من لم يقدر على استعمال الماء لبعده ميلا أو لمرض ( ف ) أو برد ( ف ) أو خوف عدو أو عطش أو عدم آلة ، يتيمم بما كان من أجزاء الأرض كالتراب والرمل والجص ( فس ) والكحل ( فس ) ، ولا بد فيه من الطهارة والنية ( ز ) ، ويستوي فيه المحدث والجنب والحائض . وصفة التيمم أن يضرب بيديه على الصعيد فينفضهما ثم يمسح بهما وجهه ، ثم يضربهما كذلك ، ويمسح بكل كف ظهر ذراع الأخرى وباطنها مع المرفق ( ف ) والاستيعاب شرط ، ويجوز قبل الوقت ( ف ) وقبل طلب الماء ( ف ) ، - ولو صلى بالتيمم - ثم وجد الماء لم يعد ، وإن وجده في خلال الصلاة توضأ ( ف ) واستقبل ، ويصلي بالتيمم الواحد ما شاء ( ف ) من الصلوات كالوضوء; ويستحب تأخير الصلاة لمن طمع في الماء ، وتجوز الصلاة على الجنازة ( ف ) بالتيمم إذا خاف فوتها لو توضأ ، وكذلك صلاة العيد ( ف ) ، ولا يجوز للجمعة وإن خاف الفوت ، ولا للفرض إذا خاف فوت الوقت ، وينقضه نواقض الوضوء والقدرة على الماء واستعماله ولو صلى المسافر بالتيمم ونسي الماء في رحله لم يعد ( فس ) ، ويطلب الماء من رفيقه فإن منعه تيمم ، ويشتري الماء بثمن المثل إذا كان قادرا عليه ، ولا يجب عليه أن يشتريه بأكثر ، ولا يجمع بين الوضوء والتيمم ، فمن كان به جراحة غسل بدنه إلا موضعها ، ولا يتيمم لها .
( يتيمم بما كان من أجزاء الأرض كالتراب والرمل والجص والكحل ) أما بعد الماء فلقوله تعالى : ( فلم تجدوا ماء فتيمموا ) ، وأما التقدير بالميل فلما يلحقه من الحرج بذهابه إليه وإيابه ، والميل : ثلث فرسخ ، وأما المرض فللآية ، وسواء خاف ازدياد المرض أو طوله ، أو خاف من برد الماء أو من التحريك للاستعمال ; لأن الآية لا تفصل ، وكذلك الصحيح إذا خاف المرض من استعمال الماء البارد لما فيه من الحرج ، ويستوي فيه المصر وخارجه .
وقالا : لا يجوز التيمم في المصر ; لأن الغالب قدرته على الماء المسخن . قلنا لا نسلم ذلك في حق الغريب الفقير ، على أن الكلام عند عدم القدرة فيكون عاجزا فيتيمم بالنص ، وكذلك لو حال بينه وبين الماء عدو أو سبع لأنه عادم حقيقة ، وكذلك إن كان معه ماء ويخاف العطش لو استعمله فإنه يتيمم ، لأنه عادم حكما ، إما لخوف الهلاك ، أو لأنه مشغول بالأهم فصار عادما ، وكذلك إذا كان على بئر وليس معه ما يستقي به لأنه عادم أيضا حكما ، ويتيمم بما كان من أجزاء الأرض لقوله تعالى : ( صعيدا طيبا ) والصعيد : ما يصعد على وجه الأرض لغة ، والطيب : الطاهر ، وحمله على ذلك أولى من حمله على المنبت ; لأن المراد من الآية التطهير لقوله تعالى : ( ولكن يريد ليطهركم ) فكان إرادة الطاهر أليق ، وهو حجة على أبي يوسف في التخصيص بالتراب والرمل ، وعلى الشافعي في التخصيص بالتراب لا غير بناء على أن المراد بالطيب المنبت ؛ لأن الطيب اسم مشترك بين الطاهر والمنبت والحلال . وإرادة ما ذكرنا أولى لما بينا ، ثم كل ما لا يلين ولا ينطبع بالنار فهو من جنس الأرض ، وكل ما يلين وينطبع أو يحترق فيصير رمادا ليس من جنس الأرض ؛ لأن من طبع الأرض أن لا تلين بالنار .
( ولا بد فيه من الطهارة ) لما قدمنا . ( و ) لا بد من ( النية ) وهي أن ينوي رفع الحدث أو استباحة الصلاة . وقال زفر : لا تشترط النية كالوضوء . ولنا أنه مأمور بالتيمم وهو القصد ، والقصد : النية فلا بد منها ، بخلاف الوضوء فإنه مأمور بغسل الأعضاء وقد وجد ، ثم التراب ملوث ومغبر ، وإنما يصير مطهرا ضرورة إرادة الصلاة وذلك بالنية [ ص: 29 ] بخلاف الوضوء ; لأن الماء مطهر في نفسه فاستغنى في وقوعه طهارة عن النية ، لكن يحتاج إليها في وقوعه عبادة وقربة .
( والاستيعاب شرط ) حتى يخلل أصابعه ذكره محمد في الأصل ، وهو ظاهر الرواية اعتبارا بالوضوء . وروى الحسن في المجرد عن أبي حنيفة إذا يمم الأكثر جاز لما فيه من الحرج والأول أصح .
( ويجوز قبل الوقت ) تمكينا له من الأداء في أول الوقت ، وكما في الوضوء لأنه خلفه .
( ويجوز قبل طلب الماء ) لأنه عادم حقيقة ، والظاهر العدم في المفاوز إلا إذا غلب على ظنه أن بقربه ماء فلا يجوز ما لم يطلب لأنه واجد نظرا إلى الدليل ، والدليل إخبار أو علامة يستدل بها على الماء ويطلبه مقدار غلوة ، وهي مقدار رمية سهم ولا يبلغ ميلا ، وقيل مقدار ما لا ينقطع عن رفقائه .
قال : ( ولو صلى المسافر بالتيمم ونسي الماء في رحله لم يعد ) وقال أبو يوسف : يعيد لأنه تيمم قبل الطلب مع الدليل ، فإن الرحل لا يخلو عن الماء عادة ، وصار كما إذا صلى عريانا ونسي الثوب ، أو كفر بالصوم ونسي المال . ولهما أنه عاجز عن استعمال الماء لأنه لا قدرة عليه مع النسيان ، وعجزه بأمر سماوي وهو النسيان ، قال - عليه الصلاة والسلام - للذي أفطر ناسيا : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10346119إنما أطعمك ربك وسقاك " بخلاف المحبوس ; لأن العجز من جهة العباد فلا يؤثر في إسقاط حق الشرع فلا يجوز له التيمم . وأما مسألة الثوب فممنوعة على الصحيح ، ولئن سلمت فالفرق أن الوضوء فات إلى خلف وستر العورة فات لا إلى خلف . وأما مسألة الكفارة فالفرق أن شرط جواز الصوم عدم كون الماء في ملكه ولم يوجد وشرط جواز التيمم العجز عن استعمال الماء وقد وجد ، والرحل عادة لا يخلو عن ماء الشرب ، أما ماء الوضوء فالغالب العدم فيه ، ولو ظن أن ماءه قد فني ولم يتيقن لم يجز تيممه ؛ لأن اليقين لا يزول بالظن .
( ويطلب الماء من رفيقه ) لاحتمال أن يعطيه .
( فإن منعه تيمم ) لأن بالمنع صار عادما للماء ، وإن تيمم قبل الطلب جاز عند أبي حنيفة لأنه عاجز ولا يجب عليه الطلب ، وعند أبي يوسف لا يجوز لأن الماء مبذول عادة فصار كالموجود ، وعلى قياس قول محمد إن غلب على ظنه أنه يعطيه لا يجوز ، وإلا يجوز .
( ويشتري الماء بثمن المثل إذا كان قادرا عليه ) لأن القدرة على البدل قدرة على المبدل . ( ولا يجب عليه أن يشتريه بأكثر ) والكثير : ما فيه غبن فاحش ، وهو ضعف ثمن المثل في ذلك المكان لأنه ضرر به . وروى الحسن عن أبي حنيفة إذا قدر أن يشتري ما يساوي درهما بدرهم ونصف لا يتيمم ، وقيل يعتبر الغبن الفاحش ، وهو ما لا يدخل تحت تقويم المقومين .
[ ص: 32 ] قال : ( ولا يجمع بين الوضوء والتيمم ، فمن كان به جراحة ) يضرها الماء ووجب عليه الغسل . ( غسل بدنه إلا موضعها ولا يتيمم لها ) ، وكذلك إن كانت الجراحة في شيء من أعضاء الوضوء غسل الباقي إلا موضعها . ولا يتيمم لها وإن كان الجراح أو الجدري في أكثر جسده فإنه يتيمم ولا يغسل بقية جسده ؛ لأن الجمع بينهما جمع بين البدل والمبدل ولا نظير له في الشرع ، بخلاف الجمع بين التيمم وسؤر الحمار ; لأن الفرض يتأدى بأحدهما لا بهما ، فجمعنا بينهما لمكان الشك . وإن كان النصف جريحا والنصف صحيحا لا رواية فيه ، واختلف فيه المشايخ ، فمنهم من أوجب التيمم لأنه طهارة كاملة ، ومنهم من أوجب غسل الصحيح ومسح الجريح إذا لم يضره المسح لأنها طهارة حقيقية وحكمية فكان أولى ، والأول أحسن .