ينبغي للقاسم أن يقرع بينهم ، فمن خرج اسمه على سهم أخذه ، وليس لأحدهم الرجوع إذا قسم القاضي أو نائبه ، فإن كان في نصيب أحدهم مسيل أو طريق لغيره لم يشرط ، فإن أمكن صرفه عنه صرفه وإلا فسخت القسمة ، وإذا شهدوا عليهم ثم ادعى أحدهم أن من نصيبه شيئا في يد صاحبه لم تقبل إلا ببينة ، وتقبل شهادة القاسمين ( م ف ) على ذلك ، وإن قال : قبضته ثم أخذه مني فبينته أو يمين خصمه ، وإن قال ذلك قبل الإشهاد تحالفا وفسخت القسمة ، وإن استحق بعض نصيب أحدهم رجع في نصيب صاحبه بقسطه ( س ) .
فصل
( ينبغي للقاسم أن يقرع بينهم ، ممن خرج اسمه على سهم أخذه ) وذلك بعد ما يصور ما يقسمه ويعدله على سهام القسمة ، ويذرع الساحة ويقوم البناء لحاجته إلى معرفة ذلك ، ويفرز كل نصيب بحقوقه عن بقية الأنصباء ليتحقق معنى القسمة ، ويلقب الأنصباء بالأول والثاني والثالث ، ثم يخرج القرعة كما تقدم ، ويقسم على أقل الأنصباء ، فإن كان سدسا جعلها أسداسا ، أو ثمنا فأثمانا ؛ لأنه إذا خرج أقل الأنصباء خرج الأكثر ، ولا كذلك بالعكس ، ولو عين لكل واحد نصيبا جاز من غير قرعة ؛ لأنه في معنى القضاء فيصح إلزامه . أما القرعة فلتطييب النفوس ونفي التهمة والميل .
قال : ( وليس لأحد الرجوع إذا قسم القاضي أو نائبه ) ؛ لأنها صدرت عن ولاية تامة فلزمت كالقضاء ، وكذلك ليس له ذلك إذا خرج بعض السهام ، فكما لا يلتفت إلى إبائه قبل القسمة لا يلتفت إلى رجوعه بعدها ، وكذلك إذا حصل التراضي وبينت الحدود ؛ لأن المؤمنين عند شروطهم . وقيل يصح رجوعه إذا خرج بعض السهام إلا إذا بقي سهم واحد لتعينه للباقي .
[ ص: 338 ] قال : ( فإن كان في نصيب أحدهم مسيل أو طريق لغيره لم يشرط ، فإن أمكن صرفه عنه صرفه ) تحقيقا لمعنى القسمة وهو قطع الاشتراك .
( وإلا فسخت القسمة ) لاختلالها ، وتستأنف لأن المقصود تكميل المنفعة ، ولا يتأتى ذلك إلا بالطريق والمسيل .
قال : ( وإذا شهدوا عليهم ثم ادعى أحدهم أن من نصيبه شيئا في يد صاحبه لم تقبل إلا ببينة ) لأنه مدع ، فإن لم تكن له بينة استحلف شركاؤه ، فمن نكل جمع نصيبه ونصيب المدعي فيقسم بينهما على قدر نصيبهما ؛ لأن النكول حجة على ما عرف ، وقيل لا تقبل دعواه للتناقض .
قال : ( وتقبل شهادة القاسمين على ذلك ) وقال محمد : لا تقبل ؛ لأنها شهادة على فعلهما .
ولهما أنهما شهدا بالاستيفاء وهو فعل الغير وبه تلزم القسمة فتقبل ، أما فعلهما الإفراز وهو غير ملزم ولا حاجة إلى الشهادة عليه . وعن محمد مثل قولهما .
ومنهم من قال : إن كانت القسمة بأجر لا تقبل ؛ لأنها دعوى إيفاء عمل استؤجرا عليه . وجوابه أن أجرتهما وجبت باتفاق الخصوم على إيفاء العمل وهو التمييز فلم تجر لهما مغنما فلا تهمة .
( وإن قال ذلك قبل الإشهاد تحالفا وفسخت القسمة ) وكذلك إذا قال : لم يسلم إلى بعض نصيبي وهو نظير الاختلاف في قدر المبيع ، وسنبين التحالف وأحكامه في كتاب الدعوى إن شاء الله تعالى .
قال : ( وإن استحق بعض نصيب أحدهم رجع في نصيب صاحبه بقسطه ) كما في البيع ، هذا عند أبي حنيفة ; وقال أبو يوسف : تفسخ القسمة ، وهو قول محمد في رواية أبي سليمان . وروى [ ص: 339 ] أبو حفص أنه مع أبي حنيفة . وقيل الخلاف في بعض شائع في نصيب أحدهما ، أما المعين لا يفسخ بالإجماع; ولو استحق نصيب شائع في الكل انفسخت بالإجماع; لأبي يوسف أن بالاستحقاق ظهر شريك ثالث ولا قسمة بدون رضاه; والفقه فيه أن باستحقاق الجزء الشائع يبطل معنى القسمة ، وهو التمييز والإفراز ؛ لأنه يرجع بجزء شائع في نصيب الآخر بخلاف المعين ، وصار كاستحقاق الشائع في الكل; ولأبي حنيفة أن القسمة على هذا الوجه تجوز ابتداء بأن يكون نصف الدار المقدم بينهما وبين ثالث ، والمؤخر بينهما على الخصوص ، فاقتسما على أن لأحدهما نصيبهما من المقدم وربع المؤخر ، وللآخر ثلاثة أرباع المؤخر فإنه يجوز ، وإذا جاز ذلك ابتداء جاز انتهاء ، فمعنى القسمة موجود وصار كالجزء المعين ، بخلاف الشائع في الكل ؛ لأن القسمة لو بقيت يتفرق نصيب المستحق في الكل فيتضرر ولا ضرر هنا فافترقا .