[ ص: 290 ] المضطرب .
209 - مضطرب الحديث ما قد وردا مختلفا من واحد فأزيدا 210 - في متن أو في سند إن اتضح فيه
تساوي الخلف أما إن رجح 211 - بعض الوجوه لم يكن مضطربا
والحكم للراجح منها وجبا 212 - كالخط للسترة جم الخلف
والاضطراب موجب للضعف
.
[
التعريف بالحديث المضطرب ] : لما انتهى من المعل الذي شرطه ترجيح جانب العلة ، ناسب إردافه بما لم يظهر فيه ترجيح ( مضطرب الحديث ) بكسر الراء ، اسم فاعل من اضطرب ( ما قد وردا ) حال كونه ( مختلفا من ) راو ( واحد ) بأن رواه مرة على وجه ، وأخرى على آخر مخالف له ( فأزيدا ) بأن يضطرب فيه كذلك راويان فأكثر .
( في ) لفظ ( متن أو في ) صورة ( سند ) رواته ثقات ، إما باختلاف في وصل وإرسال ، أو في إثبات راو وحذفه ، أو غير ذلك ، وربما يكون في السند والمتن معا ، هذا كله ( إن اتضح فيه تساوي الخلف ) أي : الاختلاف في الجهتين أو الجهات ; بحيث لم يترجح منه شيء ، ولم يمكن الجمع .
( أما إن رجح بعض الوجوه ) أو الوجهين على غيره بأحفظية أو أكثرية ملازمة للمروي عنه ، أو غيرهما من وجوه الترجيح - ( لم يكن ) حينئذ ( مضطربا والحكم للراجح منها ) أي : من الوجوه أو من الوجهين ( وجبا ) ; إذ المرجوح لا يكون مانعا من التمسك بالراجح ، وكذا لا اضطراب إن أمكن الجمع ; بحيث يمكن أن يكون المتكلم معبرا باللفظين فأكثر عن معنى واحد ، ولو لم يترجح شيء .
ولمضطربي المتن والسند أمثلة كثيرة ، فالذي في السند ، وهو الأكثر ، يؤخذ من العلل
nindex.php?page=showalam&ids=14269للدارقطني .
ومما التقطه شيخنا منها مع زوائد ، وسماه المقترب في بيان المضطرب .
[
أمثلة لاضطراب السند ] : ( كـ ) حديث ( الخط ) ، من المصلي ( للسترة ) الذي
[ ص: 291 ] لفظه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=929817إذا لم يجد عصا ينصبها بين يديه ، فليخط خطا ; أي يدير دارة منعطفة كالهلال فيما قاله
أحمد ، أو يجعله بالطول فيما قاله
مسدد ، فإن إسناد هذا الحديث ( جم ) بفتح الجيم وتشديد الميم ، أي : كثير ( الخلف ) أي الاختلاف على راويه ، وهو
إسماعيل بن أمية ; فإنه قيل : عنه ، عن
أبي عمرو بن محمد بن حريث ، عن جده
حريث ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة .
وقيل : عنه ، عن
أبي عمرو بن حريث ، عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة .
وقيل : عنه ، عن
أبي عمرو بن محمد بن عمرو بن حريث ، عن جده
حريث بن سليم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة .
وقيل : عنه ، عن
أبي محمد بن عمرو بن حريث ، عن جده
حريث رجل من
بني عذرة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة .
وقيل : عنه ، عن
أبي محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه عن جده ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة .
وقيل : عنه ، عن
محمد بن عمرو بن حريث ، عن
أبي سلمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة .
وقيل : عنه ، عن
حريث بن عمار ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة .
وقيل : عنه ، عن
أبي عمرو بن محمد ، عن جده
حريث بن سليمان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة .
وقيل : عنه ، عن
أبي عمرو بن حريث ، عن جده
حريث ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة . وقيل غير ذلك .
ولذا حكم غير واحد من الحفاظ ;
كالنووي في الخلاصة ،
وابن عبد الهادي وغيره من المتأخرين باضطراب سنده ، بل عزاه
النووي للحفاظ .
[ ص: 292 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : لا يثبت . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي : لا يحتج بمثله . وتوقف
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فيه في الجديد بعد أن اعتمده في القديم ; لأنه مع اضطراب سنده ، زعم
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة أنه لم يجئ إلا من هذا الوجه ، ولم يجد شيئا يشده به .
لكن قد صححه
nindex.php?page=showalam&ids=16604ابن المديني ،
وأحمد ، وجماعة منهم :
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان ،
والحاكم ،
وابن المنذر ، وكذا
nindex.php?page=showalam&ids=13114ابن خزيمة ، وعمد إلى الترجيح ، فرجح القول الأول من هذا الاختلاف ، ونحوه حكاية
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عن
أبي زرعة ، ولا ينافيه القول الثاني ; لإمكان أن يكون نسب الراوي فيه إلى جده ، وسمي أبا لظاهر السياق ، وكذا لا ينافيه الثالث والتاسع والثامن إلا في سليمان مع سليم ، وكأن أحدهما تصحف ، أو سليما لقب ، كما لا ينافيه الرابع إلا بالقلب .
بل قال شيخنا : إن هذه الطرق كلها قابلة لترجيح بعضها على بعض ، والراجحة منها يمكن التوفيق بينها ، وحينئذ فينتفي الاضطراب عن السند أصلا ورأسا ، ولذلك أسنده
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي محتجا به في المبسوط
للمزني ، وما تقدم عزوه إليه ، ففيه نظر .
وقال
البيهقي : لا بأس بهذا الحديث في مثل هذا الحكم إن شاء الله .
قال
النووي : وهذا الذي اختاره هو المختار ، ثم إن اختلاف الرواة في اسم رجل ، أو نسبه لا يؤثر ; ذلك لأنه إن كان الرجل ثقة - كما هو مقتضى صنيع من صحح هذا
[ ص: 293 ] الحديث - فلا ضير ; كما تقدم في كل من المعل والمنكر .
لا سيما وفي الصحيحين مما اختلف فيه على راويه جملة أحاديث ، وبذلك يرد على من ذهب من أهل الحديث إلى أن الاختلاف يدل على عدم الضبط في الجملة ، فيضر ذلك ، ولو كانت رواته ثقات ، إلا أن يقوم دليل على أنه عند الراوي المختلف عليه عنهما جميعا أو بالطريقين جميعا ، والحق أنه لا يضر ، فإنه كيف ما دار كان على ثقة .
وقد قال
النووي في آخر الكلام على المجهول من تقريبه : ومن عرفت عينه وعدالته وجهل اسمه ، احتج به ، وإن كان ضعيفا ، كما هو الحق هنا ; لجزم شيخنا في تقريبه بأن شيخ
إسماعيل مجهول ، فضعف الحديث إنما هو من قبل ضعفه ، لا من قبل اختلاف الثقات في اسمه .
هذا مع أن دعوى
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة الفردية في المتن منتقضة بما روينا في " فوائد
nindex.php?page=showalam&ids=16511عبدان الجواليقي " قال : ثنا
داهر بن نوح ، ثنا
يوسف بن خالد ، عن
أبي معاذ الخراساني ، عن
عطاء بن ميناء ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=929818ليصل أحدكم إلى ما يستره ، فإن لم يجد فليخط خطا .
وكذا روينا في أول جزء
nindex.php?page=showalam&ids=13430ابن فيل قال : ثنا
عيسى بن عبد الله العسقلاني ثنا
رواد بن الجراح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12349أيوب بن موسى ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12031أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبي
هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=929819إذا صلى أحدكم فليصل إلى مسجد ، أو إلى شجرة ، أو إلى بعير ، فإن لم يجد ، فليخط خطا بين يديه ، ولا يضره من مر بين يديه ) .
ورواه
أبو مالك النخعي عن
أيوب ، فقال : عن
المقبري ، بدل
أبي سلمة ، وادعى
[ ص: 294 ] nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في الأفراد تفرد
أبي مالك بهذا الحديث ، بل في الباب أيضا ، عن غير
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة .
فعند
nindex.php?page=showalam&ids=12201أبي يعلى الموصلي في مسنده من حديث
إبراهيم بن أبي محذورة ، عن أبيه ، عن جده قال :
رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل المسجد من قبل باب بني شيبة ، حتى جاء إلى وجه الكعبة ، فاستقبل القبلة ، فخط من بين يديه خطا عرضا ، ثم كبر فصلى ، والناس يطوفون بين الخط والكعبة .
وكذا عند
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - ، وفي سندهما ضعف ، لكنهما مع طريقين : إحداهما مرسلة ، والأخرى مقطوعة ، يتقوى بها حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة .
وإذ قد ظهر أن الاضطراب الواقع في هذا السند غير مؤثر ، فلنذكر مثالا لا خدش فيه ، مما اختلف فيه الثقات مع تساويهم ، وتعذر الجمع بين ما أتوا به ; وهو حديث :
شيبتني هود وأخواتها فإنه اختلف فيه على
nindex.php?page=showalam&ids=11813أبي إسحاق السبيعي ، فقيل : عنه عن
عكرمة عن
أبي بكر ، ومنهم من زاد بينهما
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
وقيل : عنه عن أبي
جحيفة ، عن
أبي بكر .
وقيل : عنه عن
البراء ، عن
أبي بكر .
وقيل : عنه عن
أبي ميسرة عن
أبي بكر .
وقيل : عنه عن
مسروق عن
أبي بكر .
وقيل : عنه عن
مسروق عن
عائشة عن
أبي بكر .
وقيل : عنه عن
علقمة عن
أبي بكر .
وقيل : عنه عن
عامر بن سعد البجلي ، عن
أبي بكر .
وقيل : عنه عن
عامر بن سعد ، عن أبيه ، عن
أبي بكر .
وقيل : عنه عن
nindex.php?page=showalam&ids=17092مصعب بن سعد ، عن أبيه ، عن
أبي بكر .
وقيل : عنه عن
أبي الأحوص ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود . ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني مبسوطا .
[ ص: 295 ] [ أمثلة لاضطراب المتن ] وأما
أمثلة الاضطراب في المتن - وقل أن يوجد مثال سالم له - كحديث نفي البسملة ; حيث زال الاضطراب عنه بالجمع المتقدم في النوع قبله ، وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج في وضع الخاتم ; حيث زال بما تقدم في المنكر ، وحديث
فاطمة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=929821إن في المال لحقا سوى الزكاة ، الذي ذكره الشارح ; حيث زال بإمكان سماعها للفظين ، وحمل المثبت على التطوع والنافي على الواجب ، ويتأيد بزيادة : ثم قرأ - أي رسول الله صلى الله عليه وسلم - :
وآتى المال على حبه [ البقرة : 177 ] في بعض طرقه .
وفي لفظ آخر : قال
أبو حمزة : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=14577للشعبي : إذا زكى الرجل ماله ، أيطيب له ماله ؟ فقرأ : ليس البر . . . . الآية . هذا مع ضعفه بغير الاضطراب ; فإن
أبا حمزة شيخ
شريك فيه ضعيف ، ووراء هذا نفى بعضهم الاضطراب عنه بأن لفظ الحديث في
الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه سواء ، وهو الإثبات ، لكنه لم يصب ، وإن سبقه لنحوه
البيهقي .
فمنها الاختلاف في الصلاة في قصة ذي اليدين : فمرة شك الراوي أهي الظهر ،
[ ص: 296 ] أو العصر ؟ ومرة قال : إحدى صلاتي العشي ، إما الظهر وإما العصر ، ومرة جزم بالظهر ، وأخرى بالعصر ، وأخرى قال : وأكبر ظني أنها العصر .
وعند
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ما يشهد لأن الشك فيها كان من
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، ولفظه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=929822صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إحدى صلاتي العشي " ، قال nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : " ولكني نسيت .
قال شيخنا : فالظاهر أن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة رواه كثيرا على الشك ، وكان ربما غلب على ظنه أنها الظهر فجزم بها ، وتارة غلب على ظنه أنها العصر فجزم بها ، ثم طرأ الشك في تعيينها على
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين أيضا ; لما ثبت عنه أنه قال : سماها
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة ، ولكن نسيت أنا ، وكان السبب في ذلك الاهتمام بما في القصة من الأحكام الشرعية .
وأبعد من جمع بأن القصة وقعت مرتين ، ولكن كثيرا ما يسلك الحفاظ ;
كالنووي رحمه الله - ذلك في الجمع بين المختلف ; توصلا إلى تصحيح كل من الروايات ; صونا للرواة الثقات أن يتوجه الغلط إلى بعضهم ، وقد لا يكون الواقع التعدد ، نعم قد رجح شيخنا في هذا المثال الخاص رواية من عين العصر في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة .
( والاضطراب ) حيث وقع في سند أو متن ( موجب للضعف ) لإشعاره بعدم ضبط راويه أو رواته .