[ الفرع الثاني ] ( و )
الفرع الثاني ( قوله ) أي : الصحابي ( كنا نرى ) كذا ، أو نفعل كذا ، أو نقول كذا ، أو نحو ذلك ، وحكمه أنه ( إن كان ) ذلك ( مع ) ذكر ( عصر النبي ) - صلى الله عليه وسلم - ; كقول
جابر :
كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو :
كنا نأكل لحوم الخيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقول غيره : " كنا لا نرى بأسا بكذا ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - فينا " ، أو : " كان يقال كذا وكذا على عهده " ، أو : " كانوا يفعلون كذا وكذا
[ ص: 149 ] في حياته " إلى غيرها من الألفاظ المفيدة للتكرار والاستمرار .
فهو وإن كان موقوفا لفظا ( من قبيل ما رفع ) الصحابي بصريح الإضافة ، كما ذهب إليه الجمهور من المحدثين وغيرهم ، وقطع به
الخطيب ، ومن قبله
الحاكم ; كما سيأتي .
وصححه من الأصوليين الإمام
فخر الدين وأتباعه ، وعللوه بأن غرض الراوي بيان الشرع ، وذلك يتوقف على علم النبي - صلى الله عليه وسلم - وعدم إنكاره .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح : وهو الذي عليه الاعتماد ; لأن ظاهر ذلك مشعر بأنه - صلى الله عليه وسلم - اطلع عليه وقررهم ، وتقريره كقوله وفعله .
قال
الخطيب : ولو علم الصحابي إنكارا منه - صلى الله عليه وسلم - في ذلك ، لبينه .
قال شيخنا : ( ويدل له احتجاج
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري على جواز العزل بفعلهم له في زمن نزول الوحي ، فقال :
كنا نعزل والقرآن ينزل ، لو كان شيء ينهى عنه ، نهى عنه القرآن ، وهو استدلال واضح ; لأن الزمان زمان تشريع .
وكذا يدل له مجيء بعض ما أتى ببعض هذه الصيغ بصريح الرفع ( وقيل : لا ) يكون مرفوعا ، حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح عن
nindex.php?page=showalam&ids=13855البرقاني بلاغا أنه سأل
الإسماعيلي عنه ،
[ ص: 150 ] فأنكر أن يكون مرفوعا ، كما خالف في نحو ( ( أمرنا ) ) ، يعني بل هو موقوف مطلقا قيد أم لا ، بخلاف القول الأول ، فهو مفصل ، فإن قيد بالعصر النبوي - كما تقدم - فمرفوع ( أو لا ) أي : وإن لم يقيد ( فلا ) يكون مرفوعا ( كذاك له ) أي
nindex.php?page=showalam&ids=12795لابن الصلاح ; حيث جزم به ، ولم يحك فيه غيره .
( و ) كذا (
للخطيب ) أيضا في الكفاية ، كما زاده الناظم مع أنه قد فهم عن مشترطي القيد في الرفع - وهم الجمهور كما تقدم - القول به .
ولذلك قال
النووي في شرح
مسلم : وقال الجمهور من المحدثين وأصحاب الفقه والأصول : إن لم يضفه ، فهو موقوف ( قلت : لكن ) قد ( جعله ) أي : هذا اللفظ الذي لم يقيد بالعصر النبوي ( مرفوعا
الحاكم )
أبو عبد الله النيسابوري .
وعبارته في علومه : ومنه - أي : ومما لم يصرح فيه بذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - قول الصحابي المعروف بالصحبة : أمرنا أن نفعل كذا ، ونهينا عن كذا ، وكنا نؤمر بكذا ، وكنا ننهى عن كذا ، وكنا نفعل كذا ، وكنا نقول ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - فينا كذا ، وكنا لا نرى بأسا بكذا ، وكان يقال كذا وكذا ، وقول الصحابي : من السنة كذا ، وأشباه ما ذكرنا ; إذا قاله الصحابي المعروف بالصحبة ، فهو حديث مسند ; أي : مرفوع .
وكذا جعله مرفوعا الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=16785فخر الدين ( الرازي ) - نسبة بإلحاق الزاي
للري ، مدينة مشهورة كبيرة من بلاد
الديلم بين قومس والجبال - صاحب التفسير والمحصول
[ ص: 151 ] ، ومناقب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وشرح الوجيز
nindex.php?page=showalam&ids=14847للغزالي وغيرها ، وأحد الأئمة وهو
أبو عبد الله وأبو الفضائل محمد ( ابن الخطيب )
بالري ، تلميذ محيي السنة
البغوي ، الإمام
ضياء الدين عمر بن الحسين بن الحسن بن علي القرشي البكري التيمي الشافعي ، توفي
بهراة في سنة ست وستمائة ( 606 هـ ) عن ثلاث وستين سنة ، كما نص على ذلك في ( ( المحصول ) ) .
ولم يفرقا بين المضاف وغيره ، وحينئذ فعن
الفخر في المسألة قولان ، وقال
ابن الصباغ في ( ( العدة ) ) : إنه الظاهر .
قال
الناظم تبعا
للنووي في شرح المهذب ، ( وهو القوي ) يعني من حيث المعنى ، زاد
النووي : إنه ظاهر استعمال كثير من المحدثين ، وأصحابنا في كتب الفقه ، واعتمده الشيخان في صحيحيهما ، وأكثر منه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
قلت : ومما خرجه من أمثلة المسألة حديث
nindex.php?page=showalam&ids=15957سالم بن أبي الجعد عن
جابر : ( ( كنا إذا صعدنا كبرنا ، وإذا هبطنا سبحنا ) ) .
ويتأيد القول بالرفع بإيراد
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي له من وجه آخر عن
جابر قال : كنا نسافر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإذا صعدنا . . . وذكره ، فتحصل في المسألة ثلاثة أقوال : الرفع مطلقا ، الوقف مطلقا ، التفصيل .
وفيها رابع أيضا ; وهو تفصيل آخر بين أن يكون ذلك الفعل مما لا يخفى غالبا فمرفوع ، أو يخفى ; كقول بعض
الأنصار : ( ( كنا نجامع فنكسل ولا نغتسل ) )
[ ص: 152 ] فموقوف ، وبه قطع الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=11815أبو إسحاق الشيرازي ، وكذا قاله
ابن السمعاني ، وحكاه
النووي في شرح
مسلم عن آخرين .
وخامس ، وهو أنه إن أورده في معرض الاحتجاج فمرفوع ، وإلا فموقوف ; حكاه
القرطبي .
وسادس ، وهو أنه إن كان قائله من أهل الاجتهاد فموقوف ، وإلا فمرفوع .
وسابع : وهو الفرق بين كنا نرى ، وكنا نفعل ، بأن الأول مشتق من الرأي فيحتمل أن يكون مستنده تنصيصا أو استنباطا .
وتعليل
nindex.php?page=showalam&ids=14552السيف الآمدي وأتباعه كون " كنا نفعل " ونحوه حجة بأنه ظاهر في قول كل الأمة ، ولا يحسن معه إدراجهم مع القائلين بالأول ، كما فعل الشارح ; لاختلاف المدركين .
وكل ما أوردناه من الخلاف ; حيث لم يكن في القصة اطلاعه - صلى الله عليه وسلم - ، أما إذا كان - كقول
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : كنا نقول ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حي :
أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر وعثمان ، ويسمع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا ينكره - فحكمه الرفع إجماعا .
ثم إن النفي كالإثبات - فيما تقدم - كما علم من التمثيل ، ولذلك مثل ابن الصباغ للمسألة بقول
عائشة : كانت اليد لا تقطع في الشيء التافه .
[ ص: 153 ] 110 - لكن حديث " كان باب المصطفى يقرع بالأظفار " مما وقفا 111 - حكما لدى الحاكم والخطيب
والرفع عند الشيخ ذو تصويب 112 - وعد ما فسره الصحابي
رفعا فمحمول على الأسباب 113 - وقولهم " يرفعه " أو " يبلغ به "
" رواية " " ينميه " رفع فانتبه 114 - وإن يقل " عن تابع " فمرسل
قلت من السنة عنه نقلوا 115 - تصحيح وقفه وذو احتمال
نحو " أمرنا منه " nindex.php?page=showalam&ids=14847للغزالي 116 - وما أتى عن صاحب بحيث لا
يقال رأيا ، حكمه الرفع على 117 - ما قال في المحصول نحو " من أتى
" فالحاكم الرفع لهذا أثبتا 118 - وما رواه عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريره
محمد وعنه أهل البصره 119 - وكرر " قال " بعد فالخطيب
روى به الرفع وذا عجيب
.
" لكن حديث كان باب المصطفى " - صلى الله عليه وسلم - ( يقرع ) من الصحابة ( بالأظفار ) تأدبا وإجلالا ، كما عرف ذلك منهم في حقه .
وإن قال
السهيلي : إنه لأن بابه الكريم لم يكن له حلق يطرق بها . ( مما وقفا حكما ) أي : حكمه الوقف ( لدى ) أي : عند (
الحاكم ) ، فإنه قال بعد أن أسنده ، كما سيأتي : هذا حديث يتوهمه من ليس من أهل الصنعة مسندا ; لذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه ، وليس بمسند ; فإنه موقوف على صحابي ، حكى عن أقرانه من الصحابة فعلا ، وليس يسنده واحد منهم ( و ) كذا عند (
الخطيب ) أيضا في جامعه نحوه .
وإن أنكر
البلقيني تبعا لبعض مشائخه وجوده فيه ، فعبارته في الموقوف الخفي
[ ص: 154 ] الذي ذكر من أمثلته هذا الحديث - نصها : قد يتوهم أنه مرفوع لذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه ، وإنما هو موقوف على صحابي ، حكى فيه عن غير النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلا ، وذلك متعقب عليهما ( والرفع ) في هذا الحديث ( عند الشيخ )
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح ( ذو تصويب ) .
قال :
والحاكم معترف بكون ذلك من قبيل المرفوع ; يعني لأنه جنح إلى الرفع في غير المضاف ، فهو هنا أولى ; لكونه كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح أحرى باطلاعه - صلى الله عليه وسلم - عليه .
قال : وقد كنا عددنا هذا فيما أخذنا عليه ، ثم تأولناه له على أنه أراد : أنه ليس بمسند لفظا ، بل هو موقوف لفظا ; كسائر ما تقدم ، وإنما جعلناه مرفوعا من حيث المعنى . انتهى .
وهو جيد ، وحاصله كما قال شيخنا أن له جهتين : جهة الفعل وهو صادر من الصحابة فيكون موقوفا ، وجهة التقرير وهو مضاف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من حيث إن فائدة قرع بابه أنه يعلم أنه قرع ، ومن لازم علمه بكونه قرع مع عدم إنكار ذلك على فاعله - التقرير على ذلك الفعل ، فيكون مرفوعا ، لكن يخدش فيه أنه يلزم منه أن يكون جميع قسم التقرير يجوز أن يسمى موقوفا ; لأن فاعله غير النبي - صلى الله عليه وسلم - قطعا ، وإلا فما اختصاص حديث القرع بهذا الإطلاق .
قلت : والظاهر أنه يلتزمه في غير التقرير الصريح كهذا الحديث ، وغيره لا يلزمه ، ويستأنس له بمنع الإمام
أحمد وابن مبارك من رفع حديث " حذف السلام سنة " كما سيأتي في آخر هذه الفروع ، على أنه يحتمل أن
الحاكم ترجح عنده احتمال كون القرع بعده - صلى الله عليه وسلم - بأن الاستئذان في حياته كان
ببلال أو
برباح أو بغيرهما ، وربما كان بإعلام المرء بنفسه .
بل في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=15527بسر بن سعيد عن
زيد بن [ ص: 155 ] ثابت :
احتجر النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد حجرة ، وفيه :
أنه لم يخرج إليهم ليلة ، وقال :
فتنحنحوا ورفعوا أصواتهم وحصبوا بابه ، ولم يجئ في خبر صريح الاستئذان عليه بالقرع .
وإن فائدة ذكر القرع مع كونه بعده ما تضمنه من استمرارهم على مزيد الأدب بعده ; إذ حرمته ميتا كحرمته حيا ، وإذا كان كذلك ، فهو موقوف مطلقا . فالله أعلم .
والحديث المشار إليه أخرجه
الحاكم في علومه ، وكذا في الأمالي كما عزاه إليها
البيهقي في مدخله حيث أخرجه عن راو ، ورواه
أبو نعيم في المستخرج على علوم الحديث ، له عن راو آخر ، كلاهما عن
أحمد بن عمرو الزيبقي ، بالزاي المكسورة المشددة ثم تحتانية ، عن
زكريا بن يحيى المنقري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي ، عن
كيسان مولى هشام بن حسان ، في رواية
أبي نعيم عن
nindex.php?page=showalam&ids=17240هشام بن حسان ، وفي رواية الآخرين عن
محمد بن حسان ، زاد
البيهقي : هو أخو
nindex.php?page=showalam&ids=17240هشام بن حسان ، وهو حسن الحديث .
ثم اتفقوا عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين ، زاد
أبو نعيم في روايته : عن
عمرو بن وهب ، ثم اتفقوا عن
nindex.php?page=showalam&ids=19المغيرة بن شعبة ، رضي الله تعالى عنه ، قال : كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرعون بابه بالأظافير .
وفي الباب عن
أنس ، أخرجه
الخطيب في جامعه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12125أبي غسان مالك بن إسماعيل النهدي ،
وضرار بن صرد شيخ حميد بن الربيع فيه ، كلاهما عن
المطلب بن زياد الثقفي ، ثم افترقا .
ففي رواية
أبي غسان : أخبرني
أبو بكر بن عبد الله الأصبهاني عن
محمد بن مالك بن المنتصر .
وفي رواية حميد : ثنا
عمر بن سويد ، يعني العجلي ، كلاهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك قال : كان باب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرع بالأظافير . لفظ
حميد ، ولفظ الآخر : كانت أبواب النبي . والباقي سواء ،
[ ص: 156 ] وكذا أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في الأدب المفرد والتأريخ عن
أبي غسان ،
nindex.php?page=showalam&ids=13863والبزار في مسنده عن
حميد بن الربيع عن
ضرار به .