الاحتجاج .
وأما ثانيا : فلو كان إنشاء لكان طلب معجزة توجب له التصديق ، على أن
القرطبي استدل به على صحة إيمان المقلد للرسول صلى الله عليه وسلم ولو
[ ص: 333 ] لم تظهر له معجزة ) ، وكذا أشار إليه
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح .
وبالجملة ، فطرقه الاحتمال ، ولم يتعين أن يكون
ضمام قصد العلو ، وكذا نازع بعضهم في كونه قصد ذلك بقوله في باقي الخبر : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=930036وأنا رسول من ورائي ) . وعلى تقدير تحتم قصد العلو فعدم الإنكار يحتمل أن يكون لكونه جائزا ، ولكن قد استدل له بقول النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=155لتميم الداري لما رآه كما في بعض طرق حديثه في الجساسة : (
يا تميم ، حدث الناس بما حدثتني ) . وبقوله أيضا : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=930038خير الناس قرني ) الحديث ; فإن
العلو يقربه من القرون الفاضلة .
وقد قال بعضهم : من أدرك إسنادا عاليا في الصغر رجا عند الشيخوخة والكبر أن يكون من قرن أفضل من الذي هو فيه والذي بعده ويليه .
ويشير إليه قول
nindex.php?page=showalam&ids=16899محمد بن أسلم الطوسي : قرب الإسناد قرب ، أو قال : قربة إلى الله عز وجل ; فإن القرب من الرسول بلا شك قرب إلى الله .
ونحوه قول
nindex.php?page=showalam&ids=13260أبي حفص بن شاهين في جزء (
ما قرب سنده من رسول الله صلى الله عليه وسلم ) من تخريجه : نرجو بهذه الأحاديث أن نكون من جملة من قال النبي صلى الله عليه وسلم : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=930038خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) .
ثم أسند إلى
nindex.php?page=showalam&ids=15917زرارة بن أوفى قال : القرن مائة وعشرون عاما . قلت : وهذا أقصى ما قيل في تحديده ، ولكن أشهره ما وقع في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11788عبد الله بن بسر عند
مسلم مما يدل على أن
[ ص: 334 ] القرن مائة .
ويمكن الاستدلال للعلو أيضا بأنه صلى الله عليه وسلم لما أخبره
nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد عن رؤيته في المنام الأذان ، وأعلمه بألفاظه وكيفيته ، قال له : ( ألقه على
بلال ) ، ولم يلقه صلى الله عليه وسلم عليه بنفسه .
وبقول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس حين سمع عن
عائشة بعض الأحاديث : ( لو كنت أدخل عليها لدخلت حتى تشافهني به ) .
وكذا مما استدل به له استحباب الرحلة ; إذ في الاقتصار على النازل - كما قال
الخطيب - إبطال لها وتركها ، وقد رحل خلق من العلماء قديما وحديثا إلى الأقطار البعيدة طلبا للعلو كما قدمنا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : ( وكان أصحاب
عبد الله يرحلون من
الكوفة إلى
المدينة فيتعلمون من
عمر ويسمعونه منه ) .
وهذا كله شاهد لتفضيل العلو ، وهو المشهور ، بل لم يحك
الحاكم خلافه ، وحينئذ
فلا يكتفى بسماع النازل مع وجود العالي ، وقد حكى
الخطيب في الاكتفاء وعدمه مذهبين ، وذكر من أدلة الأول قول
البراء رضي الله عنه : ( ليس كلنا كان يسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كانت لنا ضياع وأشغال ، ولكن الناس لم يكونوا يكذبون يومئذ ، فيحدث الشاهد الغائب ) .
وقول
nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد : كنا نكون في مجلس
nindex.php?page=showalam&ids=12341أيوب السختياني فنسمع رجلا يحدث عن
[ ص: 335 ] أيوب فنكتبه منه ، ولا نسأل من
أيوب . وميل
أحمد إلى الاكتفاء به ; حيث فوت بالاشتغال بالعلو من يسترشد به للاستنباط ونحوه ; فإنه قال
nindex.php?page=showalam&ids=17336لابن معين : إن فاتك حديث بعلو وجدته بنزول ، وإن فاتك عقل هذا الفتى - وعنى إمامنا
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمهما الله - أوشك أن لا تراه .