وهو حجة على المقر إذا كان عاقلا بالغا إذا أقر لمعلوم ، وسواء أقر بمعلوم أو مجهول ويبين المجهول ، فإن قال له علي شيء أو حق لزمه أن يبين ما له قيمة ، فإن كذبه المقر له فيما بين فالقول للمقر مع يمينه ، وإن أقر بمال لم يصدق في أقل من درهم ، وإن قال : مال عظيم فهو نصاب من الجنس الذي ذكر ، وقيمة النصاب في غير مال الزكاة ، وإن قال : أموال عظام فثلاثة نصب ، وإن قال : دراهم فثلاثة ، وإن قال : كثيرة فعشرة ، ولو قال : كذا درهما فدرهم ، وكذا كذا أحد عشر ، ولو ثلث فكذلك ، ولو قال : كذا وكذا فأحد وعشرون ، ولو ثلث بالواو تزاد مائة ، ولو ربع تزاد ألف ، وكذلك كل مكيل وموزون ، ولو قال : مائة ودرهم فالكل دراهم ، وكذا كل ما يكال ويوزن ، ولو قال : مائة وثوب يلزمه ثوب واحد وتفسير المائة إليه ، وكذلك لو قال : مائة وثوبان ، ولو قال : مائة وثلاثة أثواب فالكل ثياب ( ف ) ، وإن قال : له علي أو قبلي فهو دين وعندي ومعي وفي بيتي أمانة ، ولو قال له آخر : لي عليك ألف فقال : اتزنها أو انتقدها أو أجلني بها أو قضيتكها أو أجلتك بها فهو إقرار ، ولو لم يذكر هاء الكناية لا يكون إقرارا ، ومن أقر بدين مؤجل وادعى المقر له أنه حال استحلف ( ف ) على الأجل ، ومن أقر بخاتم لزمه الحلقة والفص ، وبسيف النصل والجفن والحمائل ، ومن أقر بثوب في منديل لزماه ، ومن أقر بخمسة في خمسة لزمه خمسة وإن أراد الضرب ، ولو قال له علي من درهم إلى عشرة ، أو ما بين درهم إلى عشرة لزمه تسعة ( سم ف ) ، ويجوز الإقرار بالحمل ، وله إذا بين سببا صالحا ( ف ) للملك .
[ ص: 399 ]
وهو في الأصل : التسكين والإثبات ، والقرار : السكون والثبات ، يقال : قر فلان بالمنزل إذا سكن وثبت ، وقررت عنده كذا : أي أثبته عنده ، وقرار الوادي : مطمئنه الذي يثبت فيه الماء ، ويقال : استقر الأمر على كذا : أي ثبت عليه ، وسميت أيام منى أيام القر لأنهم يثبتون بها ويسكنون عن سفرهم وحركتهم هذه الأيام ، ومنه الدعاء : أقر الله عينه إذا أعطاه ما يكفيه فسكنت نفسه ولا تطمح إلى شيء آخر .
أما الكتاب فقوله تعالى : ( كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم ) والشهادة على النفس إقرار ، فلولا أن الإقرار حجة لما أمر به ، وقوله تعالى : ( وليملل الذي عليه الحق ) وأنه إقرار على نفسه . والسنة قوله - عليه الصلاة والسلام - : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10346595واغد أنت يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها " ورجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماعزا والغامدية بالإقرار ، وعليه الإجماع ؛ ولأنه خبر صدر عن صدق لعدم التهمة ، إذ المال محبوب طبعا فلا يكذب في الإقرار به لغيره وهو حجة مظهرة للحق ملزمة للحال ، حتى لو أقر بدين أو عين على أنه بالخيار ثلاثة أيام لزم المال وبطل الخيار [ ص: 400 ] وإن صدقه المقر له في الخيار لأن الخيار للفسخ ، وهو لا يحتمل الفسخ ؛ لأنه إخبار والفسخ يرد على العقود ؛ ولأن حكمه ظهور الحق وهو لا يحتمل الفسخ ، وشرطه كون المقر به مما يجب تسليمه إلى المقر له حتى لو أقر بكف تراب أو حبة حنطة لا يصح ، وحكمه ظهور المقر به ؛ لأنه إخبار عن كائن سابق حتى لو أقر لغيره بمال والمقر له يعلم كذبه لا يحل له أخذه على كره منه إلا أن يعطيه بطيبة نفس منه . فحينئذ يكون تمليكا مبتدأ كالهبة .
قال : ( وهو حجة على المقر إذا كان عاقلا بالغا ) ويصح إقرار العبد في بعض الأشياء على ما مر في الحجر .
قال : ( إذا أقر لمعلوم ) لأن فائدة الإقرار ثبوت الملك للمقر له ، ولا يمكن إثباته لمجهول .
قال : ( وسواء أقر بمعلوم أو مجهول ويبين المجهول ) أما المعلوم فظاهر ، وأما المجهول فلأنه قد يكون عليه حق ولا يدري كميته كغرامة متلف لا يدري كم قيمته أو أرش جراحة أو باقي دين أو معاملة أو كان يعلمه ثم أنسي ، والجهالة لا تمنع صحة الإقرار ؛ لأنه إخبار عن ثبوت الحق ، والبيان عليه ، كما إذا أعتق أحد عبديه فيبينه ، إما بنفسه أو بالجبر من القاضي إيصالا للحق إلى المستحق ، بخلاف جهالة المقر له على ما بينا ، وبخلاف الشهود لأنه لا حاجة بهم إلى أداء الشهادة والمقر له حاجة لخلاص ذمته ، ولأن الشهادة تبتنى على الدعوى ، والدعوى بالمجهول لا تقبل ؛ ولأنها لا توجب الحق إلا بانضمام القضاء إليها ، والقضاء بالمجهول غير ممكن والإقرار موجب بنفسه ، ولهذا لا يعمل الرجوع فيه ويعمل في الشهادة قبل القضاء بها .
قال : ( فإن قال له علي شيء أو حق لزمه أن يبين ما له قيمة ) لأنه أقر بالوجوب في ذمته ؛ لأنها محل الوجوب وما لا قيمة له لا يجب فيها .
[ ص: 401 ] ( فإن كذبه المقر له فيما بين فالقول للمقر مع يمينه ) لأنه منكر للزيادة .
( وإن قال مال عظيم فهو نصاب من الجنس الذي ذكر ) معناه إن ذكر الدراهم فمائتا درهم ، ومن الذهب عشرون مثقالا ، ومن الغنم أربعون شاة ، ومن البقر ثلاثون بقرة ، ومن الإبل خمس وعشرون ؛ لأنه أدنى نصاب يجب فيه من جنسه ، وفي الحنطة خمسة أوسق ؛ لأنه هو المقدر بالنصاب عندهما ، وعن أبي حنيفة أنه يرجع إلى بيان المقر .
( وقيمة النصاب في غير مال الزكاة ) لأن النصاب عظيم ؛ لأن مالكه غني والغني معظم عند الناس . وعن أبي حنيفة أنه مقدر بعشرة دراهم ؛ لأنها عظيمة حتى يستباح بها الفرج وقطع اليد والأول أصح .
( وإن قال أموال عظام فثلاثة نصب ) من النوع الذي سماه لأنه جمع عظيم وأقله ثلاثة .
( وإن قال دراهم فثلاثة ) لأنها أقل الجمع فهي متيقنة .
( وإن قال كثيرة فعشرة ) وقالا : مائتان ؛ لأن الكثير ما يصير به مكثرا وذلك بالنصاب . ولأبي حنيفة أن العشرة أقصى ما يتناوله اسم الجمع بهذا اللفظ فيكون هو الأكثر فينصرف إليه ، وفي الدنانير عندهما نصاب عشرون مثقالا ، وعنده عشرة أيضا لما مر ، وكل ما ذكرنا من التقديرات لو زاد فيها قبل ؛ لأنه أعرف بما أجمل ، ويلزمه من الدراهم المعتادة بالوزن المعتاد في البلد ، وإن كان في البلد أوزان مختلفة أو نقود وجب أقلها للتيقن ، ولو قالت علي ثياب كثيرة أو وصائف كثيرة يلزمه عنده عشرة وعندهما ما يبلغ قيمته مائتي درهم لما مر .
( ولو قال كذا درهما فدرهم ) لأنه فسر ما أبهم ، وقيل يلزمه عشرون وهو القياس لأن كذا يذكر للعدد عرفا ، وأقل عدد غير مركب يذكر بعده الدرهم بالنصب عشرون .
[ ص: 402 ] ( وكذا كذا أحد عشر ) درهما لأنه ذكر عددين مبهمين ليس بينهما حرف العطف ، وأقل ذلك في المفسر أحد عشر درهما .
( ولو ثلث ) بغير واو . ( فكذلك ) لأنه لا نظير له سواه .
( ولو قال كذا وكذا فأحد وعشرون ) لأنه نظيره من المفسر .
( ولو ثلث بالواو تزاد مائة ، ولو ربع تزاد ألف ) اعتبارا بالنظير من المفسر .
( وكذلك كل مكيل وموزون ) وهذا كله إذا ذكر الدرهم بالنصب ، وإن ذكره بالخفض بأن قال : كذا درهم عن محمد مائة درهم ؛ لأن أقل عدد يذكر الدرهم عقيبه بالخفض مائة ، فإن قال : كذا كذا درهم يلزمه مائتا درهم ولو قال : كذا كذا دينارا أو درهما فعليه أحد عشر منهما بالسوية عملا بالشركة ، ولو قال : عشرة ونيف فالبيان في النيف إليه ، ويقبل تفسيره في أقل من درهم ؛ لأنه عبارة عن مطلق الزيادة ، يقال : نيف على الشيئين إذا زاد عليهما; ولو قال : على بضعة وعشرون فالبضع ثلاثة فصاعدا .
( ولو قال مائة ودرهم فالكل دراهم ، وكذا كل ما يكال ويوزن ، ولو قال : مائة وثوب يلزمه ثوب واحد وتفسير المائة إليه ) وهو القياس في الدرهم ، لأن المائة مبهمة ، والدرهم لا يصلح تفسيرا ؛ لأنه معطوف عليها والتفسير لا يذكر بحرف العطف . وجه الاستحسان وهو الفرق أن استثقلوا عند كثرة الاستعمال والوجوب التكرار في كل عدد ، واكتفوا به مرة واحدة عقيب العددين ، وذلك في الدراهم والدنانير والمكيل والموزون . أما الثياب وما لا يكال ولا يوزن ، فهي على الأصل لأنه لا يكثر وجوبها .
( وكذلك لو قال : مائة وثوبان ) لما بينا .
( ولو قال : مائة وثلاثة أثواب فالكل ثياب ) لأنه ذكر عقيب العددين ما يصلح تفسيرا لهما وهو الثياب لأنه ذكرها بغير عاطف ، فانصرف إليهما لاستوائهما في الحاجة إلى التفسير ، وكذلك الإقرار بالغصب في جميع ما ذكرنا من الصور .
[ ص: 403 ] قال : ( وإن قال له علي أو قبلي فهو دين ) لأنه مستعمل للإيجاب عرفا ، والذمة محل الإيجاب فيكون دينا ، إلا أن يبين موصولا أنها وديعة لأنه يحتمل مجازا فلا يصدق إلا بالبيان موصولا .
( و ) لو قال : ( عندي ومعي وفي بيتي ) فهو ( أمانة ) لأنه يستعمل في الأمانات ؛ لأنه إقرار بكونه في يده ، والأمانة أدنى من الضمان فيثبت ، وكذا في كيسي أو صندوقي وأشباهه .
( ولو لم يذكر هاء الكناية لا يكون إقرارا ، والأصل أن الجواب ينتظم إعادة الخطاب ليفيد الكلام ، فكل ما يصلح جوابا ولا يصلح ابتداء يجعل جوابا ، وما يصلح للابتداء لا للبناء أو يصلح لهما فإنه يجعل ابتداء لوقوع الشك في كونه جوابا ، ولا يجعل جوابا لئلا يلزمه المال بالشك ، فإن ذكر هاء الكناية يصلح جوابا لا ابتداء ، فيكون منتظما للسؤال فيصير كأنه قال : اتزن الألف التي ادعيتها أو قضيتك الألف التي لك ، وطلب التأجيل لا يكون إلا لواجب ، وكذلك القضاء ، وإذا لم يذكر هاء الكناية لا يصلح جوابا ، أو يصلح جوابا وابتداء فلا يجعل جوابا فلا يكون إقرارا .
قال : ( ومن أقر بدين مؤجل وادعى المقر له أنه حال استحلف على الأجل ) لأنه أقر بالمال ثم ادعى حقا وهو التأجيل ، والمقر له ينكر فيحلف لأن اليمين على المنكر .
قال : ( ومن أقر بثوب في منديل ) أو في ثوب . ألزماه ) معناه أقر بالغصب ، لأن الثوب يلف في منديل وفي ثوب آخر ، فكان ذلك ظرفا له .
[ ص: 404 ] ولو قال : ثوبي في عشرة أثواب لزمه أحد عشر ثوبا عند محمد ؛ لأن النفيس من الثياب يلف في عشرة وأكثر ، وإذا جاز ذلك يحمل على الظرف . وقال أبو يوسف : لا يلزمه إلا ثوب واحد لأنه غير معتاد وإن كان نادرا ، والأصل براءة الذمة فلا يجب ، ويحمل على معنى بين كقوله تعالى : ( فادخلي في عبادي ) .
قال : ( ومن أقر بخمسة في خمسة لزمه خمسة ، وإن أراد الضرب ) لأن الضرب لا يكثر المال المضروب وإنما يكثر الأجزاء ، وتكثير أجزاء الدرهم توجب تعدده . وعند زفر يجب خمسة وعشرون لعرف الحساب .
( ولو قال له : علي من درهم إلى عشرة ، أو ما بين درهم إلى عشرة لزمه تسعة ) وقالا : يلزمه عشرة . وقال زفر : ثمانية يسقط الغايتان ويبقى ما بينهما وهو القياس ، كقوله له : من هذا الحائط إلى هذا الحائط ليس له شيء من الحائطين . ولهما وهو الاستحسان أن مثل هذا الكلام يراد به الكل كما يقول لغيره : خذ من دراهمي من درهم إلى عشرة ، فله أن يأخذ عشرة وتدخل الغايتان ، ولأبي حنيفة أن هذا الكلام يذكر لإرادة الأقل من الأكثر والأكثر من الأقل . قال - عليه الصلاة والسلام - : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10346596أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين " والمراد فوق الستين ودون السبعين ، وكذلك في العرف تقول : عمري من ستين إلى سبعين ، ويريدون به أكثر من ستين وأقل من سبعين ، والجميع إنما يراد فيما طريقه التكرم والسماحة إظهارا لهما كما ذكراه من النظير ؛ ولأنه لا بد من دخول الغاية الأولى ليبتنى الحكم عليها ؛ لأنه لولا ثبوتها يصير ما بعدها غاية في الابتداء فتنتفي أيضا ، فاحتجنا إلى ثبوت الغاية ابتداء ولا حاجة إلى الأخيرة ، بخلاف نظير زفر ؛ لأن الحائط غاية موجودة قبل الإقرار فلا حاجة إلى غيره .
قال : ( ويجوز الإقرار بالحمل ، وله إذا بين سببا صالحا للملك ) أما الإقرار به فلأنه يجوز أنه أوصى به آخر ، والإقرار مظهر له فيحمل عليه تصحيحا لإقراره وأما له ، أما إذا ذكر سببا صالحا [ ص: 405 ] كالإرث والوصية صح الإقرار لصلاحية السبب ، وإن ذكر سببا غير صالح كالبيع منه والقرض والإجارة ونحوها لا يصح للاستحالة ، وإن سكت قال محمد : يصح ويحمل على الأسباب الصالحة تصحيحا لإقراره . وقال أبو يوسف لا يصح ؛ لأن مطلق الإقرار ينصرف إلى الواجب بالمعاملات عادة فلا يصح ، والأصل براءة الذمم . وإذا صح الإقرار ، فإن ولد في مدة يعلم وجوده وقت الإقرار لزم ، ولو جاءت بولدين فهو بينهما وإن ولد ميتا فالمال لمورثه ومن أوصى له ويكون بين ورثتهما ، لأن المال إنما ينتقل إلى الجنين بعد الولادة ، ولم ينتقل لعدم الأهلية فبقي على ملك المورث والموصي فيورث عنهما .