[ ص: 223 ] الجزء الثالث
من كتاب الاعتبار في الناسخ والمنسوخ في الحديث .
تأليف الشيخ الإمام الأجل العالم الحافظ زين الدين ناصر السنة .
nindex.php?page=showalam&ids=14065أبي بكر محمد بن أبي عثمان موسى بن عثمان الحازمي ، رحمه الله تعالى .
رواية الشيخ الإمام سديد الرأي
أبي إسحاق إبراهيم بن عمر بن علي بن سماقا ، الأسعدي ، الشافعي ، أدام الله كرامته .
[ ص: 224 ] بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، وصلواته على محمد وآله وسلامه .
1 - باب : الجهر وتركه
حديث
ابن جبير المرسل في سبب
الجهر بالبسملة ثم إخفائها - من ذهب إلى الجهر بالبسملة - من خالفهم في ذلك - رأي الإمام
مالك - حجة من رأى الإسرار بالبسملة - حجة من ذهب إلى الجهر بها .
قرأت على
أبي محمد عبد الخالق بن هبة الله بن القاسم ، أخبرك
أحمد بن الحسن ، أبو الغنائم محمد بن محمد ، أبو محمد عبد الله بن محمد ، علي بن الحسن بن العبد ، سليمان بن الأشعث ، عباد بن موسى ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16285عباد بن العوام عن
شريك ، عن
سالم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ، قال :
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم بمكة ، قال : وكان أهل مكة يدعون مسيلمة الرحمن ، فقالوا : إن محمدا يدعو إلى إله اليمامة ، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخفاها ، فما جهر بها حتى مات .
[ ص: 225 ] هذا مرسل ، وهو غريب من حديث
شريك عن
سالم .
وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب :
فذهب جماعة إلى الجهر بها ، روي ذلك عن
عمر في إحدى الروايتين ، وعن
علي ، nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=16414وعبد الله بن الزبير ، وعطاء ، nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ، ومجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ، وجماعة سواهم من الصحابة والتابعين ، وإليه ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأصحابه .
وخالفهم في ذلك أكثر أهل العلم ، وقالوا : لا يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، ولكن يقرؤها الإمام سرا ، روي نحو هذا القول عن
أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ، nindex.php?page=showalam&ids=56وعمار بن ياسر ، وابن الزبير ، والحكم ، وحماد ، وبه قال
أحمد ، وإسحاق ، وأكثر أصحاب الحديث .
وقالت طائفة : لا يقرأ بها سرا ولا جهرا ، وبه قال
مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، nindex.php?page=showalam&ids=16465وعبد الله بن معبد الزماني ، إلا أن
مالكا كان يقول : إذا صلى الرجل في قيام شهر رمضان استفتح السورة بـ " بسم الله الرحمن الرحيم " ، ولا يستفتح بها في أم القرآن .
[ ص: 226 ] ثم من يذهب إلى
الإسرار اختلفوا في جهة الدلالة ؛ فمنهم من قال : إنما ذهبنا إلى الإخفات للأحاديث الثابتة الواردة في الباب ؛ إذ أكثرها نصوص لا تحتمل التأويل ، وليس لها معارض ، ولم يقر هؤلاء بآخر الأمرين ، بل قالوا : لم يزل النبي - صلى الله عليه وسلم - يخفت مذ أمر بالصلاة إلى أن قبض ، ومنهم من أقر بأن لهذه الأحاديث معارضا غير أنه قال : أحاديث الإسرار أولى بالتقديم لأمرين :
أحدهما : ثبوتها وصحة سندها ، ولا خفاء أن أحاديث الجهر لا توازيها في الصحة والثبوت .
والثاني أنها وإن صحت فهي منسوخة للمرسل الذي ذكرناه ، وقالوا : يشيد هذا المرسل فعل الخلفاء الراشدين ؛ لأنهم كانوا أعرف بأواخر الأمور .
وأما من ذهب إلى الجهر فقال : لا سبيل إلى إنكار ورود أحاديث في الجانبين ، وكتب السنن والأسانيد ناطقة بذلك ، ثم يشهد لصحة
[ ص: 227 ] الجهر آثار الصحابة ، وهي كثيرة ، وقد كان يرى الجهر جماعة منهم من أحداثهم وذوي أسنانهم ، ثم من بعدهم من التابعين ، وهلم جرا إلى عصر الأئمة ، وقد نقل
ابن المنذر عن
أحمد وأبي عبيد أنهما كانا يريان الجهر .
وأما حديث
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير فهو منقطع لا نقول به ، ثم هو يعارضه ما أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=13013أبو الفضل محمد بن بنيمان بن يوسف الأديب ، أخبرنا
أبو منصور سعد بن علي العجلي ، أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب الطبري ، أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=14269علي بن عمر الحافظ ، أخبرنا
أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي سعيد البزاز ، حدثنا
حفص بن عنبسة بن عمرو الكوفي ، أخبرنا
عمر بن جعفر المكي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
عطاء ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يزل يجهر في السورتين بـ " بسم الله الرحمن الرحيم " حتى قبض .
[ ص: 228 ] وطريق الإنصاف أن يقال : أما ادعاء النسخ في كلا المذهبين متعذر ؛ لأن من
شرط الناسخ أن يكون له مزية على المنسوخ ؛ من حيث الثبوت والصحة ، وقد فقد ههنا ، فلا سبيل إلى القول به .
وأما أحاديث الإخفات فهي أمتن ، غير أن هناك دقيقة ، وذلك أن أحاديث الجهر ، وإن كانت مأثورة عن نفر من الصحابة ، غير أن أكثرها لم تسلم من شوائب الجرح ، كما في الجانب الآخر ، والاعتماد في الباب على رواية
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك ؛ لأنها أصح وأشهر .
ثم الرواية قد اختلفت عن
أنس من وجوه أربعة ، وكلها صحيحة :
الوجه الأول روي عنه أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=945558كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، يفتتحون القراءة بـ " الحمد لله رب العالمين " .
وهذا أصح الروايات عن
أنس ؛ رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون ، ويحيى بن سعيد [ ص: 229 ] القطان ، nindex.php?page=showalam&ids=13715والحسن بن موسى الأشيب ، ويحيى بن السكن ، nindex.php?page=showalam&ids=14181وأبو عمرو الحوضي ، وعمر بن مرزوق ، وغيرهم ، عن
شعبة ، عن
قتادة ، عن
أنس ، وكذلك روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ، عن
شعبة ، عن
قتادة ، وثابت ، عن
أنس .
وكذلك رواه عامة أصحاب
قتادة ، عن
قتادة ، منهم :
nindex.php?page=showalam&ids=17235هشام الدستوائي ، nindex.php?page=showalam&ids=12514وسعيد بن أبي عروبة ، nindex.php?page=showalam&ids=11792وأبان بن يزيد العطار ، nindex.php?page=showalam&ids=15744وحماد بن سلمة ، وحميد ، nindex.php?page=showalam&ids=12341وأيوب السختياني ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، nindex.php?page=showalam&ids=15991وسعيد بن بشير ، وغيرهم .
وكذلك رواه
معمر وهمام ، واختلف عنهما في لفظه ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14269أبو الحسن الدارقطني : وهو المحفوظ عن
قتادة وغيره ، عن
أنس ، وقد اتفق
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم على إخراج هذه الرواية ؛ لسلامتها من الاضطراب .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في هذا الحديث : معناه أنهم كانوا يبدءون بقراءة الفاتحة قبل السورة ، ليس معناه أنهم كانوا لا يقرءون " بسم الله الرحمن الرحيم " .
الوجه الثاني : روي عنه أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=945559صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، فلم أسمع أحدا منهم يجهر بـ " بسم الله الرحمن الرحيم " .
كذلك رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16937محمد بن جعفر ، nindex.php?page=showalam&ids=17104ومعاذ بن معاذ ، nindex.php?page=showalam&ids=15697وحجاج بن محمد ، nindex.php?page=showalam&ids=13853ومحمد بن أبي بكر البرساني ، nindex.php?page=showalam&ids=15538وبشر بن عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=16821وقراد أبو نوح ، nindex.php?page=showalam&ids=11790وآدم بن أبي إياس ، nindex.php?page=showalam&ids=16527وعبيد الله بن موسى ، وأبو النضر هاشم بن القاسم ، nindex.php?page=showalam&ids=16598وعلي بن الجعد ، وخالد بن يزيد المزرفي ، عن
شعبة ، عن
قتادة ، وأكثرهم اضطربوا فيه ، لذلك امتنع
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من إخراجه ، وهو من مفاريد
مسلم .
الوجه الثالث : ما رواه
همام ، nindex.php?page=showalam&ids=15627وجرير بن حازم ، عن
قتادة ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=945560سئل nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك : كيف كانت قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : كانت مدا ، ثم قال : [ ص: 230 ] بسم الله الرحمن الرحيم ، يمد " بسم الله " ، ويمد بـ " الرحمن " ، ويمد بـ " الرحيم " .
وهذا حديث صحيح لا يعرف له علة أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في كتابه ، وفيه دلالة على الجهر مطلقا ، وإن لم يتقيد بحالة الصلاة ، فيتناول الصلاة وغير الصلاة .
الوجه الرابع : روي عنه ما قرأته على
محمد بن ذاكر بن محمد الخرقي ، وقلت له : أخبرك به
nindex.php?page=showalam&ids=11881الحسن بن أحمد القارئ ، أخبرنا
محمد بن أحمد الكاتب ، أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=14269علي بن عمر الحافظ ، حدثنا
أبو بكر يعقوب بن إبراهيم البزاز ، حدثنا
العباس بن يزيد ، حدثنا
غسان بن مضر ، حدثنا
أبو سلمة قال : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك : أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستفتح بـ " الحمد لله رب العالمين " ، أو بـ " بسم الله الرحمن الرحيم " ؟
فقال : إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه ، وما سألني عنه أحد قبلك .
قلت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=945561أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في النعلين ؟ قال : نعم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14269أبو الحسن الدارقطني : هذا إسناد صحيح ، فهذه الروايات كلها صحيحة مخرجة في كتب الأئمة ، وهي مختلفة كما ترى ، وغير مستنكر وقوع الاختلاف في مثل هذه المسائل ، وإن كانت من قبيل ما تعم به
[ ص: 231 ] البلوى ؛ لأن أحوال الضبط تختلف باختلاف الأشخاص والجهات والأوقات ، إلى غير ذلك من الأغراض والمقاصد ، ودليله الشاهد ؛ إذ رب شخص يتغافل عن أمر هو من لوازمه حتى لا يبالي به بالا ، ولعدم ما يعارضه ، ويتنبه لأمر هو من توابعه ، بل دون ذلك حتى لا يفتر عن ذكره لوجود ما يناقضه ، وبضدها تتبين الأشياء .
ومن أظرف ما شاهدت من الاختلاف أني حضرت جامعا في بعض البلاد لقراءة شيء من بعض الحديث ، وقد حضرني جماعة من أهل التمييز والعلم ، وهم من المواظبين على الجماعة في الجامع ، والمنصتين لاستماع قراءة الإمام ، فسألتهم عن حال إمامهم في الجهر والإخفات ، وكان صيتا يملأ الجامع صوته ، فاختلفوا علي في ذلك ؛ فقال بعضهم : يجهر . وقال آخرون : يخفت ، وتوقف فيه الباقون .
والصواب في هذا الباب أن يقال : إن هذا أمر متسع ، والقول بالحصر فيه ممتنع ، وكل من ذهب فيه إلى رواية فهو مصيب متمسك بالسنة ، والله أعلم .