[
الفرق بين التدليس والإرسال ] وكذا قال
الحافظ أبو الحسن بن القطان في بيان الوهم والإيهام له .
قال : " والفرق بينه وبين الإرسال هو أن الإرسال روايته عمن لم يسمع منه ، ولما كان في هذا أنه قد سمع ، كانت روايته عنه بما لم يسمع منه كأنها إيهام سماعه ذلك الشيء ; فلذلك سمي تدليسا " . وارتضاه شيخنا لتضمنه الفرق بين النوعين .
وخالف شيخه في ارتضائه هنا من شرحه حد
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح ، وفي قوله في التقييد : إنه هو المشهور بين أهل الحديث ، وقال : إن كلام
الخطيب في كفايته يؤيد ما قاله ابن القطان .
قلت : وعبارته فيها : " هو تدليس الحديث الذي لم يسمعه الراوي ممن دلسه عنه بروايته إياه على وجه أنه سمعه منه ، ويعدل عن البيان لذلك " .
قال : " ولو بين أنه لم يسمعه من الشيخ الذي دلسه عنه وكشف ذلك ، لصار ببيانه مرسلا للحديث غير مدلس فيه ; لأن الإرسال للحديث ليس بإيهام من المرسل كونه سامعا ممن لم يسمع منه ، وملاقيا لمن لم يلقه ، إلا أن التدليس الذي ذكرناه متضمن الإرسال لا محالة ; لإمساك المدلس عن ذكر الواسطة " .
" وإنما يفارق حال المرسل بإيهامه السماع ممن لم يسمعه فقط ، وهو الموهن لأمره ، فوجب كون التدليس متضمنا للإرسال ، والإرسال لا يتضمن التدليس ; لأنه لا يقتضي إيهام السماع ممن لم يسمع منه ، ولهذا لم يذم العلماء من أرسل
[ ص: 224 ] - يعني لظهور السقط - وذموا من دلس " .
وأصرح منه قول
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر في التمهيد : " التدليس عند جماعتهم اتفاقا هو أن يروي عمن لقيه وسمع منه وحدث عنه مما لم يسمعه منه ، وإنما سمعه من غيره عنه ممن ترضى حاله أو لا ترضى ، على أن الأغلب في ذلك أنه لو كانت حاله مرضية لذكره ، وقد يكون لأنه استصغره " .
قال : " وأما حديث الرجل عمن لم يلقه -
كمالك عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري عن
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي - فاختلفوا فيه : فقالت فرقة : إنه تدليس ; لأنهما لو شاءا لسميا من حدثهما ، كما فعلا في الكثير مما بلغهما عنهما ، قالوا : وسكوت المحدث عن ذكر من حدثه مع علة به دلسة .
وقالت طائفة من أهل الحديث : إنما هو إرسال ، قالوا : فكما جاز أن يرسل
سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعن
أبي بكر وعمر وهو لم يسمع منهما ، ولم يسم أحد من أهل العلم ذلك تدليسا ، كذلك
مالك عن
سعيد ، قال : ولئن كان هذا تدليسا ، فما أعلم أحدا من العلماء قديما ولا حديثا سلم منه إلا
شعبة والقطان ; فإنهما ليسا يوجد لهما شيء من هذا لا سيما
شعبة " . انتهى .
وكلامه بالنظر لما اعتمده يشير أيضا إلى الفرق بين التدليس والإرسال الخفي والجلي ; لإدراك
مالك لسعيد في الجملة ، وعدم إدراك
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري للنخعي أصلا ، ولكنه لم يتعرض لتخصيصه بالثقة ، فتخصيصه بها في موضع آخر من تمهيده اقتصار على الجائز منه ; لأنه قد صرح في مكان آخر منه بذمه في غير الثقة .
فقال : " ولا يكون ذلك عندهم إلا عن ثقة ، فإن دلس عن غير ثقة فهو تدليس مذموم عند جماعة أهل الحديث . وكذلك إن حدث عمن لم يسمع منه ، فقد جاوز حد التدليس الذي رخص فيه من رخص من العلماء إلى ما ينكرونه ويذمونه ولا يحمدونه " .
[ ص: 225 ] وسبقه لذلك
nindex.php?page=showalam&ids=17383يعقوب بن شيبة كما حكاه
الخطيب عنه ، وهو مع قوله في موضع آخر : " إنه إذا وقع فيمن لم يلقه أقبح وأسمج " - يقتضي أن الإرسال أشد ، بخلاف قوله الأول ، فهو مشعر بأنه أخف ، فكأنه هنا عنى الخفي لما فيه من إيهام اللقي والسماع معا ، وهناك عنى الجلي لعدم الالتباس فيه .
لا سيما وقد ذكر أيضا أن الإرسال قد يبعث عليه أمور لا تضيره ، كأن يكون سمع الخبر من جماعة عن المرسل عنه ; بحيث صح عنده ووقر في نفسه ، أو نسي شيخه فيه مع علمه به عن المرسل عنه ، أو كأن أخذه له مذاكرة ، فينتقل الإسناد لذلك دون الإرسال ، أو لمعرفة المتخاطبين بذلك الحديث واشتهاره بينهم أو لغير ذلك مما هو في معناه ، والظاهر أن هذا في الجلي .
إذا علم هذا ، فقد أدرج
الخطيب ثم
النووي في هذا القسم تدليس التسوية كما سيأتي ، ووصف غير واحد بالتدليس من روى عمن رآه ولم يجالسه ، بالصيغة الموهمة ، بل وصف به من صرح بالإخبار في الإجازة
كأبي نعيم ، أو بالتحديث في الوجادة
كإسحاق بن راشد الجزري ، وكذا فيما لم يسمعه
nindex.php?page=showalam&ids=16797كفطر بن خليفة أحد من روى له
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري مقرونا .
ولذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=17293ليحيى بن سعيد القطان : يعتمد على قول
فطر ثنا ، ويكون موصولا ؟ فقال : لا ، فقلت : أكان ذلك منه سجية ؟ قال : نعم .
وكذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=14923الفلاس : إن
القطان [ ص: 226 ] قال له : وما ينتفع بقول
فطر " ثنا "
عطاء ، ولم يسمع منه . وقال
ابن عمار عن
القطان : كان
فطر صاحب ذي سمعت سمعت ، يعني أنه يدلس فيما عداها ، ولعله تجوز في صيغة الجمع فأوهم دخوله .
كقول
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : " خطبنا
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس " و " خطبنا
nindex.php?page=showalam&ids=364عتبة بن غزوان " وأراد أهل
البصرة بلده ، فإنه لم يكن بها حين خطبتهما ، ونحوه في قوله : " حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة " وقول
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس : " قدم علينا
معاذ اليمن " .
وأراد أهل بلده ، فإنه لم يدركه ، كما سيأتي الإشارة لذلك في أول أقسام التحمل ، ولكن صنيع
فطر فيه غباوة شديدة يستلزم تدليسا صعبا ، كما قال شيخنا ، وسبقه
nindex.php?page=showalam&ids=16547عثمان بن خرذاذ ، فإنه لما قال
nindex.php?page=showalam&ids=16544لعثمان بن أبي شيبة : إن
nindex.php?page=showalam&ids=14381أبا هشام الرفاعي يسرق حديث غيره ويرويه ، وقال له
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة : أعلى وجه التدليس أو على وجه الكذب ؟ قال : كيف يكون تدليسا وهو يقول : ثنا ؟ ! وكذا من أسقط أداة الرواية أصلا مقتصرا على اسم شيخه ، ويفعله أهل الحديث كثيرا ، ومن أمثلته - وعليه اقتصر
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح في
التمثيل لتدليس الإسناد - ما قال
nindex.php?page=showalam&ids=16616علي بن خشرم : كنا عند
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة فقال :
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، فقيل له : حدثك
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ؟ فسكت ، ثم قال :
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، فقيل له : أسمعته من
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ؟ فقال : لا ، لم أسمعه من
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، ولا ممن سمعه من
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، حدثني
عبد الرزاق ، عن
معمر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ،
[ ص: 227 ] أخرجه
الحاكم .
ونحوه أن رجلا قال
لعبد الله بن عطاء الطائفي : حدثنا بحديث :
من توضأ فأحسن الوضوء ، دخل من أي أبواب الجنة شاء فقال :
عقبة ، فقيل : سمعته منه ؟ قال : لا ، حدثني
سعد بن إبراهيم ، فقيل :
لسعد ، فقال : حدثني
زياد بن مخراق ، فقيل :
لزياد ، فقال : حدثني رجل عن
nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب ، يعني عن
عقبة .
وسماه شيخنا في تصنيفه في المدلسين
تدليس القطع ، ولكنه قد مثل له في نكته على
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح بما في الكامل
nindex.php?page=showalam&ids=13357لابن عدي وغيره عن
nindex.php?page=showalam&ids=16677عمر بن عبيد الطنافسي أنه كان يقول : ثنا ثم يسكت وينوي القطع ، ثم يقول :
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن أبيه عن
عائشة وحينئذ فهو نوعان ، ونحوه
تدليس العطف ، وهو أن يصرح بالتحديث في شيخ له ، ويعطف عليه شيخا آخر له ، ولا يكون سمع ذلك المروي منه ، سواء اشتركا في الرواية عن شيخ واحد - كما قيده به شيخنا لأجل المثال الذي وقع له وهو أخف - أم لا .
فروى
الحاكم في علومه قال : اجتمع أصحاب
هشيم ، فقالوا : لا نكتب عنه اليوم شيئا مما يدلسه ، ففطن لذلك ، فلما جلس قال : ثنا
حصين ومغيرة عن
إبراهيم ، وساق عدة أحاديث ، فلما فرغ قال
[ ص: 228 ] : هل دلست لكم شيئا ؟ قالوا : لا ، فقال : بلى ، كل ما حدثتكم عن
حصين فهو سماعي ، ولم أسمع عن
مغيرة شيئا .
وهذا محمول على أنه نوى القطع . ثم قال : وفلان ، أي : وحدث فلان ، [ وقريب منه - وسماه
ابن دقيق العيد خفي التدليس - قول
nindex.php?page=showalam&ids=11813أبي إسحاق السبيعي : ليس
أبو عبيدة - يعني ابن عبد الله بن مسعود - ذكره - يعني : لي عن أبيه - ولكن
nindex.php?page=showalam&ids=16333عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي عن أبيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، كأنه لما فيه من إيهام سماع
أبي عبيدة له من أبيه ، لا سيما مع إدراكه له مع أن الصحيح عدم سماعه منه ] .