[
مراتب التابعين ] الثانية : في تفاوتهم بأن فيهم القديم الملاقي لقدماء
المهاجرين ، أو المدرك للزمن النبوي أو للجاهلية ، والمختص بمزيد الفضيلة عن سائرهم ، وبالعدالة ، وبرواية الصحابة عنهم ، والمتصدي للفتوى ، وإن اشتركوا في الاسم .
( وهم ) لتفاوتهم ( طباق ) . قيل : ثلاث ، كما في ( الطبقات )
لمسلم وابن سعد ، وربما بلغ بها أربعا . ( وقيل ) كما
للحاكم في ( علوم الحديث ) : ( خمس عشره ) بكسر الشين المعجمة كما كتبه الناظم بخطه مشيا على لغة
تميم ; ليكون مغايرا مع آخر البيت ، ولم يفصل الحاكم الطباق كلها . نعم ، أشعر تصرفه بأن كل من لقي من تقدم كان من الطبقة الأولى ، ثم هكذا إلى آخرها ; بحيث يكون آخرها
سليمان بن نافع إن صح أن والده من الصحابة ،
وزياد بن طارق الراوي عن
زهير بن صرد ، ونحوهما ;
nindex.php?page=showalam&ids=15831كخلف بن خليفة المتوفى - كما سلف قريبا - في سنة إحدى وثمانين ومائة ، وأنه آخر التابعين موتا . وحينئذ ( فأولهم رواة كل العشره ) المشهود لهم
[ ص: 149 ] بالجنة ، الذين سمعوا منهم .
nindex.php?page=showalam&ids=16834 ( وقيس ) هو ابن أبي حازم ، ( الفرد ) منهم ( بهذا الوصف ) ; أي : روايته عن كلهم ، كما نص عليه
عبد الرحمن بن يوسف بن خراش ، وعبارته : وهو كوفي جليل ، وليس في التابعين أحد روى عن العشرة غيره . وكذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في ثقاته : روى عن العشرة . ( وقيل ) كما
لأبي داود مما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13652الآجري عنه
nindex.php?page=showalam&ids=17383ويعقوب بن شيبة : إنه ( لم يسمع من
nindex.php?page=showalam&ids=38ابن عوف ) عبد الرحمن ، أحدهم .
( و ) أما ( قول من عد ) مع
قيس فيمن سمع العشرة
( سعيدا ) ، هو ابن المسيب ، وهو
الحاكم في النوع الثامن والرابع عشر معا من علومه ، بل وعد في ثاني الموضعين غيره ، ( فغلط ) صريح ; لأن
سعيدا إنما ولد باتفاق في خلافة
عمر ، فكيف يسمع من
أبي بكر .
والحاكم نفسه معترف بذلك ; حيث قال : أدرك
عمر فمن بعده من العشرة . انتهى .
بل سماعه من
عمر مختلف فيه ، ولكن ممن جزم بسماعه منه الإمام
أحمد ، وأيده شيخنا برواية صحيحة لا مطعن فيها مصرحة بسماع
سعيد منه . وكذا في الصحيح سماعه من
عثمان وعلي الاختلاف في الإهلال بالحج والعمرة ، وإهلال
علي بهما . وكذا جاء عنه قوله : أنا أصلحت بينهما . وأثبت بعضهم سماعه من
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص . وبالجملة ، فلم يسمع من أكثر العشرة . ( بل قيل ) : إنه ( لم يسمع سوى ) ; أي : غير ،
nindex.php?page=showalam&ids=37 ( سعد ) ، وهو ابن أبي وقاص ، ( فقط ) . وكان مستنده قول
قتادة الذي رواه
مسلم في مقدمة ( صحيحه ) من رواية
همام قال : دخل
أبو داود الأعمى على
قتادة ، فلما قام قالوا : إن هذا يزعم أنه لقي
[ ص: 150 ] ثمانية عشر بدريا . فقال
قتادة : هذا كان سائلا قبل الجارف ، لا يعرض في شيء من هذا ولا يتكلم فيه ، فوالله ما حدثنا
الحسن عن بدري مشافهة ، ولا حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب عن بدري مشافهة إلا عن
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن مالك ، هو ابن أبي وقاص . ولكن قد علمت بطلانه ، والمثبت مقدم على النافي ، لا سيما وليست العبارة صريحة في النفي . ( لكنه ) ; أي :
سعيدا ، ( الأفضل ) من سائر التابعين ( عند
أحمدا ) كما سمعه منه
عثمان الحارثي . وكذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=16604ابن المديني : هو عندي أجل التابعين ، لا أعلم فيهم أوسع علما منه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11970أبو حاتم الرازي : ليس في التابعين أنبل منه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16047سليمان بن موسى : أفقه التابعين . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان : سيد التابعين . وعنه أيضا : كان من سادات التابعين فقها ودينا وورعا وعبادة وفضلا ، أفقه
أهل الحجاز ، وأعبر الناس للرؤيا ، ما نودي بالصلاة من أربعين سنة إلا وهو في المسجد . ونحوه قول
nindex.php?page=showalam&ids=17188ميمون بن مهران : قدمت
المدينة فسألت عن أعلم
أهل المدينة ، فدفعت إليه . وفي رواية
لأبي طالب عن
أحمد : ومن مثله ؟ !
( وعنه ) ; أي : عن
أحمد قول آخر ، أن الأفضل
nindex.php?page=showalam&ids=16834 ( قيس ) هو ابن أبي حازم . ( وسواه ) ، وهو
أبو عثمان النهدي عبد الرحمن بن مل ،
nindex.php?page=showalam&ids=17073ومسروق بن الأجدع ( وردا ) ، ولكنه جعلهم على حد سواء ، ولفظه : أفضل التابعين
قيس وأبو عثمان ومسروق ، هؤلاء كانوا فاضلين ومن علية التابعين . وفي لفظ آخر : لا أعلم في التابعين مثل
أبي عثمان وقيس .
( وفضل
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ) البصري (
أهل البصرة ) بفتح الموحدة على المشهور كما تقدم
[ ص: 151 ] قبيل المرسل ، فيما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13121أبو عبد الله محمد بن خفيف الشيرازي . والمراد غالبهم ، وإلا فسيأتي قريبا عن
nindex.php?page=showalam&ids=12444إياس بن معاوية البصري قاضيها أنه فضل عليه
nindex.php?page=showalam&ids=15732حفصة ابنة سيرين . ( و ) فضل (
القرني ) بفتح القاف والراء ثم نون وياء نسبة ساكنة (
أويسا اهل الكوفة ) فيما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13121ابن خفيف أيضا . وكلام
ابن كثير يقتضي أن جمهورهم فضل
علقمة والأسود النخعيين . وفضل
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب أهل المدينة ، فيما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13121ابن خفيف أيضا ،
nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء بن أبي رباح بعض
أهل مكة ، وكل اجتهد فجزم بما ظنه . واستحسن
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح حكاية
nindex.php?page=showalam&ids=13121ابن خفيف في ( التفصيل ) ، وصوب المصنف القائلين
بأويس بحديث
عمر : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=930134إن خير التابعين رجل يقال له : أويس ) . وقال : فهذا الحديث قاطع للنزاع . وتفضيل
أحمد لابن المسيب لعله أراد الأفضلية في العلم ، لا الخيرية ; فقد فرق بينهما بعض شيوخ
الخطابي فيما حكاه
الخطابي عنه ، يعني كما قدمته في الصحابة . وبهذا جزم
النووي في ( شرح
مسلم ) ، فقال : مرادهم أن
سعيدا أفضل في العلوم الشرعية ; كالتفسير والحديث والفقه ونحوها ، لا في الخيرية عند الله .
وأما قول المصنف : لعل
أحمد لم يبلغه الحديث ، أو لم يصح عنده ، فلا يحسن ; فإنه قد أخرجه في مسنده من الطريق التي أخرجه
مسلم منها بلفظ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=930134إن خير التابعين رجل يقال له : أويس ) . لكن قد أخرجه في المسند أيضا بلفظ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=930135إن من خير التابعين . . . ) ، فقال : ثنا
أبو نعيم ، ثنا
شريك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17347يزيد بن أبي زياد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16330عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : نادى رجل من
أهل الشام يوم صفين : أفيكم
nindex.php?page=showalam&ids=12338أويس القرني ؟ قالوا : نعم ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . . . وذكره . وكذا رواه جماعة عن
شريك ، فزال الحصر .
فهذه أقوالهم في
أفضل الرجال من التابعين ، وليس الخوض في ذلك بممتنع ;
[ ص: 152 ] لانضباط التابعين ; كالحكم لإسناد معين بالنظر لصحابي خاص ، ولكتاب معين بالأصحية . وقول
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح في أفراد العلم : الحق أن هذا - يعني قولهم : ليس في الرواة من يسمى كذا سوى فلان - فن يصعب الحكم فيه ، والحاكم فيه على خطر من الخطأ والانتقاض ; فإنه حصر في باب واسع الانتشار ، قد يشير إلى المنع من ذاك بخصوصه ; كالحكم لسند معين بأنه أصح أسانيد الدنيا ; لاتساعه وانتشاره ، كما تقرر في بابه من أول الكتاب .
( وفي نساء التابعين الأبدا ) ; أي : أبدأهن ، بمعنى : أولهن في الفضل ،
nindex.php?page=showalam&ids=15732 ( حفصة ) ابنة سيرين ; لما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=11939أبو بكر بن أبي داود بسنده إلى
nindex.php?page=showalam&ids=17240هشام بن حسان عن
nindex.php?page=showalam&ids=12444إياس بن معاوية قال : ما أدركت أحدا أفضله ، يعني عليها . فقيل له : ولا
الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين ؟ فقال : أما أنا فما أفضل عليها أحدا . وكذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=11939أبو بكر بن أبي داود نفسه ، لكن قرن معها غيرها ; فإنه قال :
سيدتا التابعين من النساء حفصة ( مع ) بإسكان العين (
nindex.php?page=showalam&ids=16693عمرة ) ابنة عبد الرحمن . (
وأم الدردا ) بالقصر ، يعني : الصغرى ، واسمها
هجيمة أو جهيمة ، لا الكبرى ، فتلك صحابية واسمها
خيرة . وقد صنف
سعيد بن أسد بن موسى وغيره في فضائل التابعين . وكتاب
سعيد في مجلدين . ولم يتعرض
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح وأتباعه لحكمهم في العدالة وغيرها . وقد اختلف في ذلك ، فذهب بعضهم إلى القول بها في جميعهم ، وإن تفاوتت مراتبهم في الفضيلة ، متمسكا بحديث : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=929774خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ) . والجمهور على خلافه فيمن بعد الصحابة ، كما تقدم في المرسل ، وأنه لا بد من التنصيص على عدالتهم كغيرهم . قالوا : والحديث محمول في القرنين بعد الأول على الغالب والأكثرية ; لأنه قد وجد فيهما من وجدت فيه الصفات المذمومة ، لكن بقلة في أولهما ،
[ ص: 153 ] بخلاف من بعده ; فإن ذلك كثر فيه واشتهر ، وكان آخر من كان في أتباع التابعين ممن يقبل قوله من عاش إلى حدود العشرين ومائتين ، وفي هذا الوقت ظهرت البدع ظهورا فاشيا ، وأطلقت
المعتزلة ألسنتها ، ورفعت الفلاسفة رءوسها ، وامتحن أهل العلم ليقولوا بخلق القرآن ، وتغيرت الأحوال تغيرا شديدا ، ولم يزل الأمر في نقص إلى الآن ، نسأل الله السلامة .
وبالجملة ،
فخير الناس قرنا بعد الصحابة من شافه الصحابة وحفظ عنهم الدين والسنن ، أو لقيهم ، وقد أثنى الله عز وجل على التابعين بإحسان فقال : (
والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ) الآية [ التوبة : 100 ] . وكان في التابعين من روى عنه بعض الصحابة ; كرواية العبادلة الأربعة وغيرهم من الصحابة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16850كعب الأحبار ، على ما سيأتي في الأكابر عن الأصاغر .