[ ص: 342 ] الأدب : هو التخلق بالأخلاق الجميلة والخصال الحميدة في معاشرة الناس ومعاملتهم ،
وأدب القاضي : التزامه لما ندب إليه الشرع من بسط العدل ورفع الظلم ، وترك الميل والمحافظة على حدود الشرع ، والجري على سنن السنة على ما يأتي إن شاء الله تعالى .
والقضاء في اللغة له معان : يكون بمعنى الإلزام ، قال الله تعالى : (
وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ) وبمعنى الإخبار ، قال الله تعالى : (
وقضينا إلى بني إسرائيل ) وبمعنى الفراغ ، قال الله تعالى : (
فإذا قضيت الصلاة ) وبمعنى التقدير ، يقال : قضى الحاكم النفقة : أي قدرها ، ويستعمل في إقامة شيء مقام غيره ، يقال : قضى فلان دينه : أي أقام ما دفعه إليه مقام ما كان في ذمته . وفي الشرع : قول ملزم يصدر عن ولاية عامة ، وفيه معنى اللغة ، فكأنه ألزمه بالحكم وأخبره به ، وفرغ من الحكم بينهما أو فرغا من الخصومة ، وقدر ما كان عليه وما له ، وأقام قضاءه مقام صلحهما وتراضيهما ؛ لأن كل واحد منهما قاطع للخصومة .
اعلم أن ( القضاء بالحق من أقوى الفرائض وأشرف العبادات ) وما من نبي من الأنبياء إلا وأمره الله بالقضاء ، وأثبت لآدم اسم الخليفة ، وقال لنبينا - عليه الصلاة والسلام - : (
وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) وقال
لداود : (
فاحكم بين الناس بالحق ) ولأن فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإظهار الحق ، وإنصاف المظلوم من الظالم ، وإيصال الحق إلى مستحقه ، ولأجل هذه
[ ص: 343 ] الأشياء شرع الله تعالى الشرائع ، وأرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام .
والقضاء على خمسة أوجه : واجب ، وهو أن يتعين له ، ولا يوجد من يصح غيره ؛ لأنه إذا لم يفعل أدى إلى تضييع الحكم ، فيكون قبوله أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر ، وإنصاف المظلومين من الظالمين وأنه فرض كفاية ومستحب ، وهو أن يوجد من يصلح لكن هو أصلح وأقوم به . ومخير فيه ، وهو أن يستوي هو وغيره في الصلاحية والقيام به ، فهو مخير إن شاء قبله ، وإن شاء لا . ومكروه ، وهو أن يكون صالحا للقضاء ، لكن غيره أقوم به وأصلح . وحرام ، وهو أن يعلم من نفسه العجز عنه ، وعدم الإنصاف فيه لما يعلم من باطنه من اتباع الهوى ما لا يعرفونه فيحرم عليه ، ويكون رزقه وكفايته وكفاية أهله وأعوانه ومن يمونهم من بيت المال ؛ لأنه محبوس لحق العامة ، فلولا الكفاية ربما طمع في أموال الناس ، ولهذا قالوا : يستحب للإمام أن
يقلد القضاء من له ثروة لئلا يطمع في أموال الناس وإن تنزه فهو أفضل
nindex.php?page=showalam&ids=1وأبو بكر الصديق - رضي الله عنه - لما ولي الخلافة خرج إلى السوق ليكتسب; فرده
عمر - رضي الله عنه - ، ثم أجمعوا على أن جعلوا له كل يوم درهمين ، وكان عنده عباءة قد اشتراها من رزقه ، فلما حضرته الوفاة قال
لعائشة - رضي الله عنه - أعطيها
عمر ليردها إلى بيت المال ، فدل على أنه إذا استغنى لا يأخذ ، وهو المختار .