الموات : ما لا ينتفع به من الأراضي ، وليس ملك مسلم ولا ذمي ، وهو بعيد من العمران ، إذا وقف إنسان بطرف العمران ونادى بأعلى صوته لا يسمع ، من أحياه بإذن الإمام ( سم ) ملكه مسلما كان أو ذميا ، ولا يجوز إحياء ما قرب من العامر ، ومن حجر أرضا ثلاث سنين فلم يزرعها دفعها الإمام إلى غيره .
ومن حفر بئرا في موات فحريمها أربعون ذراعا من كل جانب للناضح ( سم ) والعطن ، فمن أراد أن يحفر في حريمها منع ، وحريم العين من كل جانب خمسمائة ذراع ، والقناة عند خروج الماء كالعين ، ولا حريم للنهر الطاهر ( سم ) إذا كان في ملك الغير إلا ببينة ، وكذا لو حفره في أرض موات لا حريم له ، ولو غرس شجرة في أرض موات فحريمها من كل جانب خمسة أذرع ، وما عدل عنه الفرات ودجلة يجوز إحياؤه إن لم يحتمل عوده إليه ، وإن احتمل عوده لا يجوز .
[ ص: 89 ] كتاب إحياء الموات
( الموات : ما لا ينتفع به من الأراضي ) لانقطاع الماء عنه ، أو لغلبته عليه ، أو كونها حجرا أو سبخة ونحو ذلك مما يمنع الزراعة ، سميت بذلك لعدم الانتفاع بها كالميت لا ينتفع به ، فما كان كذلك ( وليس ملك مسلم ولا ذمي وهو بعيد عن العمران ، إذا وقف إنسان بطرف العمران ونادى بأعلى صوته لا يسمع : من أحياه بإذن الإمام ملكه مسلما كان أو ذميا ) ; لأن ما كان قريبا من العمران يرتفق الناس به عادة فيطرحون به البيادر ويرعون فيه المواشي .
ولأبي حنيفة قوله - عليه الصلاة والسلام - : " ليس للمرء إلا ما طابت به نفس إمامه " ، والمراد به في المباحات ، إلا أن الحطب والحشيش والماء خص عنه بالحديث ، فبقي الباقي على [ ص: 90 ] الأصل ، وحديثهما محمول على الإذن لقوم مخصوصين توفيقا بين الحديثين ، ولأنه وصل إلى يد المسلمين بالقتال والغلبة فيكون غنيمة ، ولا يحل لأحد بدون إذن الإمام كسائر الغنائم ، والمسلم والذمي سواء ; لأن الإحياء سبب الملك فيستويان فيه كسائر الأسباب ، ويجب فيها العشر على المسلم والخراج على الذمي ; لأنه ابتداء وضع ، فيجب على كل واحد ما يليق به ، إن سقاه بماء الخراج يعتبر بالماء ، والإحياء : أن يبني فيها بناء ، أو يزرع فيها زرعا ، أو يجعل للأرض مسناة ونحو ذلك ، ويكون له موضع البناء والزرع دون غيره .
وقال أبو يوسف : إن عمر أكثر من النصف كان إحياء لجميعها ، وإن عمر نصفها له ما عمر دون الباقي . وذكر ابن سماعة عن أبي حنيفة إن حفر فيها بئرا أو ساق إليها ماء فقد أحياها زرع أو لم يزرع ، ولو شق فيها أنهارا لم يكن إحياء إلا أن يجري فيها ماء فيكون إحياء .
( ولا يجوز إحياء ما قرب من العامر ) لما بينا ، ومن أحيا مواتا ثم أحاط الإحياء بجوانبه الأربعة على التعاقب فطريق الأول في الأرض من الرابعة لتعينها ، روي ذلك عن محمد . ومن أحيا مواتا ثم تركها فزرعها آخر ، قيل هي للثاني لأن الأول ملك استغلالها لا رقبتها ، وقيل هي للأول وهو الأصح ; لأنها ملكه بلام الملك في الحديث .
قال : ( ومن حجر أرضا ثلاث سنين فلم يزرعها دفعها الإمام إلى غيره ) ; لأن التحجير ليس بإحياء ، والإمام دفعها لتحصيل المصلحة من العشر والخراج ، فإذا لم يحصل دفعها إلى غيره ليحصل .
وسمي تحجيرا لوجهين : أحدهما من الحجر وهو المنع ; لأنه يمنع غيره عنها . الثاني أنهم يضعون الأحجار حولها تعليما لحدودها لئلا يشركهم فيها أحد . والتحجير أن يعلمها بعلامة بأن وضع الحجارة أو غرس حولها أغصانا يابسة أو قلع الحشيش أو أحرق الشوك ونحوه فإنه تحجير ، وهو استيام وليس بإحياء ، ولهذا لو أحياها غيره قبل ثلاث سنين ملكها لأنه أحياها ، كما يكره السوم على سوم أخيه ، ولو عقد جاز العقد ، والتقدير بثلاث سنين مروي عن عمر - رضي الله عنه - فإنه قال : من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس للمحجر بعد ثلاث حق .
[ ص: 91 ] قال : ( ومن حفر بئرا في موات فحريمها أربعون ذراعا من كل جانب للناضح والعطن ) عند أبي حنيفة ( فمن أراد أن يحفر في حريمها منع ) ; لأن في الأراضي الرخوة يتحول الماء إلى ما يحفر دونها فيؤدي إلى اختلال حقه ، ولأنه ملك الحريم ليتمكن من الانتفاع به وذلك يمنعه .
وقال أبو يوسف ومحمد : إن كانت للناضح فستون لحديث nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " حريم العين خمسمائة ذراع ، وحريم بئر العطن أربعون ذراعا ، وحريم بئر الناضح ستون ذراعا " ، ولأنه يحتاج فيها إلى سير الدابة للاستقاء وقد يطول الرشا وبئر العطن يستقي منها بيده فكانت الحاجة أقل .
وقال أبو حنيفة : جعل في حديث nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ستين ذراعا حريما لمد الحبل لا أنه يملك ما زاد على الأربعين ، ولو احتاج إلى سبعين يمد الحبل إليه ، وكان له مد الحبل لا أنه يملكه . وذكر في النوادر عن محمد : أن حريم بئر الناضح بقدر الحبل سبعون كان أو أكثر ، والعطن : مبرر الإبل حول الماء ، يقال : عطنت الإبل فهي عاطنة وعواطن إذا سقيت وتركت عند الحياض لتعاد إلى الشرب ، والنواضح : الإبل التي تسقى الماء ، والواحد ناضح ، وفي الحديث : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10346683كل ما سقي من الزرع نضحا ففيه نصف العشر " .
قال : ( وحريم العين من كل جانب خمسمائة ذراع ) لما سبق من الحديث ، ولأن العين [ ص: 92 ] تستخرج للزراعة ، ولا بد من موضع حوض يجمع فيه الماء ، وساقية يجري فيها الماء إلى المزارع فاحتاج إلى مسافة أكثر من البئر .
قال : ( والقناة عند خروج الماء كالعين ) وقبله قيل : هو مفوض إلى رأي الإمام ; لأنه لا بد للقناة من الحريم لملقى طينه ما لم يظهر ، فإذا ظهر فهو كالعين الفوارة ، قيل هو قولهما . أما على قول أبي حنيفة : لا حريم للقناة ما لم يظهر الماء ; لأنه نهر مطوي فيعتبر بالنهر الظاهر ، ( ولا حريم للنهر الظاهر ) عند أبي حنيفة ( إذا كان في ملك الغير إلا ببينة ، وكذا لو حفره في أرض موات لا حريم له ) خلافا لهما .
وقال المحققون من مشايخنا : للنهر حريم بقدر ما يحتاج إليه لإلقاء الطين ونحوه بالاتفاق . ثم قال أبو يوسف : حريمه مقدار عرض نصف النهر من كل جانب ; لأن المعتبر الحاجة الغالبة ، وذلك بنقل ترابه إلى حافتيه فيكفي ما ذكرنا .
وقال محمد : عرض جميع النهر من كل جانب ; لأنه قد لا يمكنه إلقاء التراب من الجانبين فيحتاج إلى إلقائه في أحدهما فيقدر في كل طرف ببطن النهر والحوض على هذا الاختلاف . لهما أنه لا انتفاع بالنهر والحوض إلا بالحريم لأنه يحتاج إلى المشي فيه لتسييل الماء ، ولا يكون ذلك عادة في بطنه وإلى إلقاء الطين وأنه يحرج بنقله ، فوجب أن يكون له حريم كالبئر .
وله أن الحريم على خلاف القياس لما مر تركناه في البئر بالحديث ، ولأن الحاجة في البئر أكثر لأنه لا يمكن الانتفاع بماء البئر بدون الاستسقاء ولا استسقاء إلا بالحريم . أما النهر يمكن الانتفاع بمائه بدون الحريم .
ثم قال : ( ولو غرس شجرة في أرض موات فحريمها من كل جانب خمسة أذرع ) ليس لغيره أن يغرس فيه ، لما روي : " أن رجلا غرس شجرة في أرض فلاة ، فجاء آخر وأراد أن يغرس شجرة إلى جانب شجرته ، فشكا الأول إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأمر أن يؤخذ من شجرته جريدة فتذرع ، فبلغ خمسة أذرع ، فجعل له - صلى الله عليه وسلم - الحريم من كل جانب خمسة أذرع وأطلق للآخر فيما وراء ذلك " . هذا الحديث ذكره أبو داود في سننه ، وذكر في رواية : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10346685سبعة أذرع " . قال [ ص: 93 ] في المحيط : هذا حديث صحيح يجب العمل به .
قال : ( وما عدل عنه الفرات ودجلة يجوز إحياؤه إن لم يحتمل عوده إليه ) ; لأنه كالموات وهو في يد الإمام إذا لم يكن حريما لعامر ( وإن احتمل عوده لا يجوز ) لحاجة العامة إليه ، والله - عز وجل - أعلم بالصواب .