فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم ينظر إلي وأنا عند ظهره : " يا مسكينة ، عليك السكينة " فلما قالها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذهب الله عني ما كان دخل في قلبي من الرعب ، فتقدم صاحبي أول رجل حريث بن حسان فبايعه على الإسلام ، وعلى قومه ، ثم قال : يا رسول الله ، اكتب بيننا وبين بني تميم بالدهناء لا يجاوزها إلينا منهم إلا مسافر أو مجاور ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اكتب له بالدهناء يا غلام " .
فلما رأى حريث أن قد حيل دون كتابه ، ضرب إحدى يديه على الأخرى ثم قال : كنت أنا وأنت كما قال : حتفها تحمل ضأن بأظلافها ، فقالت : والله ، ما علمت إن كنت لدليلا في الظلماء ، مدولا لدى الرحل ، عفيفا عن الرفيقة ، حتى قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن لا تلمني على أن أسأل حظي إذ سألت حظك ، قال : وما حظك في الدهناء لا أبا لك ؟ قلت : مقيل جملي تسأله لجمل امرأتك . قال : لا جرم ، أشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني لك أخ وصاحب ما حييت ، إذا ثنيت على هذا عنده ، قلت : إذ بدأتها فلن أضيعها ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أيلام ابن هذه أن يفصل الخطة ، وينصر من وراء الحجرة ؟ " .
فبكيت ثم قلت : قد والله ، ولدته يا رسول الله حراما ، فقاتل معك يوم الربذة ، ثم ذهب بميرتي من خيبر ، فأصابته حماها فمات ، فترك علي النساء .
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فوالذي نفسي بيده لو لم تكوني مسكينة لجررناك على وجهك - أو لجررت على وجهك - شك عبد الله بن حسان أي الحرفين حدثته المرأتان - أتغلب إحداكن أن تصاحب صويحبه في الدنيا معروفا ؟ فإذا حال بينه وبينه من هو أولى به منه [ ص: 12 ] استرجع ، ثم قال : رب آسني لما أمضيت ، فأعني على ما أبقيت ، فوالذي نفس محمد بيده إن أحدكم ليبكي فيستعبر له صويحبه ، فيا عباد الله لا تعذبوا موتاكم " . ثم كتب لها في قطعة أديم أحمر : " لقيلة والنسوة من بنات قيلة لا يظلمن حقا ، ولا يكرهن على منكح ، وكل مؤمن ومسلم لهن نصير ، أحسن ولا تسئن " .
قال محمد بن هشام : فسره لنا ابن عائشة ، فقال : الفرصة : ذات الحدب ، والفرصة : القطعة من المسك ، والفرصة : الدولة ، انتهز فرصتك ، أي : دولتك .
السبيج : سمل كساء . الرتكان : ضرب من السير . الانتفاج : السعي . شنح : أي ولاك ميامنه ، وبعض العرب يجعل مياسره ، وهم يتطيرون بأحدهما ويتفاءلون بالآخر . تفاج : تفتح . فوألنا : أي لجأنا إلى حواء . يا دفار : يا منتنة ، من ذلك قول العرب في الدنيا : أم دفر لنتنها . ثم سدت عنه : استخبرت عنه . المقشو : المقشور . الفتان : الشياطين وأحدها فاتن .
" حتفها تحمل ضأن بأظلافها " : مثل من أمثال العرب في شاة بحثت بأظلافها في الأرض ، فأظهرت مدية ، فذبحت بها ، فصار مثلا .
القضية : انقضاء الأمور . شخص : أي ارتفع بصري . فكسرا : من إكسار ما سمعت . آسني : أي اجعل لي أسوة بما تعظني به ، قال متمم بن نويرة :
فقلت لها طول الأسى إذ سألتني ولوعة حزن تترك الوجه أسفعا