[
معنى النبي ] وحقيقة " النبي " والأكثر في التلفظ به عدم الهمز : إنسان أوحي إليه بشرع وإن لم يؤمر بتبليغه ، فإن أمر بالتبليغ فرسول أيضا ، ولذا كان الوصف بها أشمل ، فالعدول عنها إما للتأسي بالخبر الآتي في الجمع بين وصفي النبوة والرحمة ، أو لمناسبة علوم الخبر ; لأن أحد ما قيل في اشتقاقه أنه من النبأ وهو الخبر ، أو لأنه في مقام التعريف الذي يحصل الاكتفاء فيه بأي صفة أدت المراد ،
[ ص: 21 ] لا في مقام الوصف ، على أن
العز بن عبد السلام جنح لتفضيل النبوة على الرسالة ، وذهب غيره إلى خلافه ، كما سأوضحه في إبدال الرسول بالنبي .
و " المراحم " جمع مرحمة مصدر ميمي مفعلة من الرحمة ، ففي صحيح
مسلم أنه - صلى الله عليه وسلم - قال :
أنا نبي التوبة ، ونبي المرحمة وفي نسخة منه وهي التي اعتمدها
الدمياطي :
nindex.php?page=hadith&LINKID=929706ونبي الملحمة باللام بدل الراء ، وفي أخرى :
nindex.php?page=hadith&LINKID=929707ونبي الرحمة ، وفي حديث آخر :
إن الله بعثني ملحمة ومرحمة وفي آخر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=929708أنا نبي الملاحم ، ونبي الرحمة .
قال
النووي : فيما عدا الملحمة معناها واحد متقارب ، ومقصودها أنه - صلى الله عليه وسلم - جاء بالتوبة وبالتراحم .
قلت : وأما الملحمة فهي المعركة ، فكأنه المبعوث بالقتال والجهاد ، وقد وصف الله المؤمنين بقوله :
أشداء على الكفار رحماء بينهم [ الفتح : 29 ] ،
وتواصوا بالمرحمة [ البلد : 17 ] أي : يرحم بعضهم بعضا ، وهي في حقنا بالمعنى اللغوي : رقة في القلب وتعطف ، ومن الرحيم : إرادة الخير بعبيده ، ومن الملائكة : طلبها منه لنا .
[ ص: 22 ] ثم إنه لقوة الأسباب عند المرء فيما يوجه إليه عزمه ، ويجمع عليه رأيه ، يصير في حكم الموجود الحاضر ; بحيث ينزله منزلته ، ويعامله بالإشارة إليه معاملته ، ولذا قال مع التخلص في التعبير أولا بـ " يقول " عن اعتذار .
( فهذه ) ; والفاء إما الفصيحة ، فالمقول ما بعدها ، أو جواب شرط محذوف تقديره : إن كنت أيها الطالب تريد البحث عن علوم الخبر ، فهذه ( المقاصد ) جمع مقصد ، وهو ما يؤمه الإنسان من أمر ويطلبه ( المهمه ) من الشيء المهم ، وهو الأمر الشديد الذي يقصد بعزم ، ( توضح ) بضم أوله من ( أوضح ) أي : تظهر وتبين ( من علم الحديث ) الذي هو معرفة القواعد المعرفة بحال الراوي والمروي ، ( رسمه ) أي : أثره الذي تبنى عليه أصوله .
وفي التعبير به إشارة إلى دروس كثير من هذا العلم الذي باد حماله ، وحاد عن السنن المعتبر عماله ، وأنه لم يبق منه إلا آثاره ، بعد أن كانت ديار أوطانه بأهله آهلة ، وخيول فرسانه في ميدانه صاهلة :
وقد كنا نعدهم قليلا فقد صاروا أقل من القليل .
و (
الحديث ) لغة : ضد القديم ، واصطلاحا : ما أضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قولا له أو فعلا أو تقريرا أو صفة ، حتى الحركات والسكنات في اليقظة والمنام ، فهو أعم من السنة [ الآتية قريبا ] ، وكثيرا ما يقع في كلام أهل الحديث ، ومنهم الناظم ، ما يدل لترادفهما .
( نظمتها ) أي : المقاصد ; حيث سلكت في جمعها المشي على بحر من البحور المعروفة عند أهل الشعر ، وإن كان النظم في الأصل أعم من ذلك ; إذ هو جمع الأشياء على هيئة متناسقة .
( تبصرة للمبتدي ) بترك همزه ، يتبصر بها ما لم يكن به عالما ، و ( تذكرة للمنتهي ) وهو الذي حصل من الشيء أكثره وأشهره ،
[ ص: 23 ] وصلح مع ذلك لإفادته وتعليمه ، والإرشاد إليه وتفهيمه ، يتذكر بها ما كان عنه ذاهلا ، ( و ) كذا للراوي ( المسند ) الذي اعتنى بالإسناد فقط ، فهو يتذكر بها كيفية التحمل والأداء ومتعلقاته ، كما يتذكر بها المنتهي مجموع الفن ، فبين المسند والمنتهي عموم وخصوص من وجه ، وأشير بـ ( التبصرة والتذكرة ) إلى لقب هذه المنظومة ، وهما بالنصب مفعول له ترك فيه العاطف ، ولم أتكلف تخليص ما اشتملت عليه من بطون الكتب والدفاتر .
ولكن ( لخصت فيها
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح ) أي : مقاصد كتابه الشهير على حد قوله :
واسأل القرية [ يوسف : 82 ] حيث اختصرت من ألفاظه ، وأثبت مقصوده ( أجمعه ) ، ولا ينافي التأكيد حذف كثير من أمثلته وتعاليله وغير ذلك ; إذ هو تأكيد للمقصود المقدر ; كأنه قال : لخصت المقصود أجمعه .
والتأكيد بـ " أجمع " غير مسبوق بـ " كل " واقع في القرآن وغيره ، ومنه : إذا ظللت الدهر أبكي أجمعا .
ويجمع بينهما للتقوية كـ
فسجد الملائكة كلهم أجمعون . [ الحجر : 30 ]