[ ص: 352 ] وإذا ثبت الحق للمدعي وسأله حبس غريمه لم يحبسه وأمره بدفع ما عليه ، فإن امتنع حبسه ، فإن أقر أنه معسر خلى سبيله ، وإن قال المدعي : هو موسر وهو يقول : أنا معسر فإن كان القاضي يعرف يساره ، أو كان الدين بدل مال كالثمن والقرض ، أو التزمه كالمهر والكفالة وبدل الخلع ونحوه حبسه ، ولا يحبسه فيما سوى ذلك إذا ادعى الفقر ، إلا أن تقوم البينة أن له مالا فيحبسه ، فإذا حبسه مدة يغلب على ظنه أنه لو كان له مال أظهره ، وسأل عن حاله فلم يظهر له مال خلى سبيله; وإن قامت البينة على يساره أبد حبسه ، ويحبس الرجل في نفقة زوجته ، ولا يحبس والد في دين ولده إلا إذا امتنع من الإنفاق عليه .
قال : ( وأمره بدفع ما عليه ، فإن امتنع حبسه ) لأنه ظهر ظلمه ، وهذا إذا ثبت حقه بالإقرار ، أما إذا ثبت بالبينة حبسه أول مرة ؛ لأن البينة لا تكون إلا بعد الجحد فيكون ظالما ، ولا يسأله القاضي : ألك مال ؟ ولا من المدعي إلا أن يطلب المدعى عليه من القاضي أن يسأل المدعي فيسأله .
( فإن أقر أنه معسر خلى سبيله ) لأنه استحق الإنظار بالنص ولا يمنعه من الملازمة .
( وإن قال المدعي هو موسر ، وهو يقول أنا معسر ، فإن كان القاضي يعرف يساره ، أو كان [ ص: 353 ] الدين بدل مال كالثمن والقرض ، أو التزمه كالمهر والكفالة وبدل الخلع ونحوه حبسه ) لأن الظاهر بقاء ما حصل في يده والتزامه يدل على القدرة .
( ولا يحبسه فيما سوى ذلك إذا ادعى الفقر ) لأنه الأصل ، وذلك مثل ضمان المتلفات وأروش الجنايات ونفقة الأقارب والزوجات وإعتاق العبد المشترك .
( إلا أن تقوم البينة أن له مالا فيحبسه ) لأنه ظالم .
( فإذا حبسه مدة يغلب على ظنه أنه لو كان له مال أظهره وسأل عن حاله ، فلم يظهر له مال خلى سبيله ) لأن الظاهر إعساره فيستحق الإنظار ، وكذلك الحكم لو شهد شاهدان بإعساره ، وتقبل بينة الإعسار بعد الحبس بالإجماع وقبله لا . والفرق أنه وجد بعد الحبس قرينة ، وهو تحمل شدة الحبس ومضايقته وذلك دليل إعساره ، ولم يوجد ذلك قبل الحبس ، وقيل تقبل في الحالتين .
( وإن قامت البينة على يساره أبد حبسه ) لظلمه .
واختلفوا في مدة الحبس . قيل شهرين أو ثلاثة ، وبعضهم قدره بشهر ، وبعضهم بأربعة وبعضهم بستة . والصحيح ما ذكرت لك أولا ، لأن الناس يختلفون في احتمال الحبس ويتفاوتون تفاوتا كثيرا فيفوض إلى رأي القاضي .
( إلا إذا امتنع من الإنفاق عليه ) لأن في ترك الإنفاق عليه هلاكه ، كما لو صال الأب على الولد فللولد دفعه بالقتل; وإذا مرض المحبوس ، فإن كان له من يخدمه في الحبس لم يخرجه ، وإلا أخرجه لئلا يهلك; وإذا امتنع الخصم من الحضور عزره القاضي بما يرى من ضرب أو صفع أو حبس أو تعبيس وجه على ما يراه .