الإقالة جائزة ، وتتوقف على القبول في المجلس ، وهي فسخ في حق المتعاقدين ( سم ) بيع جديد في حق ثالث ( ز ) ، وهلاك المبيع يمنع صحة الإقالة ، وهلاك بعضه يمنع بقدره ، وهلاك الثمن لا يمنع .
( وتتوقف على القبول في المجلس ) لأنها بمنزلة البيع لما فيها من معنى التمليك ، وتصح بلفظين يعبر بأحدهما عن المستقبل لأنها لا يحضرها السوم غالبا كالنكاح . وقال محمد : لا بد من لفظين ماضيين لأنها تمليك بعوض كالبيع ، وجوابه ما مر ، ولا تصح إلا بلفظ الإقالة ، فلو تقايلا بلفظ البيع كان بيعا بالإجماع ، لأن الإقالة تنبئ عن الرفع ، والبيع عن الإثبات فتتنافيا; ولا تبطل بالشروط الفاسدة عند أبي حنيفة ، وتبطل عند أبي يوسف .
قال : ( وهي فسخ في حق المتعاقدين بيع جديد في حق ثالث ) عند أبي حنيفة ، فإن تعذر جعلها فسخا بطلت . وقال أبو يوسف : بيع جديد في حق الكل ، فإن تعذر ففسخ ، فإن لم يمكن بطل . وقال محمد : فسخ ، فإن تعذر فبيع ، فإن لم يمكن بطل . وقال زفر : فسخ في حق المتعاقدين وغيرهما ، وصورته : لو تقايلا قبل القبض فهو فسخ بالإجماع ، ويبطل شرط الزيادة والنقصان ، أما عندهما فظاهر ، وكذا عند أبي يوسف لأنه تعذر جعله بيعا إلا في العقار حيث يجوز بيعه قبل القبض عنده . ولو تقايلا بعد القبض فهو فسخ عند أبي حنيفة ، ويلزمه الثمن الأول جنسا ووصفا وقدرا ، ويبطل ما شرطه من الزيادة والنقصان والتأجيل والتغيير ، لأن الإقالة رفع فيقتضي رفع الموجود ، والزيادة لم تكن فلا ترفع إلا إذا حدث بالمبيع عيب ، فيجوز بأقل من الثمن الأول ، لأن النقصان في مقابلة العيب ، ولو حدثت الزيادة في المبيع كالولد ونحوه بعد القبض بطلت الإقالة عنده لتعذر الفسخ بسبب الزيادة ، وعند أبي يوسف الإقالة جائزة بما سميا كالبيع الجديد ، وحدوث الزيادة بعد القبض لا يمنع ذلك . وعند محمد إن سكت أو سمى الثمن الأول أو أقل أو دخله عيب فهو فسخ ، أما إذا سمى الأقل فلأنه سكوت عن البعض ، ولو سكت عن الكل كان فسخا فكذا عن البعض ، وأما إذا ذكر الثمن الأول فظاهر ، وأما إذا دخله عيب فلما مر .
وإن سميا أكثر أو خلاف الجنس أو حدثت الزيادة فهو بيع جديد لتعذر الفسخ . وجه قول محمد أنه فسخ بصيغته ، لأن الإقالة تنبئ عن الرفع ، ومنه : أقلني عثرتي بمعنى الرفع والإزالة ، [ ص: 254 ] وفيه معنى البيع لكونه مبادلة المال بالمال ، فإذا أمكن العمل بالصيغة يعمل بها وإلا يعمل بالمعنى ، فإذا سكت أو سمى الثمن الأول أو أقل منه أو دخله عيب فقد أمكن العمل بالصيغة لما بينا .
ولأبي يوسف أنه بيع لأنه مبادلة المال بالمال عن تراض فيعمل به إلا إذا تعذر فيعمل بالصيغة ، وإنما يتعذر عنده في الإقالة في المنقول قبل القبض على ما تقدم .
ولأبي حنيفة أن الإقالة تنبئ عن الفسخ والإزالة لما بينا ، فلا تحتمل معنى آخر نفيا للاشتراك ، والأصل العمل بحقيقة اللفظ ، فإذا تعذر لا يجعل بيعا مبتدأ لأنه ضد الرفع فيبطل .
وأما كونه بيعا في حق ثالث وهو الشفيع ، فصورته : باع دارا فسلم الشفيع الشفعة ثم تقايل البائع والمشتري ، فللشفيع الشفعة خلافا لزفر ، لأن ما هو فسخ في حقهما فهو فسخ في حق غيرهما كالرد بخيار الشرط . وجوابه أن الإقالة نقل ملك بإيجاب وقبول بعوض مالي وهو سبب وجوب الشفعة ، وهما عبرا عنه بالإقالة لإسقاط حقه ، ولا يملكان ذلك ، وكذا لو وهبه شيئا وقبضه فباعه الموهوب له ثم تقايلا ، ليس للواهب الرجوع ويصير الموهوب له كالمشتري .
( وهلاك الثمن لا يمنع ) لقيام البيع بدونه ، وإن تقايضا فهلاك أحدهما لا يمنع الإقالة ، لأن كل واحد منهما مبيع ، فيكون البيع قائما ، ويرد قيمة الهالك أو مثله ؛ لأنه إذا انفسخ في الباقي ينفسخ في الهالك ضرورة ، وقد عجز عن رده فيرد عوضه ، ولو هلك العوضان لا تصح الإقالة وتصح لو هلك البدلان في الصرف ، والفرق أن العقد يتعلق بالعين في العروض دون الأثمان فكذا في الإقالة ، والله أعلم .