وبالجملة فهذه أنواع لهذا القسم ، ( واختلف في أهله ) أي : أهل هذا القسم المعروفين به أيرد حديثهم أم لا ؟ ( فالرد ) لهم ( مطلقا ) سواء أبينوا السماع أم لا ، دلسوا عن الثقات أم لا ( ثقف ) بضم المثلثة بعدها قاف ثم فاء ، أي : وجد .
كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح تبعا
للخطيب وغيره عن فريق من المحدثين والفقهاء ، حتى بعض من احتج بالمرسل ، محتجين لذلك بأن التدليس نفسه جرح ; لما فيه من التهمة والغش ، حيث عدل عن الكشف إلى الاحتمال ، وكذا التشبع بما لم يعط حيث يوهم السماع لما لم يسمعه ، والعلو وهو عنده بنزول ، الذي قال
ابن دقيق العيد : إنه أكثر قصد المتأخرين به .
وممن حكى هذا القول
nindex.php?page=showalam&ids=14960القاضي عبد الوهاب في التلخيص فقال :
التدليس جرح ، فمن ثبت تدليسه لا يقبل حديثه مطلقا .
قال : وهو الظاهر على أصول
[ ص: 229 ] مالك ، وقيده
ابن السمعاني في القواطع بما إذا استكشف فلم يخبر باسم من يروي عنه .
قال : لأن
التدليس تزوير وإيهام لما لا حقيقة له ، وذلك يؤثر في صدقه ، أما إن أخبر فلا .
والثاني : القبول مطلقا صرحوا أم لا ، حكاه
الخطيب في كفايته عن خلق كثيرين من أهل العلم ، قال : وزعموا أن نهاية أمره أن يكون مرسلا .
والثالث - وعزاه
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر لأكثر أئمة الحديث - : التفصيل ، فمن كان لا يدلس إلا عن الثقات ، كان تدليسه عند أهل العلم مقبولا و إلا فلا ، قاله
البزار ، وبه أشعر قول
ابن الصباغ في
مدلس الضعيف : " يجب ألا يقبل خبره " ، وبالتفصيل صرح
nindex.php?page=showalam&ids=11886أبو الفتح الأزدي .
وأشار إليه
nindex.php?page=showalam&ids=14667الفقيه أبو بكر الصيرفي في شرح الرسالة ، وجزم به
nindex.php?page=showalam&ids=13053أبو حاتم بن حبان nindex.php?page=showalam&ids=13332وابن عبد البر وغيرهما في حق
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة ، وبالغ
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في ذلك حتى قال : " إنه لا يوجد له تدليس قط ، إلا وجد بعينه قد بين سماعه فيه من ثقة " ; يعني كما قيل في
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب على ما مضى في المرسل .
[ ص: 230 ] وفي سؤالات
الحاكم nindex.php?page=showalam&ids=14269للدارقطني أنه سئل عن تدليس
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، فقال : يجتنب ، وأما
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة فإنه
يدلس عن الثقات .
ولذا قيل : أما الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة فقد اغتفروا تدليسه من غير رد ، ومما وقع
nindex.php?page=showalam&ids=16008لابن عيينة أنه روى بالعنعنة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16705عمرو بن دينار ، ثم بين حين سئل أن بينهما
nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني عن
أبي عاصم عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، أخرجه
الخطيب ، وتقدم عنه التدليس عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري بواسطتين فقط ، لكن مع حذف الصيغة أصلا .
وكذا قيل في
nindex.php?page=showalam&ids=15767حميد الطويل : إنه لم يسمع من
أنس إلا اليسير ، وجل حديثه إنما هو عن ثابت عنه ، ولكنه يدلسه .
فقال
العلائي ردا على من قال : إنه لا يحتج من حديث
حميد إلا بما صرح فيه - : " قد تبين الواسطة فيها ، وهو ثقة محتج به " .
والرابع : إن كان وقوع التدليس منه نادرا ، قبلت عنعنته ونحوها ، وإلا فلا ، وهو ظاهر جواب
nindex.php?page=showalam&ids=16604ابن المديني ; فإن
nindex.php?page=showalam&ids=17383يعقوب بن شيبة قال : سألته عن
الرجل يدلس أيكون حجة فيما لم يقل فيه حدثنا ؟ فقال : إذا كان الغالب عليه التدليس فلا .
( والأكثرون ) من أئمة الحديث والفقه والأصول ( قبلوا ) من حديثهم ( ما صرحا ثقاتهم ) خاصة ( بوصله ) كسمعت ، وثنا ، وشبههما [ وممن ذهب إلى هذا التفصيل
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=17336وابن معين ،
nindex.php?page=showalam&ids=16604وابن المديني ، بل وظاهر كلامه قبول عنعنتهم إذا
[ ص: 231 ] كان التدليس نادرا كما حكيته قريبا ; لأن التدليس ليس كذبا ، وإنما هو تحسين لظاهر الإسناد ، كما قال
البزار ، وضرب من الإيهام بلفظ محتمل ، فإذا صرح قبلوه واحتجوا به ، وردوا ما أتى منه باللفظ المحتمل ، وجعلوا حكمه حكم المرسل ونحوه ، وهذا التفصيل هو خامس الأقوال فيهم .
( وصححا ) ببنائه للمفعول ، أي هذا القول ، وممن صححه
الخطيب nindex.php?page=showalam&ids=12795وابن الصلاح ، فعلى هذا فيجوز فتح أوله أي : صحح
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح هذا القول ، ولكنه لم يصرح بحكايته عن الأكثرين .
وممن حكاه
العلائي ، بل نفى
nindex.php?page=showalam&ids=12858ابن القطان الخلاف في ذلك ، وعبارته : " إذا
صرح المدلس الثقة بالسماع قبل بلا خلاف ، وإن عنعن ففيه الخلاف " .
وقريب منه قول
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : " المدلس لا يقبل حديثه حتى يقول : ثنا أو سمعت ، فهذا ما لا أعلم فيه خلافا " .
وكأنه سلف
النووي - رحمه الله - في حكايته في شرح المهذب الاتفاق على أن المدلس لا يحتج بخبره إذا عنعن ، ولكنه متعقب بما تقدم ، إلا إن قيد بمن لا يحتج بالمرسل ، وكذا يتعقب نفي ابن القطان الخلاف فيما إذا صرح بما تقدم ، وإن وافق على حكاية الخلاف في المعنعن .
و ( في ) كتب ( الصحيح ) لكل من
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم وغيرهما ( عدة ) من الرواة المدلسين مخرج لحديثهم مما صرحوا فيه بالتحديث (
nindex.php?page=showalam&ids=13726كالأعمش ) مع قول مهنأ
[ ص: 232 ] : سألت
أحمد : لم كرهت مراسيله ؟ قال : لأنه كان لا يبالي عمن حدث (
وكهشيم ) - مصغرا ابن بشير - بالتكبير - الواسطي المتأخر ( بعده ) وأحد الآخذين عنه .
فقد قال
ابن سعد : إنه كان يدلس كثيرا ، فما قال فيه : أنا فهو حجة ، وإلا فليس بشيء . وسئل ما يحملك على التدليس ؟ قال : إنه أشهى شيء .
وغيرهما
nindex.php?page=showalam&ids=15767كحميد الطويل ، فإنه - كما قال
ابن سعد أيضا - : ثقة ، كثير الحديث ، إلا أنه ربما دلس على
أنس ،
وكقتادة .
( وفتش ) الصحاح ، فإنك تجد بها التخريج لجماعة كثيرين مما صرحوا فيه ، بل ربما يقع فيها من معنعنهم ، ولكن هو - كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح ، وتبعه
النووي وغيره - محمول على ثبوت السماع عندهم فيه من جهة أخرى ، إذا كان في أحاديث الأصول لا المتابعات تحسينا للظن بمصنفيها ، يعني ولو لم نقف نحن على ذلك لا في المستخرجات التي هي مظنة لكثير منه ولا في غيرها .
وأشار
ابن دقيق العيد إلى التوقف في ذلك ، فإنه قال - بعد تقرير أن معنعن المدلس كالمنقطع ما نصه : وهذا جار على القياس ، إلا أن الجري عليه في تصرفات المحدثين وتخريجاتهم صعب عسير ، يوجب اطراح كثير من الأحاديث التي صححوها ; إذ يتعذر علينا إثبات سماع المدلس فيها من شيخه ، اللهم إلا أن يدعي مدع أن الأولين اطلعوا على ذلك ، وإن لم نطلع نحن عليه . وفي ذلك نظر . انتهى .
وأحسن من هذا كله قول
القطب الحلبي في القدح المعلى : " أكثر
[ ص: 233 ] العلماء أن
المعنعنات التي في الصحيحين منزلة منزلة السماع " ، يعني إما لمجيئها من وجه آخر بالتصريح ، أو لكون المعنعن لا يدلس إلا عن ثقة أو عن بعض شيوخه ، أو لوقوعها من جهة بعض النقاد المحققين سماع المعنعن لها .
ولذا استثني من هذا الخلاف
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ،
وأبو إسحاق ،
وقتادة بالنسبة لحديث
شعبة خاصة عنهم ، فإنه قال : كفيتكم تدليسهم ، فإذا جاء حديثهم من طريقة بالعنعنة ، حمل على السماع جزما .
وأبو إسحاق فقط بالنسبة لحديث
القطان عن
زهير عنه .
وأبو الزبير عن
جابر بالنسبة لحديث
الليث خاصة عنه ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري بالنسبة لحديث
القطان عنه ، بل قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : لا يعرف
nindex.php?page=showalam&ids=16004لسفيان الثوري عن
nindex.php?page=showalam&ids=15683حبيب بن أبي ثابت ، ولا عن
nindex.php?page=showalam&ids=16024سلمة بن كهيل ، ولا عن
منصور ولا عن كثير من مشايخه تدليس ، ما أقل تدليسه ! .
وما أشار إليه شيخنا من إطلاق تخريج أصحاب الصحيح لطائفة منهم ، حيث جعل منهم قسما احتمل الأئمة تدليسه ، وخرجوا له في الصحيح لإمامته ، وقلة تدليسه في جنب ما روى
كالثوري ، يتنزل على هذا ، لا سيما وقد جعل من هذا القسم من كان لا يدلس إلا عن ثقة
nindex.php?page=showalam&ids=16008كابن عيينة .
وكلام
الحاكم يساعده ، فإنه قال : " ومنهم جماعة من المحدثين المتقدمين والمتأخرين مخرج حديثهم في الصحيح ، إلا أن المتبحر في هذا العلم يميز بين
[ ص: 234 ] ما سمعوه وبين ما دلسوه " .
[ قلت : وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في مناقب
nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ nindex.php?page=showalam&ids=13726للأعمش ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12027أبي سفيان طلحة بن نافع عن
جابر بالعنعنة ، ثم أردفه برواية
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش له ، فقال : حدثنا
أبو صالح عن
جابر ; لتتقوى بها الرواية الأولى ] .
وكذا يستثنى من الخلاف من
أكثر التدليس عن الضعفاء والمجاهيل ;
nindex.php?page=showalam&ids=15550كبقية بن الوليد ; لاتفاقهم - كما قاله شيخنا - على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا بالسماع فيه ، أو من ضعف بأمر آخر سوى التدليس ، فإن هؤلاء حديثهم مردود جزما ، ولو صرحوا بالسماع إلا إن توبعوا ، ولو كان الضعف يسيرا كابن لهيعة .