صفحة جزء
[ ص: 338 ] وربما أسند الواضع كلاما لنفسه أو لبعض الحكماء ، وربما وقع في شبه الوضع بغير قصد .


( وربما أسند الواضع كلاما لنفسه ) ، كأكثر الموضوعات ( ، أو لبعض الحكماء ) ، أو الزهاد ، أو الإسرائيليات ، كحديث : " المعدة بيت الداء ، والحمية رأس الدواء " . لا أصل له من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - بل هو من كلام بعض الأطباء ، قيل : إنه لحارث بن كلدة طبيب العرب .

ومثله العراقي في شرح الألفية بحديث : " حب الدنيا رأس كل خطيئة " . قال : فإنه إما من كلام مالك بن دينار ، كما رواه ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان بإسناده إليه ، أو من كلام عيسى ابن مريم - صلى الله عليه وسلم - كما رواه البيهقي في الزهد ، ولا أصل [ ص: 339 ] له من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من مراسيل الحسن البصري ، كما رواه البيهقي في شعب الإيمان ، ومراسيل الحسن عندهم شبه الريح .

وقال شيخ الإسلام : إسناده إلى الحسن حسن ، ومراسيله أثنى عليها أبو زرعة ، وابن المديني ، فلا دليل على وضعه . انتهى .

والأمر كما قال .

( وربما وقع ) الراوي ( في شبه الوضع ) غلطا منه ( بغير قصد ) ، فليس بموضوع حقيقة ، بل هو بقسم المدرج أولى كما ذكره شيخ الإسلام في " شرح النخبة " ، قال : بأن يسوق الإسناد فيعرض له عارض ، فيقول كلاما من عند نفسه ، فيظن بعض من سمعه أن ذلك متن ذلك الإسناد ، فيرويه عنه كذلك .

كحديث رواه ابن ماجه ، عن إسماعيل بن محمد الطلحي ، عن ثابت بن موسى الزاهد ، عن شريك ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، مرفوعا " من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار " .

قال الحاكم : دخل ثابت على شريك وهو يملي ، ويقول : حدثنا الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسكت ليكتب المستملي ، فلما نظر إلى ثابت ، قال : من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار . وقصد بذلك ثابتا لزهده وورعه ، فظن ثابت أنه متن ذلك الإسناد ; فكان يحدث به .

[ ص: 340 ] وقال ابن حبان : إنما هو قول شريك ، فإنه قاله عقب حديث الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم . فأدرجه ثابت في الخبر ، ثم سرقه منه جماعة من الضعفاء ، وحدثوا به ، عن شريك ، كعبد الحميد بن بحر ، وعبد الله بن شبرمة ، وإسحاق بن بشر الكاهلي ، وجماعة آخرين .

التالي السابق


الخدمات العلمية