فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
[ ذكر الفقهاء السبعة ] ( و ) كذا كان ( في الكبار ) السادات من التابعين ( الفقهاء السبعه ) من أهل المدينة النبوية ، الذين كانوا يصدرون عن آرائهم ، وينتهى إلى قولهم وإفتائهم ممن عرف بالفقه والصلاح والفضل والفلاح . قال ابن المبارك : وكانوا إذا جاءتهم المسألة دخلوا فيها جميعا فنظروا فيها ، ولا يقضي القاضي حتى ترفع إليهم فينظرون فيها فيصدرون . انتهى .

والفقهاء ، وإن كانوا بكثرة في التابعين ، فعند إطلاق هذا الوصف مع قيد العدد المعين لا ينصرف إلا إلى هؤلاء ، كما قلنا في العبادلة من الصحابة سواء .

وهم : ( خارجة ) بن زيد بن ثابت الأنصاري . قال مصعب الزبيري : كان هو وطلحة بن عبد الله بن عوف - يعني قاضي المدينة وابن أخي عبد الرحمن بن عوف - يقسمان المواريث ، ويكتبان الوثائق ، وينتهي الناس إلى قولهما . وكذا قال ابن أبي خيثمة ، وزاد : وأنهما [ ص: 154 ] كانا يستفتيان في زمانهما .

والثاني : ( القاسم ) بن محمد بن أبي بكر الصديق . قال يحيى بن سعيد : ما أدركنا بالمدينة أحدا نفضله عليه . وعن أبي الزناد : ما رأيت أحدا أعلم بالسنة ولا أحد ذهنا منه . وفي ( صحيح البخاري ) : ثنا علي ، ثنا ابن عيينة ، ثنا عبد الرحمن بن القاسم ، وكان أفضل أهل زمانه ، أنه سمع أباه ، وكان أفضل أهل زمانه ، فذكر شيئا . وعن مالك أنه كان من فقهاء هذه الأمة .

( ثم عروه ) بن الزبير بن العوام الأسدي . قال ابن عيينة : كان أعلم الناس بحديث عائشة ثلاثة ، فبدأ به . وعنه نفسه قال : لقد رأيتني قبل موتها بأربع حجج أو خمس وأنا أقول : لو ماتت اليوم ما ندمت على حديث عندها إلا وقد وعيته . ( ثم سليمان ) بن يسار الهلالي مولى ميمونة أو مكاتب أم سلمة فيما قيل . قال الحسن بن محمد ابن الحنفية : إنه كان عندنا أفهم من ابن المسيب ، وكان ابن المسيب يقول للسائل : اذهب إليه ; فإنه أعلم من بقي اليوم . وقال مالك : كان من علماء الناس بعد ابن المسيب .

والخامس : ( عبيد الله ) ، هو ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود . قال العجلي : كان أحد فقهاء المدينة . وكذا قال ابن عبد البر : كان أحد الفقهاء العشرة ثم السبعة الذين تدور عليهم الفتوى ، وكان عالما فاضلا مقدما في الفقه ، شاعرا محسنا ، لم يكن بعد الصحابة إلى يومنا هذا فيما علمت فقيه أشعر منه ، ولا شاعر أفقه منه .

والسادس : ( سعيد ) بن المسيب بن حزن القرشي المخزومي ، الماضي قريبا ، وأنه أفضل التابعين . قال مكحول : طفت الأرض كلها في طلب العلم [ ص: 155 ] فما لقيت أعلم منه . وقال قتادة : ما رأيت أعلم بالحلال والحرام منه . وعن سعيد نفسه : ما بقي أحد أعلم بكل قضاء قضاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر مني . قال الراوي : وأحسبه قال : وعثمان .

( والسابع ذو اشتباه ) في تعيينه ، فهو ( إما أبو سلمة ) بالصرف للضرورة ، ابن عبد الرحمن بن عوف ، كما عند أكثر علماء الحجاز ، حسبما قاله الحاكم ، وقد قرنه الزهري بسعيد وعبيد الله وعروة ، فقال : وجدتهم بحورا ، وقال : إن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ قال له وهو بمصر : لقد تركت رجلين من قومك لا أعلم أكثر حديثا منهما ; عروة وأبا سلمة . وقيل لأبي سلمة : من أفقه من خلفت ببلادك ؟ فأشار إلى نفسه . ( او ) هو ( سالم ) ، هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، كما لابن المبارك . وقال مالك : إنه كان من أفضل زمانه . بل جاء عنه أيضا أنه لم يكن أحد في زمانه أشبه بمن مضى من الصالحين في الزهد والفضل والعيش منه . وقرنه ابن أبي الزناد بالقاسم وعلي بن الحسين في كونهم فاقوا أهل المدينة علما وتقى وعبادة وورعا . ( أو فـ ) ـهو ( أبو بكر ) ، هو ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام القرشي ، كما لأبي الزناد ; إذ قال : أدركت من فقهاء المدينة وعلمائهم ومن يرتضى منهم وينتهى إلى قولهم . . . فذكره في السبعة . بل قال في مشيخة من نظرائهم : أهل فقه وفضل .

وقال ابن سعد : وسألت الواقدي عن السبعة الذين كان أبو الزناد يحدث عنهم فيقول : حدثني السبعة ، فقال : سعيد . . . وذكرهم ، وأحدهم أبو بكر . وكان مكفوفا ، وهو الذي كان يقال له : راهب قريش ; [ ص: 156 ] لكثرة صلاته . وقال ابن خراش : وهو أحد أئمة المسلمين . وعنه أيضا : أبو بكر وعمر وعكرمة وعبد الله ، بنو عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، أجلاء ثقات ، يضرب بهم المثل ، وكلهم من شيوخ الزهري إلا عمر .

( خلاف ) ; أي : خلف في السابع ، ( قائم ) ; يعني : قوي . وجمعهما - أعني أبا سلمة وسالما - عوضا عن أبي بكر وعبيد الله ، وزاد محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري بحيث صاروا ثمانية ، الأستاذ أبو منصور البغدادي كما هو رأي لغيره أيضا . لكن في إدراج ابن حزم فيهم نظر ; فإنه متقدم على هؤلاء بكثير ; إذ موتهم قريبا من سنة مائة ، وهو قتل يوم الحرة سنة ثلاث وستين ، وكان قتله سبب هزيمة أهل المدينة ، وبلغ بهم يحيى بن سعيد فيما رواه علي بن المديني عنه كما للحاكم في ( علومه ) اثني عشر نفسا ، فذكر ممن سبق : خارجة ، والقاسم ، وسعيدا ، وأبا سلمة ، وسالما ، ومن غيرهم : حمزة وزيدا وعبيد الله وبلالا بني عبد الله بن عمر ، إخوة سالم ، وإسماعيل بن زيد بن ثابت أخا خارجة ، وأبان بن عثمان بن عفان ، وقبيصة بن ذؤيب . وقرن غيرهم مع خارجة طلحة بن عبد الله بن عوف ، كما تقدم قريبا . وقد نظم محمد بن يوسف بن الخضر بن عبد الله الحلبي الحنفي المتوفى سنة أربع عشرة وستمائة ( 614هـ ) السبعة المشهورين ، واختار في السابع قول أبي الزناد ، فقال :

ألا كل من لا يقتدي بأئمة فقسمته ضيزى عن الحق خارجه     فخذهم : عبيد الله عروة قاسم
سعيد أبو بكر سليمان خارجه

[ ص: 157 ] وكلهم من أبناء الصحابة إلا سليمان ، فأبوه يسار لا صحبة له . ومحمد بن أبي بكر وعبد الله بن عتبة وعبد الرحمن بن الحارث من صغارهم . ويقال : إنه ما كتبت أسماؤهم ووضعت في شيء من الزاد أو القوت إلا بورك فيه وسلم من الآفة ; كالسوس وشبهه . بل ويقال : إنها أمان للحفظ في كل شيء .

التالي السابق


الخدمات العلمية