إحداها : اختلف السلف في كتابة الحديث ، فكرهها طائفة وأباحها طائفة ثم أجمعوا على جوازها ، وجاء في الإباحة والنهي حديثان ، فالإذن لمن خيف نسيانه ، والنهي لمن أمن وخيف اتكاله ، أو نهى حين خيف اختلاطه بالقرآن وأذن حين أمن .
ثم على كاتبه صرف الهمة إلى ضبطه وتحقيقـه شكلا ونقطا يؤمن اللبس ، ثم قيل : إنما يشكل المشكل ، ونقل عن أهل العلم كراهة الإعجام والإعراب إلا في الملتبس ، وقيل : يشكل الجميع .
( النوع الخامس والعشرون : كتابة الحديث ، وضبطه ، وفيه مسائل :
إحداها : اختلف السلف ) من الصحابة والتابعين ( في كتابة الحديث ، فكرهها طائفة ) منهم : nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت وأبو موسى nindex.php?page=showalam&ids=44وأبو سعيد الخدري nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس وآخرون .
( وأباحها طائفة ) وفعلوها منهم : عمر وعلي وابنه الحسن وابن عمرو وأنس وجابر nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر أيضا ، والحسن وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز .
[ ص: 493 ] وحكاه عياض عن أكثر الصحابة والتابعين منهم : nindex.php?page=showalam&ids=12135أبو قلابة وأبو المليح ، ومن ملح قوله فيه : يعيبون علينا أن نكتب العلم وندونه ، وقد قال الله عز وجل : ( علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى ) .
قال البلقيني : وفي المسألة مذهب ثالث حكاه nindex.php?page=showalam&ids=14347الرامهرمزي وهو : الكتابة والمحو بعد الحفظ .
( ثم أجمعوا ) بعد ذلك ( على جوازها ) وزال الخلاف .
قال nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : ليس أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر حديثا عنه مني ، إلا ما كان من nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب . رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
وأسند الديلمي عن علي مرفوعا : " إذا كتبتم الحديث فاكتبوه بسنده " ، وفي الباب أحاديث غير ذلك .
وقد اختلف في الجمع بينها وبين حديث أبي سعيد السابق كما أشار إليه المصنف بقوله : ( فالإذن لمن خيف نسيانه والنهي لمن أمن ) النسيان ووثق بحفظه ( وخيف اتكاله ) على الخط إذا كتب فيكون النهي مخصوصا .
[ ص: 495 ] وقد أسند nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح هنا عن nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي أنه كان يقول : كان هذا العلم كريما يتلقاه الرجال بينهم ، فلما دخل في الكتب دخل فيه غير أهله .
( أو نهى ) عنه ( حين خيف اختلاطه بالقرآن ، وأذن ) فيه ( حين أمن ) ذلك فيكون النهي منسوخا ، وقيل : المراد النهي عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة ; لأنهم كانوا يسمعون تأويل الآية فربما كتبوه معها ، فنهوا عن ذلك لخوف الاشتباه .
وقيل : النهي خاص بوقت نزول القرآن خشية التباسه ، والأذن في غيره . ومنهم من أعل حديث أبي سعيد ، وقال : الصواب وقفه عليه ، قاله nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وغيره .
وقد روى البيهقي في " المدخل " عن nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن ، فاستشار في ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأشاروا عليه أن يكتبها . فطفق عمر يستخير الله فيها شهرا ، ثم أصبح يوما وقد عزم الله له . فقال إني كنت أردت أن أكتب السنن وإني ذكرت قوما كانوا قبلكم ، كتبوا كتبا فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله ، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبدا .
( ثم على كاتبه صرف الهمة إلى ضبطه وتحقيقه شكلا ونقطا يؤمن ) معهما ( اللبس ) ليؤديه كما سمعه .
[ ص: 496 ] قال nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي : " نور الكتاب إعجامه " .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14347الرامهرمزي : أي نقطه أن يبين التاء من الياء والحاء من الخاء ، قال : والشكل تقييد الإعراب .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح : إعجام المكتوب يمنع من استعجامه ، وشكله يمنع من إشكاله . قال : وكثيرا ما يعتمد الواثق على ذهنه ، وذلك وخيم العاقبة ، فإن الإنسان معرض للنسيان انتهى .
وقد قيل : إن النصارى كفروا بلفظة أخطأوا في إعجامها وشكلها ، قال الله في الإنجيل لعيسى : أنت نبيي ولدتك من البتول . فصحفوها وقالوا : أنت بنيي ولدتك - مخففا .
وقيل : أول فتنة وقعت في الإسلام سببها ذلك أيضا ، وهي فتنة عثمان رضي الله عنه ، فإنه كتب للذي أرسله أميرا إلى مصر ، إذا جاءكم فاقبلوه ; فصحفوها فاقتلوه ; فجرى ما جرى .
وكتب بعض الخلفاء إلى عامل له ببلد أن أحص المخنثين . أي بالعدد ، فصحفها بالمعجمة فخصاهم .
( ثم قيل : إنما يشكل المشكل ونقل عن أهل العلم كراهية الإعجام ) أي [ ص: 497 ] النقط ( والإعراب ) أي الشكل ( إلا في الملتبس ) إذ لا حاجة إليهما في غيره .
( وقيل : يشكل الجميع ) قال nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض : وهو الصواب لا سيما للمبتدي وغير المتبحر في العلم ; فإنه لا يميز ما يشكل مما لا يشكل . ولا صواب وجه إعراب الكلمة من خطئه .
قال العراقي : وربما ظن أن الشيء غير مشكل لوضوحه . وهو في الحقيقة محل نظر محتاج إلى الضبط .
وقد وقع بين العلماء خلاف في مسائل مرتبة على إعراب الحديث . كحديث " nindex.php?page=hadith&LINKID=10347882ذكاة الجنين ذكاة أمه " ، فاستدل به الجمهور على أنه لا تجب ذكاة الجنين . بناء على رفع ذكاة أمه ، ورجح الحنفية الفتح على التشبيه أي يذكي مثل ذكاة أمه .