صفحة جزء
15838 وعن سلمان قال : كنت رجلا من أهل حي ، مدينة أصبهان ، فبينا أنا إذ ألقى الله - عز وجل - في قلبي من خلق السماوات والأرض فانطلقت إلى ، رجل لم يكن يكلم الناس يتحرج ، فسألته : أي الدين أفضل ؟ فقال : ما لك ولهذا الحديث ؟ أتريد دينا غير دينك ؟ قلت : لا ولكن أحب أن أعلم من خلق السماوات والأرض ؟ وأي دين أفضل ؟ . قال : ما أعلم على هذا غير راهب بالموصل .

قال : فذهبت إليه فسكنت عنده ، فإذا هو قد قتر عليه في الدنيا ، فكان يصوم النهار ويقوم الليل ، فكنت أعبد كعبادته ، فلبثت عنده ثلاث سنين ، ثم توفي فقلت : إلى من توصي بي ؟ فقال : ما أعلم أحدا من أهل المشرق على ما أنا عليه ، فعليك براهب من وراء الجزيرة ، فأقرئه مني السلام . قال : فجئته فأقرأته السلام ، وأخبرته أنه قد توفي ، فمكثت عنده أيضا ثلاث سنين ثم توفي ، فقلت : إلى من تأمرني أن أذهب ؟ قال : ما أعلم أحدا من أهل الأرض على ما أنا عليه غير راهب بعمورية شيخ كبير ، وما أدري تلحقه أم لا ؟ فذهبت إليه فكنت عنده ، فإذا رجل موسع عليه ، فلما حضرته الوفاة قلت له : أين تأمرني أن أذهب ؟ قال : ما أعلم أحدا من أهل الأرض على ما أنا عليه ، ولكن إن أدركت زمانا تسمع برجل يخرج من بيت إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - وما أراك تدركه وقد كنت أرجو أن أدركني إن استطعت أن تكون معه فافعل ; فإنه الدين ، وأمارة ذلك : أن قومه يقولون : ساحر مجنون كاهن ، وإنه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ، وإن عند غضروف كتفه خاتم النبوة . فبينا أنا كذلك أتى ركب من نحو المدينة ، فقيل : من أنتم ؟ فقالوا : نحن من أهل المدينة ، ونحن قوم تجار نعيش بتجارتنا ، ولكنه قد خرج رجل من أهل بيت إبراهيم [ ص: 340 ] - صلى الله عليه وسلم - فقدم علينا وقومه يقاتلونه ، وقد خشينا أن يحول بيننا وبين تجارتنا ، ولكنه قد ملك المدينة . فقلت : ما يقولون فيه ؟ قال : يقولون : ساحر ، مجنون ، كاهن ، فقلت : هذه الأمارة ، دلوني على صاحبكم . فجئته فقلت : تحملني إلى المدينة ؟ فقال : ما تعطيني ؟ فقلت : ما أجد شيئا أعطيك غير أني لك عبد ، فحملني ، فلما قدمت جعلني في نخله ، فكنت أسقي كما يسقي البعير ، حتى دبر ظهري وصدري من ذلك ، ولا أجد أحدا يفقه كلامي ، حتى جاءت عجوز فارسية تستقي فكلمتها ففقهت كلامي ، فقلت لها : أين هذا الرجل الذي خرج ؟ دليني عليه . قالت : سيمر عليك بكرة إذا صلى الصبح من أول النهار ، فخرجت فجمعت تمرا ، فلما أصبحت جئت ، ثم قربت إليه التمر ، فقال : " ما هذا أصدقة أم هدية ؟ " . فأشرت أنه صدقة ، فقال : " انطلق إلى هؤلاء " . وأصحابه عنده ، فأكلوا ولم يأكل ، فقلت : هذه الأمارة .

فلما كان الغد جئت بتمر ، فقال : " ما هذا ؟ " . فقلت : هذه هدية ، فأكل ودعا أصحابه فأكلوا ، ثم رآني أتعرض لأرى الخاتم ، فعرف فألقى رداءه فأخذت أقبله وألتزمه ، فقال : " ما شأنك ؟ " . فسألني ، فأخبرته خبري فقال : " اشترطت لهم أنك عبد ، فاشتر نفسك منهم " . فاشتراه النبي - صلى الله عليه وسلم - على أن يحيي لهم ثلاث مائة نخلة وأربعين أوقية ذهب ، ثم هو حر . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اغرس " . فغرس " ثم انطلق فألق الدلو على البئر ، ثم لا ترفعه حتى يرتفع ; فإنه إذا امتلأ ارتفع ، ثم رش في أصولها " . ففعل ، فنبت النخل أسرع النبات ، فقال : سبحان الله ! ما رأينا مثل هذا العبد ، إن لهذا العبد لشأنا ، فاجتمع الناس عليه ، وأعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - تبرا ، فإذا فيه أربعون أوقية . رواه الطبراني ، وفيه من لم أعرفه .

التالي السابق


الخدمات العلمية