[ ص: 31 ] وقد أمعنت النظر في ذلك والبحث ، جامعا بين أطراف كلامهم ، ملاحظا مواقع استعمالهم ، فتنقح لي واتضح أن
الحديث الحسن قسمان :
أحدهما : الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته ، غير أنه ليس مغفلا كثير الخطأ فيما يرويه ، ولا هو متهم بالكذب في الحديث ، أي لم يظهر منه تعمد الكذب في الحديث ولا سبب آخر مفسق ، ويكون متن الحديث مع ذلك قد عرف بأن روي مثله أو نحوه من وجه آخر أو أكثر حتى اعتضد بمتابعة من تابع راويه على مثله ، أو بما له من شاهد ، وهو ورود حديث آخر بنحوه ، فيخرج بذلك عن أن يكون شاذا ومنكرا ، وكلام
الترمذي على هذا القسم يتنزل .
القسم الثاني : أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة ، غير أنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح ، لكونه يقصر عنهم في الحفظ والإتقان ، وهو مع ذلك يرتفع عن حال من يعد ما ينفرد به من
[ ص: 32 ] حديثه منكرا ، ويعتبر في كل هذا - مع سلامة الحديث من أن يكون شاذا ومنكرا - سلامته من أن يكون معللا .
وعلى القسم الثاني يتنزل كلام
الخطابي .
فهذا الذي ذكرناه جامع لما تفرق في كلام من بلغنا كلامه في ذلك ، وكأن
الترمذي ذكر أحد نوعي الحسن ، وذكر
الخطابي النوع الآخر ، مقتصرا كل واحد منهما على ما رأى أنه يشكل ، معرضا عما رأى أنه لا يشكل . أو أنه غفل عن البعض وذهل ، والله أعلم ، هذا تأصيل ذلك .