ولا يجوز إلا عن الميت أو عن العاجز بنفسه عجزا مستمرا إلى الموت ، ومن حج عن غيره ينوي الحج عنه .
ويقول : لبيك بحجة عن فلان ، ويجوز حج الصرورة والمرأة والعبد ، ودم المتعة والقران والجنايات على المأمور ، ودم الإحصار على الآمر ، وإن جامع قبل الوقوف ضمن النفقة وعليه الدم ، وما فضل من النفقة يرده إلى الوصي أو الورثة أو الآمر ، ومن أوصى أن يحج عنه فهو على الوسط وهو ركوب الزاملة ، ويحجون عن الميت من منزله ، فإن لم تبلغ النفقة فمن حيث تبلغ .
قال : ( ولا يجوز إلا عن الميت ، أو عن العاجز بنفسه عجزا مستمرا إلى الموت ) ولا يجوز عن القادر ؛ لأن الحج عبادة بدنية وجبت للابتلاء ، فلا تجري فيها النيابة ؛ لأن الابتلاء بإتعاب البدن وتحمل المشقة ، فيقع الفعل عن الفاعل إلا أنه يسقط الحج عن الآمر فيما ذكرنا ؛ لأنه سبب لحصول الحج بالاتفاق ، فأقام الشرع السبب مقام المباشرة في حق المأيوس نظرا له كالفدية في باب الصوم في حق الشيخ الفاني ، ويشترط دوام العجز إلى الموت كالفدية أيضا ؛ لأنه متى قدر وجب عليه بنفسه . وعن محمد : يقع عن الحاج لأنها عبادة بدنية ، وللآمر ثواب النفقة . وقال في المحيط : يسقط عن الآمر حجه ويقع عن المأمور تطوعا ، والمذهب المعتمد عليه وقوعه عن المحجوج عنه لما روينا .
قال : ( ومن حج عن غيره ينوي الحج عنه ) لأن الأعمال بالنيات ، والأصل أن كل عامل يعمل لنفسه ، فلا بد من النية لامتثال الأمر ، ولأنه عبادة تجري فيها النيابة وهي غير موقتة ، فجاز أن تقع عن غير من وجب عليه فينوي عنه ليقع عن الآمر .
( ويقول : لبيك بحجة عن فلان ) ولو لم ينو جاز لأنه تعالى مطلع على السرائر .
قال : ( ويجوز حج الصرورة والمرأة والعبد ) لوجود أفعال الحج والنية عن الآمر كغيرهم ، والصرورة : الذي لم يحج عن نفسه ، والنبي - عليه الصلاة والسلام - جوز حج الخثعمية عن أبيها من غير أن يسألها هل حجت عن نفسها أم لا ، ولو كان لسأله تعليما وبيانا ; والأولى أن يختار رجلا حرا عاقلا بالغا قد حج ، عالما بطريق الحج وأفعاله ، ليقع حجه على أكمل الوجوه ويخرج به عن الخلاف .
قال : ( ودم المتعة والقران والجنايات على المأمور ) أما دم المتعة والقران فلأنه وجب شكرا حيث وفق لأداء النسكين ، وهو الذي حصلت له هذه النعمة ; وأما دم الجنايات فلأنه هو الجاني .
[ ص: 231 ] ( ودم الإحصار على الآمر ) لأنه هو الذي ورطه فيه فيجب عليه خلاصه منه ، وإن حج عن ميت ففي مال الميت . ويعتبر من جميع المال لأنه يجب عليه خلاصه فصار دينا عليه . وعن أبي يوسف أنه على الحاج لأنه وجب ليتحلل فيخلص عن ضرر امتداد الإحرام . وجوابه ما ذكرنا من أنه هو الذي أوقعه فيه .
قال : ( وإن جامع قبل الوقوف ضمن النفقة ) لأنه مأمور بالحج الصحيح ، وهذا فاسد فقد خالف الأمر .
( وعليه الدم ) لأن الجماع فعله ، وإن فاته الحج لمرض أو حبس أو هرب المكاري أو ماتت الدابة ، فله أن ينفق من مال الميت حتى يرجع إلى أهله . وعن محمد في نوادر ابن سماعة أن له نفقة ذهابه دون إيابه .
وفي قاضيخان : لو قطع الطريق على المأمور وقد أنفق بعض المال فمضى في الحج وأنفق من مال نفسه وقع الحج عن نفسه ، وإن بقي في يده شيء من مال الميت فأنفق منه وقع عن الميت ، وإن رجع وأنفق على نفسه من مال الميت لم يضمن إذا رجع الناس .
قال : ( وما فضل من النفقة يرده إلى الوصي أو الورثة أو الآمر ) لأنه لم يملكه ذلك وإنما أعطاه ليقضي الحج فما فضل يرده إلى مالكه ، ولأنه لم يستأجره على ذلك ليملك الأجرة لأنه لا يصح الإجارة عليه ، وسيأتيك في الإجارات إن شاء الله تعالى .
( فإن لم تبلغ النفقة فمن حيث تبلغ ) استحسانا ؛ لأن قصده سقوط الفرض ، فإذا لم يمكن على الكمال فبقدر الإمكان ، وإذا بلغت الوصية أن يحج راكبا فليس لهم أن يحجوا مشاة ، وإن بلغت ماشيا من بلده وراكبا من الطريق قال محمد : يحج راكبا من حيث تبلغ ؛ لأن الله تعالى إنما أوجب الحج راكبا . وروى الحسن عن أبي حنيفة : أيهما شاء فعل ؛ لأن في كل واحد منهما قصورا من وجه فيتخير ، فإن رجع المأمور وقال : منعت ، وقد أنفق في رجوعه من مال الميت وكذبه الورثة أو الوصي ضمن ، إلا أن يشهد له الظاهر بأن يكون مشهورا ، وإن ادعى الحج وكذباه فالقول قوله ، وإن أقاما البينة أنه كان يوم النحر بالكوفة لم تقبل ، فإن قامت على إقراره أنه لم يحج قبلت وإن كان للميت غريم فأمر أن يحج عن الميت بماله عليه ، فادعى أنه حج لم تقبل إلا ببينة .