[ ص: 343 ] والأولى أن يكون القاضي مجتهدا ، فإن لم يوجد فيجب أن يكون من أهل الشهادة موثوقا به في دينه وأمانته وعقله وفهمه ، عالما بالفقه والسنة ، وكذلك المفتي ، ولا يطلب الولاية ، ويكره الدخول فيه لمن يخاف العجز عن القيام به ، ولا بأس به لمن يثق من نفسه أداء فرضه ، ومن تعين له تفترض عليه الولاية ، ويجوز التقليد من ولاة الجور .
قال : ( فإن لم يوجد فيجب أن يكون من أهل الشهادة موثوقا به في دينه وأمانته وعقله وفهمه ، عالما بالفقه والسنة ، وكذلك المفتي ) أما أهلية الشهادة ؛ فلأنها من باب الولاية والقضاء [ ص: 344 ] أقوى وأعم ولاية ، وكل من كان من أهل الشهادة كان من أهل القضاء ، ومن لا فلا; ولا تجوز ولاية الصبي والمجنون والعبد ؛ لأنه لا ولاية لهم ، ولا الأعمى ؛ لأنه ليس من أهل الشهادة ، ولوجود الالتباس عليه في الصوت وغيره; والأطروش يجوز لأنه يفرق بين المدعي والمدعى عليه ويميز بين الخصوم ، وقيل لا يجوز لأنه لا يسمع الإقرار ، فربما ينكر إذا استعاده فتضيع حقوق الناس; والفاسق يجوز قضاؤه كما تجوز شهادته ، ولا ينبغي أن يولي كما لا ينبغي أن يعمل بشهادته . وفي النوادر عن أصحابنا أنه لا يجوز قضاؤه ، ولو فسق بعد الولاية استحق العزل ولا ينعزل ، وقيل ينعزل لأن الذي ولاه ما رضي به إلا عدلا ، ويشترط دينه وأمانته ؛ لأنه يتصرف في أموال الناس ودمائهم ولا يوثق على ذلك من لا أمانة له ، وكذلك العقل ؛ لأنه الأصل في الأمور الدينية . وأما الفهم فلتفهم معاني الكتاب والحديث وما يرد عليه من القضايا والدعاوى وكتب القضاة وغير ذلك .
وأما العلم بالفقه والسنة فلأنه إذا لم يعلم بذلك لا يقدر على القضاء ولا يعلم كيف يقضي .
وعن أبي يوسف : لأن يكون القاضي ورعا أحب إلي من أن يكون مجتهدا . وقال : إذا كان عالما بالفرائض يكفي في جواز القضاء . وقيل يجوز تقليد الجاهل ؛ لأنه يقدر على القضاء بالاستفتاء ، والأولى أن يكون عالما قال - عليه الصلاة والسلام - : " من قلد إنسانا عملا وفي رعيته من هو أولى منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين " وكذلك المفتي ؛ لأن الناس يرجعون إلى فتواه في حوادثهم ويقتدون به ويعتمدون على قوله ، فينبغي أن يكون بهذه الأوصاف; والفاسق لا يصلح أن يكون مفتيا ؛ لأنه لا يقبل قوله في أخبار الديانات; وقيل يصلح لأنه يتحرز لئلا ينسب إلى الخطأ .
( ومن تعين له تفترض عليه الولاية ) وقد بيناه ، ولو امتنع لا يجبر عليه; ولو كان في البلد جماعة يصلحون وامتنعوا والسلطان يفصل بين الخصوم لم يأثموا ، وإن كان لا يمكنه ذلك أثموا ، وإن امتنعوا حتى قلد جاهلا أثم الكل .
قال : ( ويجوز التقليد من ولاة الجور ) لأن الصحابة تقلدوه من معاوية وكان الحق مع علي - رضي الله عنه - ، والتابعون تقلدوه من الحجاج مع جوره ؛ ولأن فيه إقامة الحق ودفع الظلم حتى لو لم يمكنه من ذلك لا يجوز له الولاية منه .