فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء

808 - ومات آخرا بغير مرية أبو الطفيل مات عام مائة      809 - وقبله السائب بالمدينة
أو سهل او جابر او بمكة      810 - وقيل : الاخر بها ابن عمرا
إن لا أبو الطفيل فيها قبرا      811 - وأنس بن مالك بالبصرة
وابن أبي أوفى قضى بالكوفة      812 - والشام فابن بسر او ذو باهله
خلف وقيل : بدمشق واثله      813 - وأن في حمص ابن بسر قبضا
وأن بالجزيرة العرس قضى      814 - وبفلسطين أبو أبي
ومصر فابن الحارث بن جزي      815 - وقبض الهرماس باليمامة
وقبله رويفع ببرقة      816 - وقيل إفريقية وسلمه
باديا او بطيبة المكرمه

[ من آخر الصحابة موتا ] ( و ) أما الثاني ، وهو مطلق ومقيد ، فـ ( مات ) منهم ( آخرا ) على الإطلاق ( بغير مرية ) بكسر الميم وضمها ; أي : شك ، ( أبو الطفيل ) عامر بن واثلة الليثي ، كما ثبت من قوله حيث قال : ( رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما على وجه الأرض رجل رآه غيري ) . وبذلك جزم مصعب الزبيري وأبو زكريا بن منده وخلق ، بل أجمع عليه أهل الحديث .

وممن جزم به مسلم بن الحجاج ، وإنه ( مات عام مائة ) ; أي : من الهجرة . وكذا قال ابن عبد البر ، لكن قال خليفة : إنه مات بعد سنة مائة . وعن ابن البرقي : سنة اثنتين ومائة . وعن مبارك بن فضالة : سنة سبع . وبه جزم غير واحد . وعن جرير بن حازم : سنة عشر . وصححه الذهبي في ( الوفيات ) ، وشيخنا في ترجمة عكراش من ( التهذيب ) . وكانت وفاته بمكة كما قاله ابن المديني وابن حبان وغيرهما . وقيل : بالكوفة . والأول أصح .

وحينئذ فيكون الصحيح أنه آخر من مات بمكة أيضا من الصحابة كما جزم به ابن [ ص: 129 ] حبان وأبو زكريا بن منده . بل هو آخر المائة التي أشار إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أواخر عمره كما صح عنه بقوله : ( أرأيتكم ليلتكم هذه ، فإن رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد ) . أخرجه البخاري في السمر في الخبر بعد العشاء من الصلاة ، في السمر أيضا من العلم ، وبه تمسك هو وغيره للقول بموت الخضر .

لكن قال النووي : إن الجمهور على خلافه . وأجابوا عنه أن الخضر كان حينئذ من ساكني البحر ، فلم يدخل في العموم . قالوا : ومعنى الحديث لا يبقى ممن ترونه أو تعرفونه ، فهو عام أريد به الخصوص . وقالوا أيضا : خرج عيسى عليه السلام من ذلك مع كونه حيا ; لأنه في السماء لا في الأرض ، إلى غير ذلك مما له غير هذا المحل . وذكر البيهقي في ( الدلائل ) هذا الحديث فيما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من الكوائن بعده ، فكان كما أخبر . وأما ما ذكره ابن قتيبة في ( المعارف ) ، وابن دريد في الاشتقاق من أن عكراش بن ذؤيب ، أحد المعدودين في الصحابة ، شهد الجمل مع عائشة ، فقال الأحنف : كأنكم به وقد أتي به قتيلا أو به جراحة لا تفارقه حتى يموت ، قال : فضرب ضربة على أنفه عاش بعدها مائة سنة ، أو أثر الضربة به . فهذه الحكاية كما قال شيخنا إن صحت مع انقطاعها حملت على أنه أكمل المائة من عمره ، لا أنه استأنفها من يومئذ ، وإلا لاقتضى ذلك أن يكون عاش إلى دولة بني العباس ، وهو محال ; إذ المحدثون قد اتفقوا على أن أبا الطفيل آخر الصحابة موتا . وسبقه [ ص: 130 ] شيخه المصنف لنحوه فقال : وهذا إما باطل أو مؤول . وكذا توقف البلقيني في صحته . نعم ، استدرك هو على القول بآخرية أبي الطفيل نافع بن سليمان العبدي ; فقد روى حديثه إسحاق ابن راهويه في مسنده قال : أخبرني سليمان بن نافع العبدي بحلب قال : قال لي أبي : وفد المنذر بن ساوى من البحرين حتى أتى مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومعه أناس ، وأنا غليم لا أعقل ، أمسك جمالهم ، فذهبوا بسلاحهم فسلموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ووضع المنذر سلاحه ولبس ثيابا كانت معه ، ومسح لحيته بدهن ، فأتى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأنا مع الجمال أنظر إلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كما أنظر إليك ، ولكن لم أعقل ، فقال المنذر : قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( رأيت منك ما لم أر من أصحابك ) ، فقلت : أشيء جبلت عليه أم أحدثته ؟ قال : ( لا ، بل جبلت عليه ) . فلما أسلموا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( أسلمت عبد القيس طوعا ، وأسلم الناس كرها ) .

قال سليمان : وعاش أبي مائة وعشرين سنة . وأخرجه الطبراني في معجميه وابن قانع ، جميعا عن موسى بن هارون عن إسحاق . وكذا أخرجه ابن بشران في أماليه عن دعلج عن موسى . وقال موسى : ليس عند إسحاق أعلى من هذا . انتهى .

لكن قد ذكر شيخنا سليمان في كتابه في ( الضعفاء ) ، وقال : إنه غير معروف . وذكره ابن أبي حاتم عن أبيه ، ولم يذكر فيه جرحا ، قال : وإن صح يكون نافع قد عاش إلى دولة هشام ، إلا أني أظن أن سليمان وهم في سن أبيه ، فمحال أن يبقى أحد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد سنة عشر ومائة . وقال في موضع آخر : والقصة التي ذكرها للمنذر بن ساوى معروفة للأشج ، واسمه المنذر بن عائذ . قال : وأظن سليمان وهم في ذكر سن أبيه ; لأنه لو كان غلاما سنة الوفود ، وعاش هذا القدر ، لبقي إلى سنة عشرين ومائة ، وهو باطل ، فلعله قال : عاش مائة وعشرا ; لأن أبا الطفيل [ ص: 131 ] آخر من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - موتا ، وأكثر ما قيل في وفاته كما تقدم : إنها سنة عشر ومائة . وقد ثبت في الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم - قال في آخر عمره : ( لا يبقى بعد مائة من تلك الليلة على وجه الأرض أحد ) . وأراد بذلك انخرام قرنه ، فكان كذلك . قلت : ودعوى من ادعى الصحبة أو ادعيت له بعد أبي الطفيل ، وهم جبير بن الحارث ، والربيع بن محمود المارديني ، ورتن وسرباتك الهنديان ، ومعمر ، ونسطور أو جعفر بن نسطور الرومي ، ويسر بن عبيد الله ، الذين كان آخرهم رتن ; فإنه فيما قيل : مات سنة اثنتين وثلاثين وستمائة - باطلة . والكلام في شأنهم مبسوط في ( لسان الميزان ) لشيخنا ، وفي غيره من تصانيفه . بل قال ، وقد سئل عن طرق المصافحة إلى المعمر ما نصه : لا يخلو طريق من طرق المعمر عن متوقف فيه حتى المعمر ] نفسه ; فإن من يدعي هذه الرتبة يتوقف على ثبوت العدالة ، وإمكان ثبوت ذلك عناد لا يفيد مع ورود الشرع بنفيه ; فإنه - صلى الله عليه وسلم - أخبر بانخرام قرنه بعد مائة سنة من يوم مقالته .

فمن ادعى الصحبة بعد ذلك لزم أن يكون مخالفا لظاهر الخبر ، فلا يقبل إلا بطريق ينقطع العذر بها ، ويحتاج معها إلى تأويل الحديث المشار إليه .

ومما استظهر به ابن الجزري لبطلان الدعوى في هؤلاء كون الأئمة ; كأحمد والبخاري والدارمي وعبد ، ممن رحل الأقطار ، وجاب الأمصار ، وحرص على الإسناد العالي ، أعلى ما عندهم الثلاثيات مع قلتها جدا ; إذ خفاء الصحابة على مثلهم بعيد مع توفر الهمم على نقله . وبين أن ظهور المسمى بمعمر المغربي المدعى فيه الصحبة ومصافحة النبي - صلى الله عليه وسلم - له ، وقوله له : ( عمرك الله ) ، كان في حدود [ ص: 132 ] السبعمائة أو بعدها ، ثم قال : وكل هؤلاء كذابون دجالون ، لا يشتغل بحديثهم ولا بأمثالهم .

( و ) أما آخرهم موتا بالنسبة إلى النواحي ، فمات ( قبله ) ; أي : قبل أبي الطفيل ; إما ( السائب ) بن يزيد ابن أخت النمر ( بالمدينة ) النبوية ، ( أو سهل ) ، هو ابن سعد الساعدي ، ( او جابر ) بالنقل ، هو ابن عبد الله الأنصاري ; أي : فيها ، كما قيل به في كل واحد من الثلاثة ، فجزم به في الأول أبو بكر بن أبي داود ، وفي الثاني ابن المديني والواقدي وإبراهيم بن المنذر الحزامي وابن حبان وابن قانع وأبو زكريا بن منده وابن سعد ، وادعى نفي الخلاف فيه فقال : ليس بيننا في ذلك اختلاف ، بل أطلق أبو حازم أنه آخر الصحابة موتا ، وكأنه أخذه من قول سهل نفسه : لو مت لم تسمعوا أحدا يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ولكن الظاهر كما قال المؤلف : إنه أراد أهل المدينة خاصة ; يعني مع احتياجه إلى تأويل أيضا . وفي الثالث أبو نعيم وقتادة فيما رواه أحمد عنه ، وصدر به ابن الصلاح كلامه . والخلاف في ذلك مترتب عليه في وفياتهم .

فأما الأول فقيل : إنها سنة ثمانين أو بعدها باثنتين ، فيما قاله أبو نعيم أو بست أو بثمان . وقال الجعد بن عبد الرحمن والفلاس والواقدي : سنة إحدى وتسعين . وبه جزم ابن حبان . ويتأيد بذكر البخاري له : فصل من مات ما بين التسعين إلى المائة . وقيل : سنة أربع وتسعين . وكان مولده إما في الثانية أو الثالثة من الهجرة . وثبت قوله : حج بي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابن سبع .

[ ص: 133 ] وأما الثاني ، فقيل : سنة ثمان وثمانين ، قاله أبو نعيم . وقيل : إحدى وتسعين ، قاله الواقدي والمدائني ويحيى بن بكير وابن نمير وإبراهيم بن المنذر الحزامي . ورجحه ابن زبر وابن حبان .

لكن مقتضى قول أبي حاتم : إنه عاش مائة سنة أو أكثر ، مع ما ثبت من أن مولده قبل الهجرة بخمس سنين ، أن يكون تأخر إلى سنة ست وتسعين أو بعدها . ونحوه قول الواقدي : إنه عاش مائة سنة . وقيل : ستا وتسعين .

وأما الثالث ، فمات قبل الثمانين . قيل : سنة اثنتين ، كما قاله ابن زبر . أو ثلاث ، كما قاله ابن سعد والهيثم بن عدي . أو أربع ، كما قاله بعضهم . أو سبع ، كما قاله محمد بن يحيى بن حبان وأبو نعيم . أو ثمان ، كما قاله خلق ; منهم يحيى بن بكير والفلاس . أو تسع ، كما قاله خليفة في رواية وغيره . كل ذلك بعد السبعين ، وكلهم أبناء صحابة أيضا . والأشبه أن الثاني آخرهم ، على أنه قد اختلف أيضا في كون وفاة الأخيرين بالمدينة .

فأما أولهما ، فقيل فيه : إنه مات بإسكندرية أو مصر . ولكن قال شيخنا : المشهور أن ذلك ولده عباس ، فلعله اشتبه على حاكيه .

[ ص: 134 ] وأما ثانيهما ، فقيل : إنه مات بقباء ( او بمكة ) بالنقل مع الصرف ; للضرورة ، فيما قاله أبو بكر بن أبي داود : وإنه آخر من مات بها . ولكن الجمهور على المدينة .

وكذا قد تأخر عنهم ممن مات بالمدينة محمود بن لبيد الأشهلي إن مشينا على قول البخاري وابن حبان بصحبته ، وإلا فقد عده مسلم وجماعة في التابعين . ومحمود بن الربيع الذي عقل مجة النبي - صلى الله عليه وسلم - في وجهه وهو ابن خمس سنين . فأما أولهما ، فمات سنة خمس وتسعين أو التي بعدها . وأما ثانيهما ، فمات سنة تسع وتسعين .

( وقيل : الاخر ) بالنقل موتا ( بها ) ; أي : بمكة بعد ما علم من أن الصحيح في جابر أنه لم يمت بمكة ، فضلا عن أن يكون الآخر بها ، ( ابن عمرا ) عبد الله ، فيما قاله قتادة ، وأبو الشيخ ابن حيان في تاريخه ، وابن الجوزي في ( التلقيح ) . وبه صدر ابن الصلاح كلامه . والخلاف فيه أيضا ينشأ عنه في وقت وفاته ، فقيل : إنها سنة اثنتين وسبعين أو ثلاث ، وجزم به أحمد وأبو نعيم ويحيى بن بكير والجمهور . أو أربع ، وبه جزم سعيد بن جبير وخليفة والواقدي ، وصححه ابن زبر ، وقال : إنه أثبت عن سبع وثمانين على الصحيح . واختلف في محل دفنه منها ، فقال ابنه سالم : بفخ ، بالفاء والخاء المعجمة ، وهو فيما قيل وادي الظاهر . وتبعه ابن حبان وابن زبر [ ص: 135 ] وغيرهما .

وقال مصعب الزبيري : بذي طوى ; يعني بمقبرة المهاجرين . وقال غيرهما : بالمحصب . والصحيح أنه بالمقبرة العليا عند ثنية أذاخر ، كما في تاريخ الأزرقي وغيره ، وهو يقرب من القول الثالث . وأما ما يقوله الناس من أنه بالجبل الذي بالمعلاة ، فلا يصح من وجه .

وبالجملة ، فلم يختلفوا في أنه توفي بمكة ، وإنما يكون كل من ابن عمر وجابر على القول المرجوح فيه آخر من مات بمكة .

( إن لا ) ; أي : إن لم يكن ، ( أبو الطفيل ) الماضي أولا ( فيها ) ; أي : في مكة ، قد ( قبرا ) . ولكن الصحيح أنه قبر بها كما قدمته .

( وأنس بن مالك ) الآخر موتا ( بالبصرة ) بتثليث الموحدة ، والكسر أصحها فيما قاله قتادة وأبو هلال والفلاس وابن المديني وابن سعد وأبو زكريا ابن منده وغيرهم .

وكانت وفاته في سنة تسعين أو إحدى أو اثنتين أو ثلاث ، ورجحه النووي والذهبي . والذي قبله ابن الأثير ، وهو قول الواقدي : أو خمس أو ست عن مائة ونيف . بل قيل : وعشر ، وهو عجيب . وقد قال شيخنا : أكثر ما قيل في سنه إذ قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة : عشر سنين . وأقرب ما قيل في وفاته : سنة ثلاث وتسعين . فعلى هذا غاية ما يكون عمره مائة سنة وثلاث سنين . وقد نص على ذلك خليفة بن خياط في تاريخه ، فقال : مات سنة ثلاث وتسعين ، وهو ابن مائة وثلاث سنين . وقول حميد ، وكذا الواقدي : مائة إلا سنة .

قال النووي : إنه شاذ مردود . وقال ابن عبد البر : وما أعلم أحدا مات بعده ممن رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا [ ص: 136 ] أبا الطفيل . وانتقد بمحمود بن الربيع كما تقدمت وفاته ، وبعبد الله بن بسر كما سيأتي في قول عبد الصمد . وكأن مستند ابن عبد البر قول أنس لمن سأله : أأنت آخر الصحابة ؟ : قد بقي قوم من الأعراب ، فأما من أصحابه فأنا آخرهم .

ولكن قوله بخصوصه قابل للتأويل بحمله على صحبة خاصة ، أو إنه ذكر ما علمه ، كما يجاب به عن ابن عبد البر ، وقد أشرت إلى ذلك في تعريف الصحابي .

( وابن أبي أوفى ) ، وهو عبد الله الأسلمي ، ( قضى ) ; أي : مات خاتمتهم ، ( بالكوفة ) فيما قاله قتادة والحسن والفلاس وابن حبان وابن زبر وابن عبد البر وأبو زكريا بن منده وابن الجوزي في ( التلقيح ) . وكانت وفاته في سنة ست وثمانين أو سبع أو ثمان . وقيل : بل آخر أهل الكوفة أبو جحيفة وهب السوائي ، قاله علي بن المديني . والأول أصح ; فإن وفاة أبي جحيفة سنة ثلاث وثمانين ، وقيل : أربع وسبعين .

نعم ، عمرو بن حريث ، وهو قد مات بها ، قد اختلف في وقت وفاته ، فقيل : سنة ثمان وتسعين ، كما رواه الخطيب في ( المتفق والمفترق ) له عن محمد بن الحسن الزعفراني . فعلى هذا هو آخر من مات بها . ولكن توقف شيخنا في كونها بتقديم التاء الفوقانية على السين ، وقال : فيه نظر ، ولعله بتقديم السين على الموحدة ، لا سيما [ ص: 137 ] وقد حكاه خليفة بن خياط كذلك في تاريخه . وكذا جزم شيخنا في ( الإصابة ) بعدم ثبوته .

وحينئذ فابن أبي أوفى بعده ، وكذا يكون بعده على القول بأن عمرا مات سنة خمس وثمانين كما قاله البخاري وغيره ; كابن حبان ، في ثقاته ، وقال : إنها بمكة . وبكل هذا ظهر أن ابن أبي أوفى آخر أهل الكوفة ، بل هو آخر من شهد بيعة الرضوان وفاة .

( و ) أما الآخر منهم موتا بـ ( الشام ) بفتح الشين ثم ألف ; إما مع همزة ساكنة أو بدونها على لغتين من لغاتها ، بأسرها ، ( فـ ) إما ( ابن بسر ) بضم الموحدة ثم سين مهملة ، واسمه عبد الله المازني ، ( او ذو باهله ) ، وهو أبو أمامة صدي بن عجلان الباهلي ، ( خلف ) ; أي : في ذلك اختلاف . فالقائلون بالأول الأحوص بن حكيم وابن المديني وابن سعد تبعا للواقدي ، وابن حبان وابن قانع وابن عبد البر وغيرهم . وبالثاني الحسن البصري وابن عيينة في المروي عنهما ، وبه جزم أبو عبد الله بن منده . والصحيح الأول ; فقد قال البخاري في ( تاريخه الكبير ) : قال علي ; يعني ابن المديني : سمعت سفيان ، هو ابن عيينة ، يقول : قلت للأحوص : كان أبو أمامة آخر من مات عندكم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : كان بعده عبد الله بن بسر قد رأيته . والخلافية مترتبة عليها في وفياتيهما ، فقيل في الأول : إنها سنة ثمان وثمانين . وهو المشهور ، وقيل : ست وتسعين . قاله أبو القاسم عبد الصمد بن سعيد الحمصي القاضي ، وبه جزم أبو عبد الله بن منده وأبو زكريا بن منده وقال : إنه صلى للقبلتين .

فعلى هذا هو آخر من بقي ممن صلى للقبلتين ، وإنه مات عن مائة سنة . وكذا قال أبو نعيم في ( المعرفة ) ، وساق في ترجمته حديث : وضع النبي - صلى الله عليه وسلم - يده على رأسه وقال : ( يعيش هذا الغلام قرنا ) ، فعاش مائة . وقال أبو زرعة : إنها قبل سنة مائة . وقيل في الثاني : إنها سنة إحدى أو ست وثمانين . والثاني أشبه ، [ ص: 138 ] قاله الفلاس والمدائني وخليفة وأبو عبيد . بل عين قتادة وأبو زكريا بن منده والدارقطني - كما سيأتي الإشارة إليه - لوفاة أولهما حمص . وكذا عبد الصمد قال : وقبره في قرية تنوينة .

( وقيل ) مما سلك فيه طريقة أخرى في تفضيل نواح من الشام ، وهي دمشق وحمص والجزيرة وبيت المقدس : إن آخرهم موتا ( بدمشق واثله ) ، هو ابن الأسقع ، فيما قاله سعيد بن بشير عن قتادة . وكذا ذكره أبو زكريا بن منده . ولكن في كونه مات بدمشق اختلاف ، فالقائل به مع هذين دحيم ، وأما أبو حاتم الرازي فقال : ببيت المقدس . وقال ابن قانع : بحمص . وكذا اختلف أيضا في وقته ، فقيل : سنة ثلاث أو خمس أو ست وثمانين . قيل : وهو ابن مائة وخمس سنين . ( وأن في حمص ) كما قيل ( ابن بسر ) الماضي كما سبق ( قبضا ) آخرهم ، و ( أن بالجزيرة ) التي بين دجلة والفرات كما قيل أيضا ( العرس ) بضم العين المهملة ثم راء ساكنة ثم سين مهملة ، ابن عميرة - بفتح أوله - الكندي ، أحد من نزل الشام ، ( قضى ) أو مضى ; أي : مات آخرهم فيما قاله أبو زكريا بن منده . لكن قال أبو بكر الجعابي : إن آخر الصحابة موتا بالجزيرة وابصة بن معبد ، وكان قد نزلها . ونحوه قول هلال بن العلاء : قبر وابصة عند منارة جامع الرقة ; إذ الرقة على جانب الفرات الشمالي [ ص: 139 ] الشرقي ، وهي قاعدة ديار مضر من الجزيرة ، كما أن حران أيضا من ديار مضر ، فالله أعلم أيهما الآخر .

( و ) إن آخر من مات منهم فيما قيل أيضا ( بفلسطين ) بكسر الفاء وفتح اللام وسكون المهملة ، ناحية كبيرة وراء الأردن من أرض الشام ، فيها عدة مدن ، منها : القدس والرملة وعسقلان وغيرها . والمراد هنا أولها ، ( أبو أبي ) فيما قاله أبو زكريا بن منده ثم الدمياطي في ( أربعينه الكبرى ) ، وهو بضم الهمزة مصغر ، أنصاري مشهور بكنيته ، واسمه عبد الله ، ويقال له : ابن أم حرام ، وهي أمه ، وهي خالة أنس بن مالك وامرأة عبادة بن الصامت . وقيل غير ذلك . وفي اسم أبيه اختلاف ، قيل : عمرو بن قيس بن زيد ، كما قاله ابن سعد وخليفة وابن عبد البر . وقيل : أبي . وقيل : كعب . وكذا اختلف في كون وفاته ببيت المقدس ، فقال به ابن سميع . ويتأيد بقول شداد بن عبد الرحمن : كان يسكن ببيت المقدس . وقيل : بدمشق . ففي مقبرة الباب الصغير منها خارج الحظيرة قبر مكتوب عليه بالخط الكوفي القديم : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا قبر عبد الله ابن أم حرام ، يكنى أبا البراء ، ابن امرأة عبادة بن الصامت ، وبأنه مات بدمشق . جزم الكتاني ، وأرى قبره للأكفاني . فإن صح فيكون آخر من مات بفلسطين قيس بن سعد بن عبادة ; فقد حكى أبو الشيخ بن حيان في تاريخه عن بعض ولد سعد ، أن قيسا توفي بفلسطين في سنة خمس وثمانين في ولاية عبد الملك بن مروان . ولكن المشهور أنه توفي بالمدينة في آخر خلافة معاوية ، قاله الهيثم بن عدي والواقدي وخليفة وغيرهم . بل رأيت في ثقات [ ص: 140 ] ابن حبان مما حكاه شيخنا أيضا أنه هرب من معاوية سنة ثمان وخمسين ، وسكن تفليس ، يعني بفتح المثناة الفوقانية ثم فاء ، وآخره سين مهملة ، أحد بلاد آذربيجان مما يلي الثغر ، ومات بها في ولاية عبد الملك ، فلعل أحدهما تصحف .

( و ) أما الآخر منهم موتا بـ ( مصر فابن الحارث بن جزي ) ; أي : بإبدال الهمزة ياء للضرورة ; فإنه جزء ، وهو الزبيدي بضم الزاء ، مصغر ، نسبة لزبيد ، واسمه عبد الله . وكون موته بمصر وأنه آخرهم قاله ابن عيينة وابن المديني وأبو زكريا بن منده وابن الجوزي في ( تلقيحه ) . وكذا أطلق ابن عبد الحكم أنه مات بمصر . وعن الطحاوي أنه مات بسفط القدور ، وهي التي تعرف اليوم بسفط أبي تراب من الغربية قريبا من سمنود . وقيل : إنه مات باليمامة . حكاه أبو عبد الله بن منده عن ابن يونس ، أنه شهد بدرا . وقال شيخنا : إنه خبط فاحش ، قال : وأظنه عمه محمية بن جزء . وكذا قال المصنف : إنه لا يصح أنه شهد بدرا . فإن صح فهو آخر البدريين موتا . وكذا اختلف في وقت وفاته ، فقيل : سنة خمس أو ست ، وهو المشهور ، أو سبع أو ثمان أو تسع وثمانين .

( وقبض الهرماس ) بكسر الهاء وإسكان الراء المهملة ثم ميم مفتوحة ، وآخره سين مهملة ، ابن زياد الباهلي ، آخرهم ( باليمامة ) فيما قاله أبو زكريا بن منده . وذكر عكرمة بن عمار أنه لقيه في سنة اثنتين ومائة . ( و ) قبض ( قبله رويفع ) بضم الراء وكسر الفاء ، [ ص: 141 ] ابن ثابت الأنصاري المدني ( ببرقة ) بفتح الموحدة الثانية وبالصرف للضرورة ، من بلاد المغرب ، فيما قاله أحمد بن البرقي ، قال : وقد رأيت قبره بها ، وكان أميرا عليها . وكذا قال ابن يونس : إنه كان أميرا عليها لمسلمة بن مخلد ، وإن قبره معروف ببرقة إلى اليوم . وعين وفاته سنة ثلاث وخمسين .

( وقيل ) : إن وفاته كانت بـ ( إفريقية ) بكسر الهمزة وسكون الفاء وكسر الراء ثم ياء ساكنة ، بعدها قاف مكسورة ، ثم ياء تحتانية خفيفة وبالصرف أيضا ، من المغرب أيضا ، فيما قاله أبو زكريا بن منده .

لكن قال ابن الصلاح : إن الثاني لا يصح . وكذا صحح المزي الأول ، ووقع له في حكاية كلام ابن يونس في وفاته سهو ، تبعه عليه شيخنا في ( الإصابة والتهذيب ) ، ومن قبله الذهبي ، والذي في ابن يونس ما قدمته . وفي محل وفاته قول ثالث ، وإنه أنطابلس ، قاله الليث بن سعد . وقد يشهد له كون معاوية ولاه طرابلس المغرب سنة ست وأربعين ، فغزا إفريقية في التي بعدها ، ودخلها ثم انصرف ، وقيل : إنها كانت بالشام .

( و ) قبض ( سلمه ) بن عمرو بن الأكوع الأسلمي إما ( باديا ) ; أي : بالبادية ، فهو آخرهم بها ، قاله أبو زكريا بن منده ، ( او بطيبة ) ; أي : المدينة ، ( المكرمه ) بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فيما قاله ابنه إياس بن سلمة ويحيى بن بكير وأبو عبد الله بن منده ، ورجحه ابن الصلاح ، وهو الصحيح . وكذا اختلف في وقت وفاته ، فالصحيح أنه سنة أربع وسبعين ، وقيل : سنة أربع وستين .

ومما لم يذكره ابن الصلاح مما هو في جزء أبي زكريا بن منده المشار إليه في ذلك ، أن آخر من مات منهم بخراسان بريدة بن الحصيب . قلت : وكان قد غزا [ ص: 142 ] إليها في زمن عثمان ، ثم تحول إلى مرو فسكنها حتى مات في سنة ثلاث وستين . وحينئذ فقد تأخر بعده أبو برزة نضلة بن عبيد الأسلمي ; لقول خليفة : إنه مات بعد سنة أربع وستين . وحقق شيخنا أنه كان حيا في سنة خمس وستين ، وكان بخراسان فمات بها . قال الخطيب : إنه شهد مع علي قتال الخوارج بالنهروان ، وغزا بعد ذلك خراسان فمات بها . وكذا جزم خليفة والواقدي وابن سعد بأنه مات بها . لكن قال أبو علي محمد بن علي بن حمزة المروزي : قيل : إنه مات بنيسابور . وقيل : بالبصرة . وقيل : بمفازة بين سجستان وهراة . حكاه الحاكم في ( تاريخ نيسابور ) . وبالرخج ، وهي بضم الراء ثم خاء معجمة ساكنة ثم جيم ، من أعمال سجستان ، العداء - بوزن العطار - بن خالد بن هوذة العامري . قال شيخنا : وكأنه عمر ; فإن عند أحمد أنه عاش إلى زمن خروج يزيد بن المهلب ، وكان ذلك في سنة إحدى أو اثنتين ومائة . وقال : إنه فيما ذكره ابن سعد وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأقطعه مياها كانت لبني عامر يقال لها : الرخيخ ، بخائين معجمتين مصغر ، فكان ينزل بها . ومما ليس في الجزء أيضا أن آخر من مات بأصبهان منهم النابغة الجعدي ; [ ص: 143 ] فقد ذكر وفاته بها أبو الشيخ في ( طبقات الأصبهانيين ) ، وأبو نعيم في ( تاريخ أصبهان ) بعد أن عمر طويلا . وكان معاوية سيره إليها . وبالطائف عبد الله بن عباس ، وقد زرته . ومما لم يذكره المؤلف أيضا : آخر من مات بسمرقند قثم بن العباس شهيدا ، وهذا على الصحيح . وقيل : بل بمرو . وبواسط لبي بلام وموحدة مصغر ، ابن لبى بموحدة خفيفة وزن عصى على المعتمد فيهما كما سيأتي ، وكان يكون بها ، قاله أبو بكر الجعابي في ( تاريخ الطالبيين ) .

وقد جمع الصغاني اللغوي جزءا فيمن عرف أمكنة وفاته من الصحابة ، سماه ( در السحابة ) ، وهو عندي بخطه . واختصره خطيب داريا ، وفيهما فوائد مع احتياجهما إلى تنقيب .

ومما يشبه ما تقدم أن آخر من مات من البدريين بقيد الأنصار أبو أسيد مالك بن ربيعة الساعدي ، فيما قاله المدايني وأبو زكريا بن منده . أو أبو اليسر كعب بن عمرو ، فيما قاله ابن إسحاق ثم ابن الجوزي . وآخرهم بقيد المهاجرين سعد بن أبي وقاص ، وهو أيضا آخر العشرة موتا . وآخر من شهد بيعة الرضوان موتا على ما تقدم عبد الله بن أبي أوفى . وآخر من صلى للقبلتين موتا على ما تقدم أيضا عبد الله بن بسر . وآخر من شهد العقبة موتا فيما قاله ابن الجوزي جابر .

[ ص: 144 ] وآخر موالي النبي - صلى الله عليه وسلم - موتا سفينة . وآخر أزواجه - صلى الله عليه وسلم - موتا ميمونة فيما قاله الواقدي وغيره . وقيل : أم سلمة ، كما رواه يونس عن ابن شهاب . قال شيخنا : وهو الصحيح . وفي صحيح مسلم ما يقويه . وأغرب ابن حزم فزعم أن صفية آخر الزوجات موتا . وقال غيره : سنة خمسين . وقيل : سنة اثنتين وخمسين . وقيل : سنة خمس عشرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية