[ ص: 167 ] قالوا حديثان متناقضان .
10 - العدوى والطيرة .
قالوا : رويتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=949686لا عدوى ولا طيرة وأنه قيل له :
nindex.php?page=hadith&LINKID=949687إن النقبة تقع بمشفر البعير فتجرب لذلك الإبل ، فقال : فما أعدى الأول قال هذا أو معناه .
ثم رويتم في خلاف ذلك :
nindex.php?page=hadith&LINKID=949688لا يوردن ذو عاهة على مصح و
nindex.php?page=hadith&LINKID=949689فر من المجذوم فرارك من الأسد nindex.php?page=hadith&LINKID=949690وأتاه رجل مجذوم ليبايعه بيعة الإسلام فأرسل إليه بالبيعة وأمره بالانصراف ولم يأذن له عليه ، وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=949691الشؤم في المرأة والدار والدابة قالوا : وهذا كله مختلف لا يشبه بعضه بعضا .
[ ص: 168 ] قال
أبو محمد : ونحن نقول : إنه ليس في هذا اختلاف ، ولكل معنى منها وقت وموضع ، فإذا وضع بموضعه زال الاختلاف .
والعدوى جنسان : أحدهما عدوى الجذام ، فإن المجذوم تشتد رائحته حتى يسقم من أطال مجالسته ومؤاكلته ، وكذلك المرأة تكون تحت المجذوم فتضاجعه في شعار واحد ، فيوصل إليها الأذى ، وربما جذمت ، وكذلك ولده ينزعون في الكثير إليه .
وكذلك من كان به سل ودق ونقب ، والأطباء تأمر بأن لا يجالس المسلول ولا المجذوم لا يريدون بذلك معنى العدوى ، إنما يريدون به تغير الرائحة وأنها قد تسقم من أطال اشتمامها ، والأطباء أبعد الناس من الإيمان بيمن أو شؤم ، وكذلك النقبة تكون بالبعير ، وهي جرب رطب ، فإذا خالطها الإبل وحاكها وأوى في مباركها ، أوصل إليها بالماء الذي يسيل منه والنطف ، نحوا مما به .
وهذا هو المعنى الذي قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=949688لا يوردن ذو عاهة على مصح كره أن يخالط المعيوه الصحيح فيناله من نطفه وحكته ، نحو مما به .
[ ص: 169 ] وقد ذهب قوم إلى أنه أراد بذلك أن لا يظن أن الذي نال إبله من ذوات العاهة فيأثم ، قال : وليس لهذا عندي وجه لأنا نجد الذي أخبرتك به عيانا . وأما الجنس الآخر من العدوى فهو الطاعون ينزل ببلد ، فيخرج منه خوفا من العدوى .
قال
أبو محمد : حدثني
سهل بن محمد قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي عن بعض البصريين : أنه هرب من الطاعون فركب حمارا ومضى بأهله نحو سفوان ، وسمع حاديا يحدو خلفه وهو يقول :
لن يسبق الله على حمار ولا على ذي ميعة مطار أو يأتي الحتف على مقدار
قد يصبح الله أمام الساري
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=949692إذا كان بالبلد الذي أنتم به فلا تخرجوا منه وقال أيضا
nindex.php?page=hadith&LINKID=949693إذا كان ببلد فلا تدخلوه يريد بقوله : لا تخرجوا من البلد إذا كان فيه ، كأنكم تظنون أن الفرار من قدر الله تعالى ينجيكم من الله ، ويريد بقوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=949693وإذا كان ببلد فلا تدخلوه أن مقامكم بالموضع الذي لا طاعون فيه أسكن لأنفسكم وأطيب لعيشكم .
ومن ذلك تعرف المرأة بالشؤم أو الدار فينال الرجل مكروه أو جائحة فيقول : أعدتني بشؤمها ، فهذا هو العدوى الذي قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا عدوى .
[ ص: 170 ] وأما الحديث الذي رواه
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=949691الشؤم في المرأة والدار والدابة فإن هذا حديث يتوهم فيه الغلط على
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وأنه سمع فيه شيئا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يعه .
قال
أبو محمد : حدثني
محمد بن يحيى القطعي قال حدثنا
عبد الأعلى عن
سعيد عن
قتادة عن
أبي حسان الأعرج أن رجلين دخلا على
عائشة - رضي الله عنها - فقالا : إن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=949694إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار " ، فطارت شفقا ثم قالت : كذب والذي أنزل القرآن على
أبي القاسم ، من حدث بهذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، إنما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=949695كان أهل الجاهلية يقولون إن الطيرة في الدابة والمرأة والدار ثم قرأت
ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها .
وحدثني
nindex.php?page=showalam&ids=12228أحمد بن الخليل قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11980موسى بن مسعود النهدي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16585عكرمة بن عمار عن
nindex.php?page=showalam&ids=12423إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك قال : جاء رجل منا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=949696يا رسول الله إنا نزلنا دارا فكثر فيها عددنا وكثرت فيها أموالنا ثم تحولنا عنها إلى أخرى ، فقلت فيها أموالنا وقل فيها عددنا . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ارحلوا عنها وذروها وهي ذميمة .
قال
أبو محمد : وليس هذا بنقض للحديث الأول ولا الحديث الأول بنقض لهذا ، وإنما أمرهم بالتحول منها لأنهم كانوا مقيمين فيها على استثقال
[ ص: 171 ] لظلها واستيحاش بما نالهم فيها فأمرهم بالتحول ، وقد جعل الله تعالى في غرائز الناس وتركيبهم استثقال ما نالهم السوء فيه وإن كان لا سبب له في ذلك ، وحب من جرى على يده الخير لهم وإن لم يردهم به ، وبغض من جرى على يده الشر لهم وإن لم يردهم به . وكيف يتطير - صلى الله عليه وسلم - والطيرة من الجبت .
وكان كثير من أهل الجاهلية لا يرونها شيئا ويمدحون من كذب بها ، قال الشاعر يمدح رجلا :
وليس بهياب إذا شد رحله يقول عداني اليوم واق وحاتم
ولكنه يمضي على ذاك مقدما إذا صد عن تلك الهنات الخثارم
قال
أبو محمد : الخثارم : هو الذي يتطير والواق الصرد والحاتم الغراب .
وقال
المرقش :
ولقد غدوت وكنت لا أغدو على واق وحاتم
فإذا الأشائم كالأيامن والأيامن كالأشائم
وكذاك لا خير ولا شر على أحد بدائم
وحدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن راهويه ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق عن
معمر عن
إسماعيل بن أمية قال :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة لا يسلم منهن أحد : الطيرة والظن والحسد ، [ ص: 172 ] قيل : فما المخرج منهن ؟ قال : إذا تطيرت فلا ترجع ، وإذا ظننت فلا تحقق ، وإذا حسدت فلا تبغ هذه الألفاظ أو نحوها .
وحدثني
أبو حاتم قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي عن
سعيد بن مسلم عن أبيه أنه كان يعجب ممن يصدق بالطيرة ، ويعيبها أشد العيب . وقال فرقت لنا ناقة ، وأنا بالطف ، فركبت في أثرها فلقيني
هانئ بن عبيد من
بني وائل وهو مسرع يقول
والشر يلفى مطالع الأكم
ثم لقيني رجل آخر من الحي فقال :
ولئن بغيت لنا بغاة ما البغاة بواجدينا
ثم دفعنا إلى غلام قد وقع في صغره في نار فأحرقته فقبح وجهه وفسد ، فقلت له هل ذكرت من ناقة فارق ؟ قال هاهنا أهل بيت من الأعراب ، فانظر فنظرت فإذا هي عندهم وقد أنتجت فأخذتها وولدها .
قال
أبو محمد : الفارق التي قد حملت ففارقت صواحبها .
وقال
عكرمة : كنا جلوسا عند
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس فمر طائر يصيح ، فقال رجل من القوم : " خير خير " ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس لا خير ولا شر ، و
nindex.php?page=hadith&LINKID=949697كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستحب الاسم الحسن ، والفأل الصالح . [ ص: 173 ] وحدثني
nindex.php?page=showalam&ids=14398الرياشي قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي ، قال : سألت
ابن عون عن الفأل ، فقال : هو أن يكون مريضا فيسمع " يا سالم " ، أو يكون باغيا فيسمع " يا واجد " .
قال
أبو محمد : وهذا أيضا مما جعل في غرائز الناس استحبابه والأنس به ، كما جعل على ألسنتهم من التحية بالسلام ، والمد في الأمنية ، والتبشير بالخير ، وكما يقال : " انعم واسلم " ، و " انعم صباحا " ، وكما تقول الفرس : " عش ألف نيروز " ، والسامع لهذا يعلم أنه لا يقدم ولا يؤخر ، ولا يزيد ولا ينقص ، ولكن جعل في الطباع محبة الخير والارتياح للبشرى ، والمنظر الأنيق والوجه الحسن ، والاسم الخفيف .
وقد يمر الرجل بالروضة المنورة فتسره وهي لا تنفعه وبالماء الصافي فيعجب به وهو لا يشربه ولا يورده ، وفي بعض الحديث
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعجب بالأترج ويعجبه الحمام الأحمر وتعجبه الفاغية وهي نور الحناء .
وهذا مثل إعجابه بالاسم الحسن والفأل الحسن ، وعلى مثل هذا كانت كراهته للاسم القبيح ، كـ " بني النار " و " بني حراق " و " بني زنية " و " بني حزن " وأشباه هذا .