وحكمه أنه حي في حق نفسه وميت في حق غيره ، ويقيم القاضي من يحفظ ماله ويستوفي غلاته فيما لا وكيل له فيه ، ويبيع من أمواله ما يخاف عليه الهلاك ، وينفق من ماله على من تجب عليه نفقته حال حضوره بغير قضاء ، فإن مضى له من العمر ما لا يعيش أقرانه حكم بموته .
المفقود : المعدوم ، وفقدت الشيء : إذا طلبته فلم تجده ، قال الله - تعالى - : ( قالوا نفقد صواع الملك ) أي طلبناه فلم نجده فقد عدم .
وفي الشرع : الذي غاب عن أهله وبلده أو أسره العدو ولم يدر أحي هو أم ميت ، ولا يعلم له مكان ومضى على ذلك زمان فهو معدوم بهذا الاعتبار ( وحكمه أنه حي في حق نفسه ) لا تتزوج امرأته ولا يقسم ماله ولا تفسخ إجارته ; لأن ملكه كان ثابتا في ماله وزوجته ومنافع ما استأجره ، وغيبوبته لا توجب الفرقة ، والموت محتمل ، فلا يزول الثابت باليقين بالاحتمال . وقال - عليه الصلاة والسلام - في امرأة المفقود : " هي امرأته حتى يأتيها البيان " رواه nindex.php?page=showalam&ids=19المغيرة بن شعبة . وعن علي - رضي الله عنه - : إنها امرأة ابتليت فلتصبر حتى يأتيها موت أو طلاق . وروى nindex.php?page=showalam&ids=16330عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عمر كان يقول : يفرق بينه وبين امرأته إذا مضت أربع سنين ، ثم رجع إلى قول علي .
قال ( و ) هو ( ميت في حق غيره ) لا يرث ممن مات حال غيبته ; لأن الحكم ببقائه بناء على استصحاب الحال وأنه يصلح للدفع لا للاستحقاق . قال : ( ويقيم القاضي من يحفظ ماله [ ص: 50 ] ويستوفي غلاته فيما لا وكيل له فيه ، ويبيع من أمواله ما يخاف عليه الهلاك ) ; لأن القاضي نصب لمصالح المسلمين نظرا لمن عجز عن التصرف بنفسه كما قلنا في الصبي والمجنون ، والمفقود عاجز بنفسه فيتصرف له القاضي ، والنظر له فيما ذكرنا ، فيقبض دينا أقر به الغريم ولا يخاصم لأنه وكيل في القبض من جهته وأنه لا يملك الخصومة بالإجماع ; لأن القاضي يلي الحفظ دون الخصومة ، ولا يبيع ما لا يخاف عليه الهلاك لا في نفقة ولا غيرها إذ لا نظر في ذلك . قال : ( وينفق من ماله على من تجب عليه نفقته حال حضوره بغير قضاء ) كزوجته وأولاده وأبويه لأنه إعانة لهم ، وكل من لا يستحقها بحضرته إلا بقضاء فإنه لا ينفق عليه كالأخ والأخت ونحوهما لأنه قضاء على الغائب ، والمراد بقوله : من ماله النقدان لأنهما قيمة ما يستحقون من المطعوم والمشروب والملبوس ، ولو كان له من جنس ما يستحقونه دفعه إليهم ، وإن كان ماله دينا أو وديعة ، فإن اعترف المديون والمودع بالمال والزوجية والنسب أنفق عليهم منه ، وإن كان ذلك ثابتا عند القاضي فلا حاجة إلى اعترافهم ، وإن ثبت عند القاضي بعض ذلك يشترط اعترافهما بالباقي ، ولو أنفق المديون والمودع عليهم بغير إذن القاضي ضمنا لأنهما ما أوصلا الحق إلى مالكه ولا نائبه .
قال : ( فإن مضى له من العمر ما لا يعيش أقرانه حكم بموته ) وهو الأقيس على قول أبي حنيفة لاختلاف الأعمار باختلاف الأزمان . وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه قدره بمائة وعشرين سنة . وعن أبي يوسف مائة سنة ، وقيل تسعين سنة ، وهو غاية ما تنتهي إليه أعمار أهل زماننا في الأعم الأغلب ، وهو الأرفق لأن في التفحص عن موت الأقران حرجا ، وباقي مسائل المفقود تأتي في الفرائض إن شاء الله تعالى .