[ ص: 5 ] بسم الله الرحمن الرحيم
(
ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا ) .
الحمد لله الهادي من استهداه ، الواقي من اتقاه ، الكافي من تحرى رضاه ، حمدا بالغا أمد التمام ومنتهاه .
والصلاة والسلام الأكملان على نبينا والنبيين ، وآل كل ، ما رجا راج مغفرته ورحماه ، آمين .
هذا ، وإن
علم الحديث من أفضل العلوم الفاضلة ، وأنفع الفنون النافعة ، يحبه ذكور الرجال وفحولتهم ، ويعنى به محققو العلماء وكملتهم ، ولا يكرهه من الناس إلا رذالتهم وسفلتهم . وهو من أكثر العلوم تولجا في فنونها ، لا سيما الفقه الذي هو إنسان عيونها . ولذلك كثر غلط العاطلين منه من مصنفي الفقهاء ، وظهر الخلل في كلام المخلين به من العلماء .
ولقد كان شأن الحديث فيما مضى عظيما ، عظيمة جموع طلبته ، رفيعة مقادير حفاظه وحملته . وكانت علومه بحياتهم حية ، وأفنان
[ ص: 6 ] فنونه ببقائهم غضة ، ومغانيه بأهله آهلة ، فلم يزالوا في انقراض ، ولم يزل في اندراس حتى آضت به الحال إلى أن صار أهله إنما هم شرذمة قليلة العدد ، ضعيفة العدد . لا تعنى على الأغلب في تحمله بأكثر من سماعه غفلا ، ولا تتعنى في تقييده بأكثر من كتابته عطلا ، مطرحين علومه التي بها جل قدره ، مباعدين معارفه التي بها فخم أمره .
فحين كاد الباحث عن مشكله لا يلفي له كاشفا ، والسائل عن علمه لا يلقى به عارفا ، من الله الكريم تبارك وتعالى علي وله الحمد أجمع بكتاب " معرفة أنواع علم الحديث " ، هذا الذي باح بأسراره الخفية ، وكشف عن مشكلاته الأبية ، وأحكم معاقده ، وقعد قواعده ، وأنار معالمه ، وبين أحكامه ، وفصل أقسامه ، وأوضح أصوله ، وشرح فروعه وفصوله ، وجمع شتات علومه وفوائده ، وقنص شوارد نكته وفرائده .
فالله العظيم الذي بيده الضر والنفع ، والإعطاء والمنع أسأل ، وإليه أضرع وأبتهل ، متوسلا إليه بكل وسيلة ، متشفعا إليه بكل شفيع ، أن يجعله مليا بذلك
[ ص: 7 ] وأملى وفيا بكل ذلك وأوفى . وأن يعظم الأجر والنفع به في الدارين ، إنه قريب مجيب . (
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ) .