الحمد لله على جزيل نعمائه ، أحمده على جليل آلائه ، وأشكره على جميل بلائه ، وأشهد - أن لا إله إلا هو شهادة أعدها ليوم لقائه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد رسله ، وخاتم أنبيائه - صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأصفيائه - وأحمده على أن جعلني ممن سلك سنن سنته واقتفاه ، وورد شريعة شرعه فرواه ، حمد من غمرته نعمه وعمته عطاياه .
وبعد : فقد رغب إلي من وجب جوابه علي أن أجمع له مختصرا في الفقه على مذهب الإمام الأعظم nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة النعمان - رضي الله عنه وأرضاه - مقتصرا فيه على مذهبه ، معتمدا فيه على فتواه ، فجمعت له هذا المختصر كما طلبه وتوخاه ، وسميته : المختار للفتوى لأنه اختاره أكثر الفقهاء وارتضاه .
ولما حفظه جماعة من الفقهاء واشتهر ، وشاع ذكره بينهم وانتشر ، طلب مني بعض أولاد بني أخي النجباء أن أرمزه رموزا يعرف بها مذاهب بقية الفقهاء ، لتكثر فائدته ، وتعم عائدته ، فأجبته إلى طلبه ، وبادرت إلى تحصيل بغيته بعد أن استعنت بالله وتوكلت عليه واستخرته وفوضت أمري إليه ، وجعلت لكل اسم من أسماء الفقهاء حرفا يدل عليه من حروف الهجاء وهي :
لأبي يوسف ( س ) ولمحمد ( م ) ولهما ( سم ) ولزفر ( ز ) nindex.php?page=showalam&ids=13790وللشافعي ( ف ) والله سبحانه وتعالى أسأل أن يوفقني لإتمامه ، ويختم لي بالسعادة عند اختتامه إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وهو حسبي ونعم الوكيل .
[ ص: 5 ] بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي شرع لنا دينا قويما ، وهدانا إليه صراطا مستقيما ، وجعلنا من أهله تعلما وتعليما ، حمد من عمته رحمته وإفضاله ، وغمرته أعطيته ونواله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة أستزيد بها وفور نعمه ، وأسترفد بها وفور كرمه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، الذي جمع بمبعثه شمل الحق بعد تفرقه ، وقمع برسالته حزب الباطل بعد تطوقه ، [ ص: 6 ] صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعهم الذين سلكوا سنن سننه وصوابه .
وبعد : فكنت جمعت في عنفوان شبابي مختصرا في الفقه لبعض المبتدئين من أصحابي . وسميته بـ " المختار للفتوى " اخترت فيه قول الإمام أبي حنيفة - رضي الله عنه - ، إذ كان هو الأول والأولى ، فلما تداولته أيدي العلماء ، واشتغل به بعض الفقهاء طلبوا مني أن أشرحه شرحا أشير فيه إلى علل مسائله ومعانيها ، وأبين صورها وأنبه على مبانيها ، وأذكر فروعا يحتاج إليها ويعتمد في النقل عليها ، وأنقل فيه ما بين أصحابنا من الخلاف ، وأعلله متوخيا موجزا فيه الإنصاف ، فاستخرت الله تعالى ، وفوضت أمري إليه ، وشرعت فيه ، مستعينا به ومتوكلا عليه ، وسميته :
الاختيار لتعليل المختار
وزدت فيه من المسائل ما تعم به البلوى ، ومن الروايات ما يحتاج إليه في الفتوى ، يفتقر إليها المبتدئ ، ولا يستغني عنها المنتهي .
والله سبحانه وتعالى أسأله أن يوفقني للإتمام والإصابة ، ويرزقني المغفرة والإنابة ، إنه قدير على ذلك وجدير بالإجابة ، وهو حسبي ، ونعم الوكيل ، نعم المولى ونعم النصير .
[ ص: 7 ] بسم الله الرحمن الرحيم
ترجمة المؤلف
نسبه ومولده :
هو الإمام : عبد الله بن محمود بن مودود بن محمود ، أبو الفضل مجد الدين الموصلي . ولد بالموصل سنة تسع وتسعين وخمسمائة للهجرة . والموصلي : نسبة إلى الموصل من بلاد جزيرة ابن عمرو .
شيوخه :
تلقى مبادئ العلوم على أبيه أبي الثناء محمود في الموصل . ثم رحل إلى دمشق الشام ، وهناك تلقى العلوم عن nindex.php?page=showalam&ids=14142جمال الدين الحصيري .
مبلغه بين العلماء :
كان الإمام أبو الفضل منفردا في عصره في الفروع والأصول ، إذ كان عند الفتوى لا يحتاج إلى أن يراجع النصوص لحفظه لها ، ومعرفته التامة بفروع المذهب ، وبكيفية تطبيقها .
مؤلفاته :
صنف أولا كتابه ( المختار ) ألفه في شبابه ، واختار فيه قول الإمام أبي حنيفة ، فتداوله الناس ، ثم طلبوا منه شرحا ، فشرحه وسماه ( الاختيار ) أشار فيه إلى علل المسائل ومعانيها ، وذكر فيه فروعا يحتاج إليها ، ويعتمد في النقل عليها .
[ ص: 8 ] ومتن ( المختار ) هذا من المتون الأربعة التي كثر اعتماد المتأخرين عليها ، وهي . " الوقاية ، ومجمع البحرين ، والمختار ، وكنز الدقائق " .
وأما متن ( المختار ) الذي هو أصل ( الاختيار ) فقد اعتنى به العلماء :
فقد اختصره أبو العباس أحمد بن علي الدمشقي ، وسماه ( التحرير ) ثم شرحه ولم يكمله ، وتوفي سنة ( 782 ) هـ . وشرحه الجمال أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الموصلي الحنفي وسماه ( توجيه المختار ) . وشرحه ابن أبي القاسم القره حصارى الرومي . وشرحه محمد بن إلياس وسماه ( الإيثار لحل المختار ) . وكذا شرحه محمد بن إبراهيم بن أحمد المدعو بالإمام وسماه ( فيض الغفار ) وللزيلعي شرح عليه أيضا . وشرحه غير هؤلاء من العلماء .
درجته في العلوم .
يعد الإمام عبد الله بن محمود من المقلدين القادرين على التمييز بين القوي والضعيف ، وبين الراجح والمرجوح .
وظائفه ووفاته .
تولى القضاء في الكوفة ، ثم عزل ، ودخل بعدها بغداد ، ورتب الدرس بمشهد أبي حنيفة ، ولم يزل يفتي ويدرس فيها إلى أن مات في بغداد يوم السبت التاسع عشر من المحرم سنة ثلاث وثمانين وستمائة للهجرة - رحمه الله تعالى - .