صفحة جزء
9905 وعن أسماء بنت أبي بكر قالت : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأتينا بمكة كل يوم مرتين ، فلما كان يوم من ذلك جاءنا في الظهيرة ، فقالت : يا أبت ، هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبأبي وأمي ما جاء به هذه الساعة إلا أمر ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هل شعرت أن الله قد أذن لي في الخروج ؟ " . فقال أبو بكر : فالصحابة يا رسول الله ؟ قال : " الصحابة " . قال : إن عندي راحلتين قد علفتهما منذ كذا وكذا انتظارا لهذا اليوم فخذ إحداهما ، فقال : " بثمنها يا أبا بكر " ، فقال : بثمنها بأبي وأمي إن شئت ، قالت : فهيأنا لهم سفرة ، ثم قطعت نطاقها فربطتها ببعضه ، فخرجا فمكثا في الغار في جبل ثور ، فلما انتهيا إليه دخل أبو بكر الغار قبله فلم يترك فيه حجرا إلا أدخل فيه إصبعه ; مخافة أن يكون فيه هامة ، وخرجت قريش حين فقدوهما في بغائهما ، وجعلوا في النبي - صلى الله عليه وسلم - مائة ناقة ، وخرجوا يطوفون في جبال مكة حتى انتهوا إلى الجبل الذي هما فيه ، فقال أبو بكر لرجل [ يراه ] مواجه الغار : يا رسول الله إنه ليرانا ، فقال : " كلا إن ملائكة تسترنا بأجنحتها " . فجلس ذلك الرجل فبال مواجه الغار ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لو كان يرانا ما فعل هذا " . فمكثا ثلاث ليال يروح عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر غنما لأبي بكر ويدلج من عندهما فيصبح مع الرعاة في مراعيها ، ويروح معهم ويبطئ في المشي حتى إذا أظلم الليل انصرف بغنمه إليهما ، فتظن الرعاة أنه [ ص: 54 ] معهم ، وعبد الله بن أبي بكر يظل بمكة يتطلب الأخبار ثم يأتيهما إذا أظلم الليل فيخبرهما ، ثم يدلج من عندهما فيصبح بمكة يتطلب الأخبار ، ثم يأتيهما إذا أظلم الليل فيخبرهما ، ثم يدلج من عندهما فيصبح بمكة كبائت ، ثم خرجا من الغار فأخذا على الساحل ، فجعل أبو بكر يسير أمامه ، فإذا خشي أن يؤتى من خلفه سار خلفه ، فلم يزل كذلك مسيره ، وكان أبو بكر رجلا معروفا في الناس ، فإذا لقيه لاق ، فيقول لأبي بكر : من هذا معك ؟ فيقول : هاد يهديني ، يريد الهدى في الدين ، ويحسب الآخر دليلا حتى إذا كان بأبيات قديد وكان على طريقهما [ على الساحل ] جاء إنسان إلى [ مجلس ] بني مدلج ، فقال : قد رأيت راكبين نحو الساحل ، فإني لأجدهما لصاحب قريش الذي تبغون ، فقال سراقة بن مالك : ذانك راكبين ممن بعثنا في طلبة القوم ، ثم دعا جاريته فسارها ، فأمرها أن تخرج بفرسه وتحط رمحه ولا تنصبه حتى يأتيه في قراره بموضع كذا وكذا ، ثم يجيئها ، فركب فرسه ، ثم خرج في آثارهما ، قال سراقة : فدنوت منهما حتى إني لأسمع قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ركضت الفرس فوقعت بمنخريها ، فأخرجت قداحي من كنانتي ، فضربت بها أضره أم لا أضره ؟ فخرج لا تضره ، فأبت نفسي حتى إذا كنت منه بمثل ذلك الموضع خشية أن يصيبني مثل ما أصابني ناديته ، فقلت : إني أرى سيكون لك شأن ، فقف أكلمك . فوقف النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله أن يكتب له أمانا ، فأمر أن يكتب فكتب له ، قال سراقة : فلما كان يوم حنين ، وأخرجته وناديت : أنا سراقة ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يوم وفاء " ، قال سراقة : فما شبهت ساقه في غرزه إلا بجمار . فذكرت شيئا أسأله عنه فقلت : يا رسول الله ، إني رجل ذا نعم ، وإن الحياض تملأ من الماء ، فنشرب فيفضل من الماء في الحياض ، فيرد الهمل ، فهل لي في ذلك من أجر ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " نعم ، في كل كبد حرى أجر " .

قلت : روى أبو داود طرفا من آخره عن سراقة . رواه الطبراني ، وفيه يعقوب بن حميد بن كاسب وثقه ابن حبان ، وغيره ، وضعفه أبو حاتم ، وغيره ، وبقية رجاله رجال الصحيح .

التالي السابق


الخدمات العلمية