تزوج ذمي ذمية على أن لا مهر لها أو على ميتة ، وذلك عندهم جائز جاز ولا مهر لها ( سم ) ، وإن تزوجها بغير شهود أو في عدة ( سم ) كافر آخر جاز إن دانوه ، ولو أسلما أقرا عليه ، ولو تزوجها على خمر أو خنزير ثم أسلما أو أحدهما فلها ذلك ( سم ) إن كانا عينين ، وإلا فقيمة الخمر ومهر المثل في الخنزير ، وإذا أسلم المجوسي فرق بينه وبين من تزوج من محارمه ، ولا يجوز نكاح المرتد والمرتدة ، والولد يتبع خير الأبوين دينا ، والكتابي خير من المجوسي ، وإذا أسلمت امرأة الكافر عرض عليه الإسلام ، فإن أسلم فهي امرأته ، وإلا فرق بينهما ، وتكون الفرقة طلاقا ( س ) ، وإن أسلم زوج المجوسية فإن أسلمت وإلا فرق بينهما بغير طلاق ، وإن كان الإسلام في دار الحرب تتوقف البينونة في المسألتين على ثلاث حيض قبل إسلام الآخر ، وإذا خرج أحد الزوجين إلينا مسلما وقعت البينونة بينهما ، وكذا إن سبي أحدهما ، ولو سبيا معا لم تقع ، وإذا خرجت المرأة إلينا مهاجرة لا عدة ( سم ) عليها ، وإذا ارتد أحد الزوجين وقعت الفرقة بغير طلاق ( م ) ، ثم إن كان المرتد الزوجة بعد الدخول فلها المهر ، وقبله لا شيء لها ولا نفقة ، وإن كان الزوج فالكل بعده والنصف قبله ، وإن ارتدا معا ثم أسلما معا فهما على نكاحهما .
فصل
[ زواج الذمي والمجوسي ]
( تزوج ذمي ذمية على أن لا مهر لها أو على ميتة ، وذلك عندهم جائز جاز ولا مهر لها ) وقالا : لها مهر مثلها إن مات عنها أو دخل بها ، وإن طلقها قبل الدخول فلها المتعة لأنهم التزموا أحكامنا في المعاملات فصار كالربا ، وله قوله - عليه الصلاة والسلام - : " اتركوهم وما يدينون " وما التزموا أحكامنا فيما يعتقدون خلافه ، وعقد الذمة منع إلزامهم بالسيف ، والحجة بخلاف الربا لأنه مستثنى من عقدهم ، قال - عليه الصلاة والسلام - : " إلا من أربى فليس بيننا وبينه عهد " وكذلك الزنا فإنه محرم في جميع الأديان .
[ ص: 149 ] ( وإن تزوجها بغير شهود أو في عدة كافر آخر جاز إن دانوه ، ولو أسلما أقرا عليه ) وقالا : إذا تزوجها في العدة فهو فاسد ، فإن أسلما أو أحدهما أو ترافعا إلينا فرق بينهما ; لأن نكاح المعتدة حرام بالإجماع ، وحرمة النكاح بغير شهود مختلف فيه ، وهم التزموا أحكامنا ولم يلتزموها بجميع الاختلافات . وله أنهم غير مخاطبين بفروع الشريعة فلا تثبت الحرمة حقا للشرع ولا للمطلق لأنه لا يعتقدها ، بخلاف العدة من المسلم لأنه يعتقدها ، وحالة المرافعة أو الإسلام حالة البقاء ، والعدة لا تنافيها كالموطوءة بشبهة ، وكذا الشهادة ليست شرطا حالة البقاء .
قال : ( ولو تزوجها على خمر أو خنزير ثم أسلما أو أحدهما فلها ذلك إن كانا عينين ، وإلا فقيمة الخمر ومهر المثل في الخنزير ) ، وقال أبو يوسف : لها مهر المثل في الحالين . وقال محمد : القيمة فيهما . لهما أن الملك يتأكد بالقبض فأشبه العقد ، والإسلام مانع منه فصارا كما إذا كانا دينين .
وإذا امتنع القبض قال أبو يوسف : لو كانا مسلمين عند العقد يجب مهر المثل ، فكذا عند القبض . وقال محمد : صحت التسمية وعجز عن التسليم بالإسلام فتجب القيمة كما إذا كان عبدا فهلك قبل القبض .
ولأبي حنيفة أن الملك تم بنفس العقد في المعين حتى جاز لها التصرف فيه ، وبالقبض ينتقل إلى ضمانها من ضمانه ، والإسلام غير مانع من ذلك كاسترداد الخمر المغصوب ، وخمر المكاتب الذمي إذا عجز ، والمأذون إذا حجر عليه ، وفي غير المعين إنما يملكه بالقبض ، والإسلام مانع منه ، وإذا امتنع القبض فالخمر من ذوات الأمثال والخنزير من ذوات القيم ، فتكون القيمة مقامه فلا يجب ، فتعين مهر المثل وتجب القيمة في الخمر ; لأنها تقوم مقامها .
قال : ( وإذا أسلم المجوسي فرق بينه وبين من تزوج من محارمه ) أما عندهما فظاهر ، وأما عند أبي حنيفة فلأن المحرمية إذا طرأت على النكاح الصحيح تبطله ، ولأنها تنافي بقاء [ ص: 150 ] النكاح ولا كذلك العدة على ما بينا ، ويفرق بينهما بإسلام أحدهما بالإجماع ، ولا يفرق بمرافعة أحدهما عند أبي حنيفة خلافا لهما لقوله - تعالى - : ( فإن جاءوك فاحكم بينهم ) ، ولأن مرافعة أحدهما لا يبطل حق صاحبه لأنه لا يعتقده ، بخلاف ما إذا اتفقا حيث يفرق بينهم لما تلونا ، ولأنهما رضيا بحكمنا فيلزمهما .
قال : ( ولا يجوز نكاح المرتد والمرتدة ) بإجماع الصحابة ، ولأنه لا فائدة فيه لأن المقصود من شرع النكاح مصالحه ، ولا توجد لأن المرتد يقتل والمرتدة تحبس ، أو نقول لا ملة لهما لأنهما خرجا عن الإسلام ، ولا يقران على ما انتقلا إليه ، ويجوز نكاح النصراني المجوسية واليهودية ، واليهودي النصرانية والمجوسية والمجوسي اليهودية والنصرانية ; لأن الكفر كله ملة واحدة ، كذا روي عن عمر - رضي الله عنه - ، ولا كفاءة بين أهل الكفر .
قال : ( والولد يتبع خير الأبوين دينا ) نظرا له حتى لو كان أحدهما مسلما كان مسلما ، ولو أسلم أحدهما ولهما ولد صغير صار مسلما ( والكتابي خير من المجوسي ) حتى يجوز أكل ذبيحة الكتابي ومناكحته دون المجوسي .
قال : ( وإذا أسلمت امرأة الكافر عرض عليه الإسلام ) تحصيلا لمصالح النكاح بالإسلام ; لأنها قد فاتت بإسلامها ( فإن أسلم فهي امرأته ) كما إذا أسلما معا ( وإلا فرق بينهما ) ; لأن الإسلام لا يصلح أن يكون سببا للفرقة لما أنه طاعة وعبادة ، فيجعل إباؤه سببا لفوات مصالح النكاح عقوبة ( وتكون الفرقة طلاقا ) أو قال أبو يوسف : لا تكون طلاقا لأنه سبب يشترك فيه الزوجان فلا يكون طلاقا ، كما إذا ملكها أو ملكته . ولهما أن الزوج ترك الإمساك بالمعروف مع القدرة عليه فينوب عنه القاضي في التسريح بالإحسان ، فيكون قوله كقول الزوج فيكون طلاقا كما في الجب والعنة .
قال : ( وإن أسلم زوج المجوسية ، فإن أسلمت وإلا فرق بينهما بغير طلاق ) ، والفرق أن المرأة ليست من أهل الطلاق فلا ينتقل قول القاضي إليها ، ثم إن كان قبل الدخول فلا مهر لها ; لأن الفرقة جاءت من قبلها ، وإن كان قد دخل بها فلها المهر لأنه تأكد بالدخول .
[ ص: 151 ] ( وإن كان الإسلام في دار الحرب تتوقف البينونة في المسألتين على ثلاث حيض قبل إسلام الآخر ) ; لأنه لا بد من الفرقة بينهما ، ولا قدرة على العرض في دار الحرب فجعلنا ثلاث حيض وهو شرط الفرقة مقام السبب وهو العرض كحافر البئر وغيره ، ثم إذا بانت بثلاث حيض ذكر في السير الكبير أنه طلاق عندهما . وروي أنه فرقة بغير طلاق كأبي يوسف ، ولو أسلم الآخر قبل مضي ثلاث حيض لم تبن منه ، وإن أسلم زوج الكتابية فلا عرض ولا فرقة لأنه يجوز له نكاحها ابتداء ، فلأن يبقى أولى ، ولو أسلم أحد الزوجين وهما صبيان عاقلان عرض الإسلام على الآخر ; لأن الصبي يخاطب بالإسلام حقا للعباد حتى إنه يؤاخذ بحقوق العباد ، فإن أبى فرق بينهما استحسانا إيفاء لحق صاحبه ودفعا للضرر عنه .
قال : ( وإذا خرج أحد الزوجين إلينا مسلما وقعت البينونة بينهما ، وكذا إن سبي أحدهما ، ولو سبيا معا لم تقع ) فسبب البينونة هو التباين دون السبي ; لأن مصالح النكاح لا تحصل مع التباين حقيقة وحكما ; لأن مصالحه إنما تحصل بالاجتماع ، والتباين مانع منه . أما السبي فإنه يقتضي ملك الرقبة وذلك لا ينافي النكاح ابتداء فكذا بقاء .
وأما المستأمن فقصده الرجوع فلم يوجد تباين الدارين حكما .
قال : ( وإذا خرجت المرأة إلينا مهاجرة لا عدة عليها ) ، وقالا : عليها العدة ; لأنها من أحكام الإسلام والفرقة حصلت في دار الإسلام . وله قوله - تعالى - : ( ولا تمسكوا بعصم الكوافر ) نزلت في هذه القضية نقلا عن بعض المفسرين ، ولأنها وجبت إظهارا لخطر النكاح ، ولا خطر لنكاح الحربي ، ولهذا قلنا لا عدة على المسبية .
قال : ( وإذا ارتد أحد الزوجين وقعت الفرقة بغير طلاق ) وقال محمد : إن كان المرتد الزوج فهي طلاق لما مر في الإباء ، وأبو يوسف مر على أصله أيضا . والفرق لأبي حنيفة أن الردة تنافي المحلية كالمحرمية والطلاق رافع فتعذر أن تكون الفرقة طلاقا ، ولهذا لا يحتاج في الفرقة هنا إلى القضاء ، أما الإباء لا ينافي المحلية والنكاح ، ولهذا تتوقف الفرقة على القضاء ، وإنما بالإباء امتنع عن التسريح بالإحسان فناب القاضي منابه على ما بينا .
[ ص: 152 ] ( ثم إن كان المرتد الزوجة بعد الدخول فلها المهر وقبله لا شيء لها ولا نفقة ) وقد مر ، ( وإن كان الزوج فالكل بعده والنصف قبله ) وذكر في الفتاوى لو ارتدت المرأة قيل لا يفسد النكاح زجرا لها ، والصحيح أنه يفسد وتجبر على تجديد النكاح زجرا لها أيضا .
( وإن ارتدا معا ثم أسلما معا فهما على نكاحهما ) لأن بني حنيفة ارتدوا في زمن أبي بكر - رضي الله عنه - ثم أسلموا ، فأقرهم على أنكحتهم ولم يأمرهم بتجديد الأنكحة ، وذلك بمحضر من الصحابة - رضي الله عنهم - من غير نكير من أحدهم فكان إجماعا ، فإن أسلم أحدهما بعد الردة فسد النكاح كما في الابتداء ، ولو قبلها ابن زوجها أو وطئها حرمت على أبيه لما تقدم وسقط مهرها إذا كان قبل الدخول إن كانت مطاوعة لأن الفرقة جاءت من قبلها ، فقد امتنعت عن تسليم المبدل فتمنع البدل كما في البيع ، وإن كانت مكرهة لا يسقط ، وفي الصغيرة لا يسقط في الوجهين جميعا وإن كان يجامع مثلها ; لأنه لا اعتبار بفعلها حتى لا يتعلق به شيء من الأحكام فلا يجب عليها حد ولا تعزير ولا غسل ولا مأثم لعدم الخطاب فكذا هذا ، وإن ارتدت الصغيرة سقط مهرها لأنه إذا حكم بردتها بطلت محلية النكاح فصارت كالكبيرة ، إذ الكلام في التي تعقل الإسلام والردة على ما يأتيك .