[ ص: 367 ] ويثبت بالصريح وبالدلالة ( ز ) كما لو رآه يبيع ويشتري فسكت ، وسواء كان البيع للمولى أو لغيره بأمره أو بغير أمره صحيحا أو فاسدا ، ويصير مأذونا بالإذن العام والخاص ، ولو أذن له بشراء طعام الأكل وثياب الكسوة لا يصير مأذونا ، للمأذون أن يبيع ويشتري ويوكل ويبضع ويضارب ويعير ويرهن ويسترهن ويؤجر ويستأجر ويسلم ويقبل السلم ويزارع ويشتري طعاما ويزرعه ويشارك عنانا ولو أقر بدين أو غصب أو وديعة جاز ، ولا يتزوج ، ولا يزوج مماليكه ( س ) ، ولا يكاتب ، ولا يعتق ، ولا يقرض ، ولا يهب ولا يتصدق ، ولا يتكفل ، ويهدي القليل من الطعام ، ويضيف معامليه ويأذن لرقيقه في التجارة ، وما يلزمه من الديون بسبب الإذن متعلق برقبته يباع فيه إلا أن يفديه المولى ، فإن لم يف بالديون فإن فداه المولى بديون الغرماء انقطع حقهم عنه ، وإلا يباع ويقسم ثمنه بين الغرماء بالحصص ، فإن بقي شيء طولب به بعد الحرية ، وإن حجر المولى عليه لم ينحجر حتى يعلم أهل سوقه أو أكثرهم بذلك ، وإن ولدت المأذونة من مولاها فهو حجر ( ز ) ، والإباق حجر : ولو مات المولى أو جن أو لحق بدار الحرب مرتدا صار محجورا ، ويصح إقراره بما في يده بعد الحجر ( سم ) ، وإذا استغرقت الديون ماله ورقبته لم يملك المولى شيئا من ماله ( سم ) ، وإن أعتقه نفذ وضمن قيمته للغرماء وما بقي فعلى العبد ، ويجوز أن يبيعه المولى بمثل الثمن أو أقل ، ويجوز أن يبيع من المولى بمثل الثمن أو أكثر .
[ ص: 366 ] كتاب المأذون
الإذن في اللغة : الإعلام ، قال الله تعالى : ( وأذن في الناس بالحج ) أي أعلم ، ومنه الأذان ، لأنه إعلام بوقت الصلاة .
وفي الشرع : فك الحجر وإطلاق التصرف لمن كان ممنوعا عنه شرعا ، فكأنه أعلمه بفك الحجر عنه وإطلاق تصرفه ، وأعلم التجار بذلك ليعاملوه ، وفائدته اهتداء الصبي والعبد إلى إصدار التصرفات واكتساب الأموال واستجلاب الأرباح ، وقد ندب الله تعالى إلى ذلك بقوله : ( وابتلوا اليتامى ) أي اختبروهم بشيء تدفعونه إليهم ليتصرفوا فيه فتنظروا في تصرفهم ، والدليل على جوازه ما روي " nindex.php?page=hadith&LINKID=10346576أن النبي - عليه الصلاة والسلام - كان يجيب دعوة المملوك ولا يجوز إجابة دعوة المحجور عليه ، فدل على جواز الإذن وعليه الإجماع ، ثم العبد بالإذن يصير كالأحرار في التصرفات ؛ لأنه كان مالكا للتصرفات بأهليته بأصل الفطرة باعتبار عقله ونطقه الذي هو ملاك التكليف ، والحجر عليه إنما كان لحق المولى لاحتمال لحوق الضرر به بتعلق الدين برقبته أو بكسبه ، وكل ذلك ملك المولى ، فإذا أذن له فقد رضي بتصرفه فيتصرف باعتبار مالكيته الأصلية ، ولهذا قلنا إنه لا يتوقف ؛ لأن الإسقاطات لا تتوقف حتى لو أذن له يوما أو شهرا كان مأذونا مطلقا ما لم ينهه ، وكذلك إذن القاضي والوصي لعبد اليتيم ، وكذلك للصبي الذي يعقل ، فإن الحجر عليه إنما كان خوفا من سوء تصرفه وعدم هدايته للأصلح ، فإذنهما لهما دليل صلاحية التصرف فجاز تصرفه .
[ ص: 367 ] قال : ( ويثبت بالصريح وبالدلالة كما لو رآه يبيع ويشتري فسكت ، وسواء كان البيع للموتى أو لغيره بأمره أو بغير أمره صحيحا أو فاسدا ) لأن سكوته عند هذه التصرفات دليل رضاه ، كسكوت الشفيع عند تصرف المشتري . وقال زفر : لا يثبت بالدلالة لأن سكوته محتمل ، وصار كالوكيل . ولنا أن الناس إذا رأوه يتصرف هذه التصرفات والمولى ساكت يعتقدون رضاه بذلك ، وإلا لمنعه فيعاملونه معاملة المأذون ، فلو لم يعتبر سكوته رضى يفضي ذلك إلى الإضرار بهم ، فوجب أن يكون سكوته رضى دفعا للضرر عنهم .
قال : ( ويصير مأذونا بالإذن العام والخاص ) فالعام أن يقول لعبده : أذنت لك في التجارة ، وأذنت لك في البيع والشراء ، ولا يقيده بشيء ؛ لأن ذلك عام فيتناول جميع الأنواع ، وكذلك إذا قال : أد إلي الغلة ، أو إن أديت إلي ألفا فأنت حر ؛ لأنه لا قدرة على ذلك إلا بالكسب ولا كسب إلا بالتجارة ويجوز تصرفه بالغبن وقالا : لا يجوز إذا كان غبنا فاحشا ؛ لأن الزيادة بمنزلة التبرع . وله أنه يتصرف بأهليته كالحر وهذه تجارة فتجوز ، والصبي المأذون على هذا الخلاف ، والخاص أن يأذن له في التجارة في نوع خاص بأن يقول له أذنت لك في البر أو في الصرف أو في الخياطة أو في الصياغة ، فإنه يصير مأذونا في جميع التجارات والحرف ، وكذلك إذا نهاه عن التجارة في نوع خاص ، وكذلك لو قال : أذنت لك في التجارة في البر دون البحر . وقال زفر : يختص بما قيده به ؛ لأنه يستفيد التصرف بإذنه كالوكيل . ولنا ما بينا أنه فك الحجر ورفع السبب الذي كان لأجله محجورا فبعده يتصرف لنفسه بأهليته كما بعد الكتابة ، وفك الحجر يوجد بالإذن في نوع واحد ؛ لأن الضرر الذي يلحق بالمولى لا يتفاوت بين نوع ونوع فيلغو التقييد ويبقى قوله اتجر ، وليس كالوكيل ؛ لأنه يصح بقوله أذنت لك في التجارة ، ولا يصح التوكيل به ؛ لأنه مجهول . أما رفع الحجر إسقاطه ، والجهالة لا تبطله ولا يرجع على العبد بالعهدة في تصرفاته ويرجع على الوكيل ، ولو اقتصر على قوله أذنت لك صح ، وفي التوكيل لا يصح ، والصبي يتصرف لنفسه في ماله فلا يكون نائبا .
قال : ( ولو أذن له بشراء طعام الأكل وثياب الكسوة لا يصير مأذونا ) لأنه استخدام وليس بتجارة ؛ لأن التجارة ما يطلب منه الربح ؛ ولأنه لو اعتبرناه إذنا أدى إلى سد باب الاستخدام ، وفيه من الفساد ما لا يخفى .
( ولا يتزوج ) لأنه ليس من التجارة ، فلو تزوج أخذ بالمهر بعد الحرية .
( ولا يزوج مماليكه ) وقال أبو يوسف : يزوج الأمة لأنه نوع تجارة ، وهو وجوب نفقتها على غيره ، بخلاف العبد ؛ لأنه يوجب عليه نفقة زوجته . ولهما أنه ليس تجارة ؛ ولهذا لا يملكه في العبد ، ونفقتها ليست بتجارة ؛ ولأن الزواج عيب في الأمة .
قال : ( ويهدي القليل من الطعام ، ويضيف معامليه ) لأنه من صنيع التجار ، وفيه استمالة [ ص: 369 ] قلوب المعاملين ، وقد صح أنه - عليه الصلاة والسلام - قبل هدية nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان الفارسي وكان عبدا . وقال محمد : يتصدق بالرغيف ونحوه ، ولم يقدر محمد الضيافة اليسيرة ، وقيل ذلك على قدر مال التجارة ، إن كانت نحو عشرة آلاف فالضيافة بعشرة ، وإن كانت تجارته عشرة دراهم فدانق كثير ، وله أن يحط من الثمن بعيب كعادة التجار ؛ ولعله أصلح من الرضا بالعيب ، ولا يحط بغير عيب لأنه تبرع .
قال : ( ويأذن لرقيقه في التجارة ) ؛ لأنه نوع تجارة ، والأصل أن كل من له ولاية التجارة يصح إذنه للعبد فيها كالمكاتب والمأذون والمضارب والأب والجد والقاضي وشريكي المفاوضة والعنان والوصي ، ولا يجوز ذلك للأم والأخ والعم ؛ لأنه ليس لهم ولاية التجارة .
قال : ( وما يلزمه من الديون بسبب الإذن متعلق برقبته يباع فيه إلا أن يفديه المولى ) ؛ لأن المولى رضي بذلك ، فإنه لو لم يتعلق برقبته كان تصرفه نفعا محضا فلا حاجة إلى الإذن ، وإنما شرط إذن المولى ليصير راضيا بهذا الضرر ؛ ولأن سبب هذا الدين التجارة وهي بإذنه ؛ ولأن تعلق الدين برقبته مما يدعو إلى معاملته وأنه يصلح مقصودا للمولى فينعدم الضرر في حقه إلا أنه يبدأ بكسبه لأنه أهون .
( فإن لم يف بالديون ، فإن فداه المولى بديون الغرماء انقطع حقهم عنه ، وإلا يباع ويقسم ثمنه بين الغرماء بالحصص ) لتعلق حقهم به كتعلقها بالتركة .
( فإن بقي شيء طولب به بعد الحرية ) لأن الدين ثبت عليه ولم تف به الرقبة ، فيبقى عليه إلى وقت القدرة ، وهو ما بعد الحرية .
قال : ( وإن حجر المولى عليه لم ينحجر حتى يعلم أهل سوقه أو أكثرهم بذلك ) لأنهم إذا لم يعلموا يبايعونه بناء على ما عرفوه من الإذن ، فلو انحجر يتضرر بذلك ؛ لأنهم إذا لم يتعلق حقهم بكسبه وبرقبته يتأخر إلى ما بعد الحرية ، وقد لا يعتق فيتضررون إما بالتأخير أو بالعدم ، ولو حجر عليه في السوق عند رجل أو رجلين لا ينحجر ، ولو حجر عليه في البيت عند أهل سوقه أو أكثرهم انحجر ، والمعتبر اشتهار الحجر عندهم إذا كان الإذن مشهورا; أما إذا لم يعلم بالإذن غير العبد ثم
[ ص: 370 ] علم بالحجر انحجر ، ولا يزال مأذونا حتى يعلم بالحجر كالوكيل ؛ لأنه يتضرر لو انحجر بدون علمه ؛ لأنه يلزمه قضاء الديون بعد الحرية وأنه ضرر به .
قال : ( وإن ولدت المأذونة من مولاها فهو حجر ) خلافا لزفر له أن ذلك لا يمنع الإذن ابتداء فكذا بقاء . ولنا أنه يحصنها عادة فيمنعها من الخروج والبروز والتصرفات فكان حجرا دلالة ، بخلاف الابتداء فإنه صريح في الإذن فلا تعارضه الدلالة .
قال : ( والإباق حجر ) لأنه لا يقدر على قضاء دينه من كسبه وهو ما أذن له إلا بهذا الشرط مقصودا .
قال : ( ولو مات المولى أو جن ، أو لحق بدار الحرب مرتدا صار محجورا ) لأنه زال ملكه عنه بالموت واللحاق ، ألا ترى أنه ينتقل إلى ملك ورثته وهو عقد غير لازم فيزول بزوال الملك ، وبالجنون زالت الأهلية فيبطل الإذن اعتبارا بالابتداء ؛ لأن ما يلزم من التصرفات يعتبر لدوامه الأهلية كما يعتبر لابتدائه .
قال : ( ويصح إقراره بما في يده بعد الحجر ) سواء أقر أنه غصب أو أمانة أو أقر بدين ، وقالا : لا يصح ؛ لأن المصحح كان الإذن وقد زال ، ولهذا لا يصح في حق الرقبة وصار كما إذا باعه من آخر ، وله أن المصحح اليد ، وهي باقية ، ولهذا لا يصح فيما أخذه المولى ، وبطلانها لعدم الحاجة ، وهي باقية بدليل إقراره ، بخلاف الرقبة ؛ لأنها ليست في يده ، وملك الموتى ثابت فيها فلا يبطل من غير رضاه ، وبخلاف البيع ؛ لأن الملك قد تبدل فلم يبق حكم الملك الأول .
قال : ( وإذا استغرقت الديون ماله ورقبته لم يملك المولى شيئا من ماله ) وهو كالأجنبي لو أعتق عبيده لا يعتقون ، ولو قتل عبده فعليه قيمته على السنين ، وقالا : يملكه المولى ويعتقون بإعتاقه وعليه قيمة المقتول في الحال . لهما أنه ملك رقبته حتى جاز عتقه فيملك كسبه ، ولذا يحل له وطء المأذونة ، وتعلق حق الغرماء يمنع المولى عن التصرف فيه ونقضه بعد وقوعه لا في إبطال ملكه . وله أن الملك واقع للمأذون ؛ لأن سبب الملك الاكتساب ، فيكون أولى به من غيره بالنص ، وإنما ينتقل إلى المولى إذا فضل عن حاجته ، والحاجة قائمة في الدين المحيط ، والمأذون يملكه [ ص: 371 ] لكونه آدميا مكلفا لكن ملكا منتقلا لا مستقرا كملك المقتول الدية والجنين الغرة ، ثم تنتقل إلى ورثته حتى يكون موروثا عنه ، بخلاف ما إذا لم يكن مستغرقا ، لأن الإنسان قل ما يخلو عن قليل الدين سيما التجار ، فلو اعتبرنا القليل مانعا أدى إلى سد باب التصرفات على المولى فيمتنع عن الإذن .
( وضمن قيمته للغرماء ، وما بقي فعلى العبد ) ؛ لأن حقهم تعلق برقبته وقد فوتها بالعتق فيغرم له قيمتها ، وما فضل أخذوه من المعتق ؛ لأنه حر مديون ، وإن شاء ضمنوا المعتق جميع ديونهم ؛ لأن حقه تعلق برقبته وقد حصلت له فيضمنها وإن كان الدين أقل من قيمته ضمن الدين ؛ لأن حقهم فيه .
قال : ( ويجوز أن يبيعه المولى بمثل الثمن أو أقل ) لأنه أجنبي عن كسبه إذا كان مديونا كما بينا ولا تهمة فيه ، وفيه منفعة للعبد بدخول المبيع في ملكه ، فإن باعه وسلمه ولم يقبض الثمن سقط إن كان دينا ؛ لأن المولى لا يثبت له دين على عبده ، وإن كان الثمن عرضا لا يسقط لجواز بقاء حقه في العين .
قال : ( ويجوز أن يبيع من المولى بمثل الثمن أو أكثر ) لأنه كالأجنبي ولا تهمة حتى لو باعه بأقل من القيمة لا يجوز للتهمة ، ولو باع المولى العبد فقبضه المشتري وعيبه . فالغرماء إن شاءوا ضمنوا البائع القيمة ؛ لأنه أتلف حقهم بالبيع والتسليم ، وإن شاءوا ضمنوا المشتري بالشراء والتعييب ، وإن شاءوا أجازوا البيع وأخذوا الثمن لأن الحق لهم كالمرتهن ، فإن ضمنوا البائع ثم رد عليه بعيب رجع عليهم بما ضمن وعاد حقهم إلى العبد لزوال المانع .