النوع الخامس من أنواع الإجازة :
الإجازة للمعدوم . ولنذكر معه الإجازة للطفل الصغير .
هذا نوع خاض فيه قوم من المتأخرين ، واختلفوا في جوازه ، ومثاله : أن يقول : ( أجزت لمن يولد لفلان ) .
فإن عطف المعدوم في ذلك على الموجود بأن قال : ( أجزت لفلان ولمن يولد له ، أو أجزت لك ولولدك ، ولعقبك ما تناسلوا ) ، كان ذلك أقرب إلى الجواز من الأول . ولمثل ذلك أجاز أصحاب
الشافعي رضي الله عنه في الوقف القسم الثاني دون الأول .
وقد أجاز أصحاب
مالك ،
وأبي حنيفة رضي الله عنهما - أو من قال ذلك منهم في الوقف - القسمين
[ ص: 159 ] كليهما .
وفعل هذا الثاني في الإجازة من المحدثين المتقدمين
nindex.php?page=showalam&ids=11939أبو بكر بن أبي داود السجستاني ، فإنا روينا عنه أنه سئل الإجازة ، فقال : " قد أجزت لك ، ولأولادك ، ولحبل الحبلة " . يعني الذين لم يولدوا بعد .
وأما الإجازة للمعدوم ابتداء ، من غير عطف على موجود : فقد أجازها
nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب أبو بكر الحافظ ، وذكر أنه سمع
nindex.php?page=showalam&ids=14953أبا يعلى بن الفراء الحنبلي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13392وأبا الفضل بن عمروس المالكي يجيزان ذلك . وحكى جواز ذلك أيضا
nindex.php?page=showalam&ids=12785أبو نصر بن الصباغ الفقيه ، فقال : ذهب قوم إلى أنه يجوز أن يجيز لمن لم يخلق ، قال : " وهذا إنما ذهب إليه من يعتقد أن الإجازة إذن في الرواية لا محادثة " . ثم بين بطلان هذه الإجازة ، وهو الذي استقر عليه رأي شيخه القاضي
nindex.php?page=showalam&ids=11872أبي الطيب الطبري الإمام .
وذلك هو الصحيح الذي لا ينبغي غيره ; لأن الإجازة في حكم الإخبار جملة بالمجاز ، على ما قدمناه في بيان صحة أصل الإجازة ، فكما لا يصح الإخبار للمعدوم لا تصح الإجازة للمعدوم . ولو قدرنا أن الإجازة إذن فلا يصح أيضا ذلك للمعدوم ، كما لا يصح الإذن في باب الوكالة للمعدوم ، لوقوعه في حالة لا يصح فيها المأذون فيه من المأذون له .
وهذا أيضا يوجب بطلان
الإجازة للطفل الصغير الذي لا يصح
[ ص: 160 ] سماعه .
قال
الخطيب : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبا الطيب الطبري عن الإجازة للطفل الصغير ، هل يعتبر في صحتها سنه أو تمييزه ، كما يعتبر ذلك في صحة سماعه ؟ فقال : لا يعتبر ذلك ، قال : فقلت له : أن بعض أصحابنا قال : لا تصح الإجازة لمن لا يصح سماعه ، فقال : قد يصح أن يجيز ذلك للغائب عنه ، ولا يصح السماع له . واحتج
الخطيب لصحتها للطفل بأن الإجازة إنما هي إباحة المجيز للمجاز له أن يروي عنه ، والإباحة تصح للعاقل ، وغير العاقل .
قال : وعلى هذا رأينا كافة شيوخنا يجيزون للأطفال الغيب عنهم ، من غير أن يسألوا عن مبلغ أسنانهم ، وحال تمييزهم ، ولم نرهم أجازوا لمن لم يكن مولودا في الحال .
قلت : كأنهم رأوا الطفل أهلا لتحمل هذا النوع من أنواع تحمل الحديث ، ليؤدي به بعد حصول أهليته ، حرصا على توسيع السبيل إلى بقاء الإسناد الذي اختصت به هذه الأمة ، وتقريبه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، ( والله أعلم ) .