صفحة جزء
( 138 ) حدثنا علي بن المبارك الصنعاني ، ثنا زيد بن المبارك ، ثنا محمد بن ثور ، عن ابن جريج ، قال : وقال ابن شهاب ، عن عروة ، وعبيد الله بن عدي ، وعلقمة بن وقاص ، يزيد بعضهم على بعض ، عن عائشة ، قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها سافر بها ، فغزا غزوة خرج فيها سهمي ، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزاته ودنونا من المدينة آذن ليلة بالرحيل ، فخرجت حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت شأني رجعت إلى منزلي ، فلمست عقدا لي من جزع أظفار فإذا هو قد انقطع ، فرجعت وحبسني ابتغاؤه ، فجاء النفر الذين كانوا يرحلون بي هودجي فرحلوه على جملي وهم يحسبون أني فيه ، والنساء حينئذ خفاف لم يهبلن اللحم ، فاستمر الجيش ، وجئت منازلهم وليس بها منهم داع ولا مجيب ، فتيممت منزلي وعلمت أن سيفقدوني فينظروني ، فبينا أنا جالسة غلبتني عيني ، وكان صفوان [ ص: 67 ] بن المعطل عرس من وراء الجيش ، فرأى سواد إنسان نائم فتيممني ، فلما رآني استرجع ، وقد كان يدخل علي قبل أن يضرب علي الحجاب ، ففزعت باسترجاعه فخمرت وجهي ، فما تكلم غيرها وما تكلمني حتى أناخ راحلته ، فوطئ على ذراعها فركبت ، فجئنا الجيش نحر الظهيرة مغاولين ، وقد هلك من هلك ، فقدمت المدينة فمرضت شهرا لا أشعر بالذي قال أهل الإفك ، وأنا يريبني من النبي - صلى الله عليه وسلم - أني لا أرى منه اللطف الذي كنت أرى منه إذا مرضت ، إنما يقوم قائما فيقول : " كيف تيكم ؟ " حتى إذا نقهت تبرزت أنا وأم مسطح إلى المناصع وهو متبرزنا ، وأمرنا أمر العرب الأول إنما نأكل العلقة من الطعام ويتبرزن ليلا إلى ليل ، فلما قضينا شأننا رجعت إلى منزلي ، فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت : تعس مسطح ، فقلت : بئس ما قلت سببت رجلا صالحا قد شهد بدرا ، فقالت : أي هنتاه أو ما تدرين ما قالوا ؟ ، قلت : وما قالوا ؟ ، فأخبرتني الخبر فانتظرت النبي - صلى الله عليه وسلم - ليأتي ، فاستأذنته إلى أبوي فأستيقن الخبر من قبلهما فجئت بيتهما ، فوجدت أبي يصلي ، قلت : يا أمه ما قالوا ؟ ، قالت : أي بنية إنه قل ما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها ، لها ضرائر إلا أكثرن عليها ، قالت : أو لقد قالوا ذلك ؟ ، فانصرف أبي يصلي ، فوالله لوددت أني كنت حيضة ، فكنت لا يكتحل عيني بنوم ولا يرقأ لي دمع ، وعلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنبر ، فقال : " ما بال رجال قد بلغني أذاهم في أهلي ، ولقد ذكروا رجلا صالحا قد شهد بدرا ما دخل على أهلي قط إلا وأنا حاضر ، ولا سافرت من سفر قط إلا وإنه لمعي ، فقام سعد بن معاذ ، فقال : أنا لك منه يا رسول الله ، إن كان من الأوس ضربنا عنقه ، وإن كان من بني الحارث بن الخزرج [ ص: 68 ] أتيناك به موثقا ، فقام سعد بن عبادة فقال : كذبت والله لا تقتله ولا تستطيع قتله ، فقام أسيد بن حضير بن سماك ، فقال : كذبت والله ليقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين ، فتثاور الحيان الأوس والخزرج ، فنزل النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يزل يسكتهم ويخفضهم حتى سكتوا ، قال ابن جريج : قال مولى ابن عباس : قال بعضهم لبعض : موعدا لكم الحرة ، فلبسوا السلاح وخرجوا إليها ، فأتاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلم يزل يتلو عليهم هذه الآية : واذكروا نعمة الله عليكم حتى تنقضي ، يرددها عليهم حتى اعتنق بعضهم بعضا وحتى أن لهم لخنانا ، ثم انصرفوا قد اصطلحوا ، واستلبث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوحي ، فدعا عليا وأسامة بن زيد فاستشارهما في فراق أهله ، فأما علي فقال : لم يضيق الله عليك والنساء كثير ، وإن تسأل الجارية - يريد بريرة - تصدقك ، وأما أسامة فأشار بالذي يعلم في نفسه من الوجد بأهله وبما يعلم من براءتهم ، فدعا بريرة ، فقال : " هل رأيت على هذه الجارية من شيء تغمصينه عليها ؟ " ، فقالت : لا ، والذي بعثك بالحق ، إلا أنها جارية حديثة السن ترقد حتى تأكل الداجن عجينها أو خميرها ، قالت عائشة : فمكثت يومين وليلتين لا تكتحل عيني بنوم ولا يرقأ لي دمع ، وأصبح أبواي عندي يظنان أن البكاء فالق كبدي ، فاستأذنت امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست ، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلس مني مجلسا لم يجلسه مني منذ قيل لي ما قيل فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : " أما بعد يا عائشة فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فتوبي منه واعترفي به ، فإن المرء إذا تاب من ذنبه واعترف به غفر له " ، قالت : فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالته قلص دمعي حتى ما أحس [ ص: 69 ] منه قطرة ، قلت : يا أبه أجب رسول الله ، فقال : ما أدري ما أجيبه ، قلت : يا أمي أجيبي رسول الله ، قالت : ما أدري ما أجيبه ، قالت : وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ من القرآن كثيرا ، فقلت : والله لقد سمعتم من هذا شيئا استقر في أنفسكم ، فلئن قلت أنا منه بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقونني ، ولئن اعترفت بذنب أنا منه بريئة لتصدقونني ، ألا فإنما مثلي ومثلكم كأبي يوسف - اختلس مني اسمه - فصبر جميل والله المستعان ، ثم وليت وجهي نحو الجدار ونفسي أحقر عندي من أن ينزل في قرآن يتلى ، ولكني قد رجوت أن يري الله رسوله رؤيا في المنام ، فما تفرق أهل المجلس حتى أخذت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البرحاء التي كانت تأخذه عند الوحي ، حتى أنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق ، فاستغشى ثوبه ، قال أبو بكر : فجعلت أنظر إلى رسول الله فأخشى أن يأتي من السماء ما لا مرد له ، وأنظر إلى وجه عائشة فإذا هو مفيق ، فيطعمني في ذلك منها ، فإنما أنظر ههنا وههنا ، فنزع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه الثوب وهو يمسح جبهته من العرق وهو يقول : " أبشري يا عائش ، أما الله فقد برأك " ، فقلت : بحمد الله وذمكم ، فقالت أمي : قومي فقبلي رأس رسول الله ، فقلت : لا والله لا أفعل ولا أحمد إلا الله ، وكان مما يبغي عليه أن قالت : والله ما أستحي من الأنصارية أن تقول لي ما قال .

التالي السابق


الخدمات العلمية