الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الأثار

الحازمي - أبو بكر محمد بن موسى الحازمي الهمذاني

صفحة جزء
[ ص: 179 ] 7 - ومن باب التيمم

حديث عمار في كيفية التيمم - هل التيمم إلى المرفقين ؟ ورواية أخرى لحديث عمار - وجوه اختلاف أهل العلم في ذلك - من ذهب من الصحابة والتابعين إلى مسح اليدين إلى المرفقين ؟ - التيمم إلى الرسغين - من ذهب إلى أن التيمم إلى الوجه والكفين - تحليل حديث عمار وبيان أنه منسوخ - حديث رواه الجماعة في التيمم فيه المسح إلى المفصلين فقط - المسح على الكفين في التيمم .

أخبرني عبد المنعم بن عبد الله بن محمد ، أخبرنا عبد الغفار بن محمد بن الحسين التاجر ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي ، أخبرنا محمد بن يعقوب ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا الثقة ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن أبيه ، عن عمار بن ياسر ، قال : كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر ، فنزلت آية التيمم ، فتيممنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المناكب .

هكذا رواه الشافعي عن الثقة ، عن معمر ، ورواه عبد الرزاق ، عن معمر ، فلم يذكر فيه : عن أبيه ، واختلفوا فيه عن الزهري فقيل : عنه عن أبيه ، وقيل : عنه دون ذكر أبيه ، وقيل : عنه ، عن ابن عباس .

ورواه مالك ، عن الزهري ، نحو رواية الشافعي .

[ ص: 180 ] وأخبرنا أبو منصور شهر دار بن شيرويه الحافظ ، قراءة عليه بهمذان ، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن حمد ، أخبرنا أحمد بن الحسين ، أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ ، أخبرنا أحمد بن شعيب ، أخبرني محمد بن يحيى بن عبد الله ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا أبي عن صالح ، عن ابن شهاب ، حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن ابن عباس ، عن عمار قال : عرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأولات الجيش ، ومعه عائشة زوجته ، فانقطع عقدها من جزع أظفار ، فحبس الناس في ابتغاء عقدها ذلك حتى أضاء الفجر ، وليس مع الناس ماء ، فتغيظ عليها أبو بكر فقال : حبست الناس وليس معهم ماء ، فأنزل الله تعالى رخصة التيمم بالصعيد ، قال : فقام المسلمون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضربوا بأيديهم الأرض ، ثم رفعوا أيديهم ولم ينفضوا من التراب شيئا ، فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب ، ومن بطون أيديهم إلى الآباط

[ ص: 181 ] هذا حديث حسن ، أخرجه أبو داود في كتابه ، عن محمد بن أحمد بن أبي خلف ، ومحمد بن يحيى في آخرين ، عن يعقوب بن إبراهيم .

وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب على أربعة أوجه :

فذهب بعضهم إلى حديث عمار هذا ، ورأوا مسح اليدين إلى الآباط ، وإليه ذهب الزهري .

وقالت طائفة : التيمم ضربتان : ضربة للوجه ، وضربة لليدين إلى المرفقين ، وإليه ذهب عبد الله بن عمر بن الخطاب وابنه سالم ، والشعبي ، والحسن البصري ، ومالك بن أنس ، والليث بن سعد ، وأكثر أهل الحجاز ، والثوري ، وأبو حنيفة ، وأهل الكوفة ، والشافعي وأصحابه .

وذهب آخرون إلى أن التيمم ضربتان : ضربة للوجه ، وضربة لليدين إلى الرسغين ، ويروى هذا القول عن علي بن أبي طالب .

ذهبت الفرقة الرابعة إلى أن التيمم ضربة للوجه والكفين ، وهو قول عطاء ، ومكحول ، وإحدى الروايتين عن الشعبي ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأكثر أهل الحديث .

[ ص: 182 ] وقالوا : حديث عمار لا يخلوا إما أن يكون عن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أو لا ؛ فإن لم يكن من أمره فقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلاف هذا ، ولا حجة لأحد مع كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - والحق أحق أن يتبع ، وإن كان عن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو منسوخ ، وناسخه أيضا حديث عمار .

قرأت على أبي موسى الحافظ ، أخبرك أبو القاسم غانم بن أبي نصر البرجي ، أخبرنا أبو نعيم ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا يونس بن حبيب ، حدثنا أبو داود ، حدثنا شعبة ، عن الحكم ، سمع ذر بن عبد الله يحدث عن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه قال : أتى رجل عمر - رضي الله عنه - فذكر أنه كان في سفر فأجنب ، ولم يجد الماء ، فقال : لا تصل . فقال عمار : أما تذكر يا أمير المؤمنين أني كنت في سفر أنا وأنت في سرية ، فأجنبنا فلم نجد الماء ، فأما أنت فلم تصل ، وأما أنا فتمعكت في التراب فصليت ، فلما قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكرنا ذلك له فقال : أما أنت فلم يكن ينبغي لك أن تدع الصلاة ، وأما أنت يا عمار فلم يكن ينبغي لك أن تتمعك كما تتمعك الدابة ، إنما كان يجزيك ، وضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده في التراب ، ثم قال : هكذا ، فنفخ فيها ، فمسح وجهه ويديه إلى المفصل ، وليس فيه الذراعان .

[ ص: 183 ] هذا حديث صحيح ثابت ، رواه البخاري في الصحيح ، عن آدم بن أبي إياس ، عن شعبة ، وقال في الحديث : ثم مسح بهما وجهه وكفيه ، ثم رواه عن جماعة ، عن شعبة .

ورواه مسلم بن الحجاج من حديث يحيى القطان ، والنضر بن شميل ، عن شعبة ، قالوا : وهذا الحديث ظاهر الدلالة في النسخ ؛ لتأخره عن الحديث الأول ؛ لأن الحديث الأول فيه شأن نزول الرخصة في التيمم ، وقد صرح بأن عمارا شهد ذلك ، وكان ذلك في غزوة بني المصطلق .

الحديث الثاني كان في بعض السرايا .

فإن قيل : فلو كان عمار حفظ التيمم في أول الأمر كان الحديث الثاني بعد الأول كما زعمتم ، لما اضطر عمار إلى التمريغ في التراب تمريغ الدابة ولاكتفى بالمسح إلى الآباط ، قلت : إنما أشكل الأمر على عمر وعمار لحصول الجنابة ، فاعتزل عمر ، وتمعك عمار ظنا منه أن حالة الجنابة تخالف حالة الحدث الأصغر ، إذ ليس في الحديث الأول ما يدل على أن القوم كانوا قد أصابتهم جنابة ، وإنما فيه أن القوم كانوا نياما ، فأصبحوا وهم على غير ماء ، واحتاجوا إلى الوضوء ، فأمروا بالوضوء .

[ ص: 184 ] أخبرني أبو المحاسن محمد بن علي الزاهد ، أخبرنا زاهر بن أبي عبد الرحمن ، أخبرنا أبو بكر البيهقي ، أخبرنا الحاكم ، أخبرنا العباس الموصلي ، أخبرنا الربيع قال : قال الشافعي - رضي الله عنه - : ولا يجوز على عمار إذا كان ذكر تيممهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عند نزول الآية إلى المناكب إن كان عن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أنه منسوخ عنده ؛ إذ روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالتيمم على الوجه والكفين .

التالي السابق


الخدمات العلمية