إذا قتل المحرم صيدا أو دل عليه من قتله فعليه الجزاء ، والمبتدئ والعائد والناسي والعامد سواء . والجزاء أن يقوم الصيد عدلان في مكان الصيد ، أو في أقرب المواضع منه ثم إن شاء اشترى بالقيمة هديا فذبحه ، وإن شاء طعاما فتصدق به على كل مسكين نصف صاع من بر ، وإن شاء صام عن كل نصف صاع يوما ، فإن فضل أقل من نصف صاع إن شاء تصدق به ، وإن شاء صام يوما ومن جرح صيدا ، أو نتف شعره ، أو قطع عضوا منه ضمن ما نقصه ، وإن نتف ريش طائر ، أو قطع قوائم صيد فعليه قيمته ، وإن كسر بيضته فعليه قيمتها ; ومن قتل قملة أو جرادة تصدق بما شاء ، وإن ذبح المحرم صيدا فهو ميتة ; وله أن يأكل ما اصطاده حلال إذا لم يعنه . وكل ما على المفرد فيه دم على القارن فيه دمان .
فصل
( إذا قتل المحرم صيدا أو دل عليه من قتله فعليه الجزاء ) والأصل في ذلك قوله تعالى :
[ ص: 224 ] ( ياأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ) الآية ، وقوله تعالى : ( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ) والصيد : هو الحيوان المتوحش في أصل الخلقة ، الممتنع بجناحيه أو بقوائمه ، إلا الخمس الفواسق المستثناة بالحديث فإنها تبدأ بالأذى ، وقد تقدم الكلام فيها ، وصيد البر ما كان توالده في البر . أما الجزاء على القاتل فلقوله تعالى : ( فجزاء مثل ما قتل من النعم ) أوجب الجزاء على القاتل . وأما الدال فلأنه فوت على الصيد الأمن لأن بقاء حياة الصيد بأمنه ، فإنه استحق الأمن إما بالإحرام بقوله تعالى : ( وأنتم حرم ) أو بدخوله الحرم لقوله تعالى : ( ومن دخله كان آمنا ) فإذا دل عليه فقد فوت الأمن المستحق عليه فيجب الجزاء كالمباشر ، ولما روينا من حديث أبي قتادة . والدلالة أن لا يكون المدلول عالما به ، ويصدقه حتى لو كان عالما به ، أو كذبه ودله آخر فصدقه فالجزاء على الثاني ، ولو أعاره سكينا ليقتل الصيد إن كان معه سكين لا شيء عليه ؛ لأنه يتمكن من قتله لا بالإعارة ، وإن لم يكن معه سكين فعلى المعير الجزاء ؛ لأنه إنما تمكن من قتله بإعارته .
( والمبتدئ والعائد والناسي والعامد سواء ) لوجود الجناية منهم وهو الموجب .
قال : ( والجزاء أن يقوم الصيد عدلان في مكان الصيد ، أو في أقرب المواضع منه ، ثم إن شاء اشترى بالقيمة هديا فذبحه ، وإن شاء طعاما فتصدق به ، على كل مسكين نصف صاع من بر ، وإن شاء صام عن كل نصف صاع يوما ، فإن فضل أقل من نصف صاع ، إن شاء تصدق به ، وإن شاء صام يوما ) والأصل فيه قوله تعالى : ( فجزاء مثل ما قتل من النعم ) إلى قوله : ( أو عدل ذلك صياما ) . والأصل في المثل أن يكون مماثلا صورة ومعنى ، وأنه غير معتبر بالإجماع ، ولا اعتبار للمثل صورة ؛ لأن بعضه خرج عن الإرادة بالإجماع كالعصفور ونحوه ، فلا يبقى الباقي [ ص: 225 ] مرادا لئلا يؤدي إلى الجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظ واحد ، فتعين أن يعتبر المثل معنى وهو القيمة كما فيما لا نظير له ، وكما في حقوق العباد ، وإذا كان المراد بالجزاء القيمة يقوم العدلان اللحم لا الحيوان في مكان الصيد إن كان مما يباع فيه الصيود ، وإن لم يكن مما يباع فيه كالبرية ففي أقرب المواضع منه ، ثم الخيار للقاتل إن شاء اشترى بالقيمة هديا ، وهو ما تجوز به الأضحية إن بلغت قيمته ذلك ، ويذبحه بمكة لما تقدم ، وإن لم تبلغ ما تجوز به الأضحية لا يذبحه ويتصدق به ; وقالا : يذبحه لإطلاق قوله تعالى : ( هديا بالغ الكعبة ) ولأنه يتقرب به في الجملة إذا ولدته الأضحية والهدي فإنه يذبح مع أمه . ولأبي حنيفة أن القياس يأبى التقرب بالإراقة لكونه إيلام البري على ما عرف وإنما خالفناه في موارد النص وهي الأضحية والمتعة ، ولا يجوز فيهما هذا فيبقى على الأصل وحيث جاز إنما جاز تبعا والكلام في جوازه أصلا ، وإن شاء اشترى طعاما فأطعم كما ذكرنا كما في الفداء والكفارات ، وإن شاء صام على ما وصفنا كما في الفداء ، وإنما يتخير بين هذه الأشياء الثلاثة كما في كفارة اليمين ، وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وإنما يتخير القاتل لأن الخيار شرع رفقا به ، وذلك إنما يحصل إذا كان التعيين إليه والخيار له ، فإن فضل أقل من نصف صاع أو كان الواجب ، إن شاء تصدق به لأنه كل الواجب ، وإن شاء صام عنه يوما لعدم تجزي الصوم .
وقال محمد : الواجب المثل من حيث الصورة والجثة ، ففي الظبي والضبع شاة ، وفي الأرنب عناق ، وفي اليربوع جفرة ، وفي النعامة بدنة ، وفي حمار الوحش بقرة ، وما لا نظير له كالحمام والعصفور تجب القيمة كما قالا ، له قوله تعالى : ( فجزاء مثل ما قتل من النعم ) . والمثلية من حيث الصورة أولى ؛ لأن القيمة ليست مثلا للنعم . وعن جماعة من الصحابة إيجاب النظير من حيث الخلقة ، وعنده الخيار إلى الحكمين ، فإن حكما بالهدي يجب النظير ، وإن حكما بالطعام أو بالصيام فكما قالا ، لقوله تعالى : ( يحكم به ذوا عدل منكم هديا ) نصب مفعول يحكم ، وجوابه ما قلنا ، ولأن الكفارة رفع عطف على الجزاء ، وكذلك قوله : ( أو عدل ) رفع ، وإنما الحكمان يحكمان بالقيمة لأن الواجب لو كان النظير لما احتاج إلى تقويمها ، فعلم أن الحكمين إنما يحكمان بالقيمة ثم الخيار إليه رفقا به كما بينا .
[ ص: 226 ] وإن قتل ما لا يؤكل من السباع ففيه الجزاء لأنه صيد فيتناوله إطلاق النص ، ولا يتجاوز بقيمته شاة ؛ لأن السبع وإن كبر لا يتجاوز قيمة لحمه قيمة لحم شاة ؛ لأنه غير منتفع به شرعا .
( وإن نتف ريش طائر أو قطع قوائم صيد فعليه قيمته ) لأنه خرج به عن حيز الامتناع فقد فوت عليه الأمن فصار كما إذا قتله ، وكذلك كل فعل يخرج به عن حيز الامتناع .
( وإن كسر بيضته فعليه قيمتها ) لما روي أن النبي - عليه الصلاة والسلام - قضى بذلك ، وكذا روي عن علي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس .
ولو خرج منها فرخ ميت فعليه قيمته حيا ؛ لأنه كان بعرضية الحياة وقد فوتها فتجب قيمته احتياطا .
وكذلك لو ضرب بطن ظبية فألقت جنينا ميتا فعليه قيمته لما بينا . وشجر الحرم لا يحل قطعه لمحرم ولا حلال . قال - عليه الصلاة والسلام - : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10346503لا يختلى خلاها ولا يعضد شوكها " فصار كالصيد ، وشجر الحرم ما ينبت بنفسه ، أما إذا أنبته الناس أو كان من جنس ما ينبته الناس فلا بأس بقطعه وقلعه ؛ لأن الناس اعتادوا الزراعة والحصد من لدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا من غير نكير . وعن أبي يوسف : لا بأس برعيه ؛ لأن منع الدواب متعذر ، وجوابه الحديث ، ولأن القطع بالمشافر كالقطع بالمناجل .
قال : ( ومن قتل قملة أو جرادة تصدق بما شاء ) قال عمر - رضي الله عنه - : تمرة خير من جرادة ، ولأن القملة من التفث حتى لو قتل قملة وجدها على الأرض لا شيء عليه ، وكذلك القملتين والثلاث ، وإن كثر أطعم نصف صاع لكثرة الارتفاق . وعن أبي يوسف في القملة يتصدق بكف من طعام ، وعن محمد بكسرة من خبز .
[ ص: 227 ] قال : ( وإن ذبح المحرم صيدا فهو ميتة ) لأنه فعل حرام فلا يكون ذكاة .