وإن لم يمكن التمييز بينهما بأن أبهم التاريخ ، وليس في اللفظ ما يدل عليه ، وتعذر الجمع بينهما ، فحينئذ يتعين المصير إلى الترجيح .
ووجوه الترجيحات كثيرة أنا أذكر معظمها .
الوجه الأول :
فمما يرجح به أحد الحديثين على الآخر كثرة العدد في أحد الجانبين ، وهي مؤثرة في باب الرواية ؛ لأنها تقرب مما يوجب العلم ، وهو التواتر ؛ نحو : استدلال من ذهب إلى إيجاب
الوضوء من مس الذكر بالأحاديث الواردة في الباب ، نظرا إلى كثرة العدد ؛ لأن حديث
[ ص: 60 ] الإيجاب رواه نفر من الصحابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو :
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص ، nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة ، وعائشة ، nindex.php?page=showalam&ids=10583وأم حبيبة ، وبسرة ، - رضي الله عنهم - وأما حديث الرخصة فلا يحفظ من طريق يوازي هذه الطرق أو يقاربها ، إلا من حديث
طلق بن علي اليمامي ؛ وهو حديث فرد في الباب ، ولو تسلم أن حديث
طلق يوازي تلك الأحاديث في الثبوت كان حديث الجماعة أولى أن يكون محفوظا من حديث رجل واحد .
وقال بعض
الكوفيين : كثرة الروايات لا تأثير لها في باب الترجيحات ؛ لأن طريق كل واحد منهما غلبة الظن ، فصار كشهادة الشاهدين مع شهادة الأربعة .
يقال على هذا : إن إلحاق الرواية بالشهادة غير ممكن ؛ لأن الرواية وإن شاركت الشهادة في بعض الوجوه فقد فارقتها في أكثر الوجوه ، ألا ترى أنه لو
شهد خمسون امرأة لرجل بمال لا تقبل شهادتهن ، ولو شهد به رجلان قبلت شهادتهما ، ومعلوم أن شهادة الخمسين أقوى في النفس من شهادة رجلين ؛ لأن غلبة الظن إنما هي معتبرة في باب الرواية دون الشهادة ، وكذا سوى الشارع بين شهادة إمامين عالمين ، وشهادة رجلين لم يكونا في منزلتهما ، وأما في باب الرواية ترجح رواية الأعلم الأدين على غيره من غير خلاف يعرف في ذلك ، فلاح الفرق بينهما .