[ ص: 176 ] [ كنايات الطلاق ] وكنايات الطلاق لا يقع بها إلا بنية أو بدلالة الحال ، ويقع بائنا إلا اعتدي واستبرئي رحمك وأنت واحدة فيقع بها واحدة رجعية .
وألفاظ البائن قوله : أنت بائن ، بتة ، بتلة ، حرام ، حبلك على غاربك ، خلية ، برية ، الحقي بأهلك ، وهبتك لأهلك ، سرحتك ، فارقتك ، أمرك بيدك ، تقنعي ، استتري ، أنت حرة ، اغربي ، اخرجي ، ابتغي الأزواج . ويصح فيها نية الواحدة والثلاث ، ولو نوى الثنتين فواحدة ، ولو قال لها : اختاري ينوي الطلاق فلها أن تطلق نفسها في مجلس علمها ، ويبطل خيارها بالقيام ، وبتبدل المجلس ، فإذا اختارت نفسها فهي واحدة بائنة ، ولا يكون ثلاثا وإن نواها ، ولا بد من ذكر - النفس أو ما يدل عليه في كلامه أو كلامها ، ولو قال لها : اختاري اختاري اختاري ، فقالت : اخترت اختيارة ، أو قالت : اخترت الأولى أو الوسطى أو الأخيرة فهي ثلاث ( سم ) ، ولو قالت : طلقت نفسي أو اخترت نفسي بتطليقة فهي رجعية ، ولو قال : اختاري نفسك أو أمرك بيدك بتطليقة ، فاختارت نفسها فهي واحدة رجعية ، ولو خيرها فقالت : اخترت نفسي لا بل زوجي لا يقع ، ولو قالت : نفسي أو زوجي لا يقع ، ولو قالت : نفسي وزوجي طلقت ، والأمر باليد كالتخيير يتوقف على المجلس ، إلا أنه إذا قال : أمرك بيدك ونوى الثلاث صح ، ولو قالت في جواب الأمر باليد : اخترت نفسي بواحدة فهي ثلاث ، ولو قال لها : أمرك بيدك فاختارت نفسها يقع ، ولو قال لها : طلقي نفسك فلها أن تطلق في المجلس وتقع واحدة رجعية ، وليس له أن يرجع عنه ، وإن طلقت نفسها ثلاثا وقد أرادها الزوج وقعن ، ولا تصح نية الثنتين ( ز ) إلا أن تكون أمة فيصح ، ولو كانت حرة وقد طلقها واحدة لا يصح نية الثنتين ولو قالت : أبنت نفسي طلقت واحدة رجعية ، ولو قال لها : أمرك بيدك ، فقالت : أنت علي حرام ، أو أنت مني بائن ، أو أنا عليك حرام ، أو أنا منك بائن ، فهو جواب وطلقت ، ولو قالت : أنا منك طالق ، أو أنا طالق وقع ، ولو قال لها : طلقي نفسك متى شئت ، أو متى ما شئت ، أو إذا شئت ، أو إذا ما شئت لا يتقيد بالمجلس ، ولو ردته لا يرتد ، وكذا لو قال لغيره : طلق امرأتي ، ولو قال له : إن شئت . اقتصر على المجلس ( ز ) ، ولو قال لها : طلقي نفسك كلما شئت فلها أن تفرق الثلاث وليس لها أن تجمعها ، ولو قال : طلقي نفسك ثلاثا فطلقت واحدة فهي واحدة ، ولو قال : واحدة فطلقت ثلاثا لم يقع شيء ( سم ) ، ولو قال لها : طلقي نفسك واحدة أملك الرجعة ، فقالت : طلقت نفسي واحدة بائنة فهي رجعية ، ولو قال : واحدة بائنة ، فقالت : طلقت رجعية فهي بائنة ، ولو قال لها : أنت طالق كيف شئت وقعت واحدة رجعية وإن لم تشأ ، فإن شاءت بائنة أو ثلاثا وقد أراد الزوج ذلك وقع ، وإن اختلفت مشيئتها وإرادته فواحدة ( سم ) رجعية ، ولو قال : أنت طالق ما شئت أو كم شئت فلها أن تطلق نفسها ما شاءت ، ولو قال لها : طلقي نفسك من ثلاث ما شئت فليس لها أن تطلق ثلاثا وتطلق ما دونها ( سم ) .
( وكنايات الطلاق لا يقع بها إلا بنية أو بدلالة الحال ) لاحتمالها الطلاق وغيره لأنها غير موضوعة له فلا يتعين إلا بالتعيين ، وهو أن ينويه أو تدل عليه الحال فتترجح إرادته . قال : ( ويقع بائنا ) لأنه يملك إيقاع البائن وأنه أحد نوعي البينونة فيملكه كالثلاث وقد أوقعه بقوله : أنت بائن أو أنت طالق بائن أو أبنتك بطلقة ونحو ذلك ، فإن هذه الألفاظ تدل على البينونة بصريحها ومعناها ، فإن قوله بائن صريح . وبتة وبتلة ينبئان عن القطع وذلك في البائن دون الرجعي ، وكذا سائر الألفاظ إذا تأملت معناها .
قال : ( إلا اعتدي واستبرئي رحمك وأنت واحدة فيقع بها واحدة رجعية ) لأن قوله : اعتدي يحتمل اعتدي نعم الله تعالى ، ويحتمل اعتدي عدة الطلاق فإذا نواها يصير كأنه قال : طلقتك فاعتدي ، وذلك يوجب الرجعة . وأما قوله : استبرئي رحمك فلأنه يستعمل للعدة إذ هو المقصود منها ، ويحتمل استبرئي لأطلقك ، فإن نوى الأول كان في معناه فيكون رجعيا لما مر .
وقوله : أنت واحدة يصلح نعتا لمصدر محذوف ويصلح وصفا لها بالتوحيد عنده ، فإذا نوى الطلاق تعين الأول ومثله جائز كقوله : أعطيتك جزيلا أي عطاء جزيلا ، وإذا احتمله فإذا نواه تعين مجملا فيصير كأنه قال : أنت طالق طلقة واحدة ، ولو قال ذلك كان رجعيا فكذا هذا ، ولهذا قال بعض أصحابنا : إذا أعرب الواحدة بالرفع لا يقع شيء وإن نوى ؛ لأنه صفة لشخصها ، وإن أعرب بالنصب تقع واحدة من غير نية لأنه نعت مصدر محذوف ، وإن سكن يحتاج إلى نيته ، وعامة المشايخ قالوا : الكل سواء ، لأن العامة لا يميزون بين ذلك فلا يبنى حكم يرجع إليهم عليه .
ولا يقع بهذه الألفاظ الثلاثة إلا واحدة ، لأن قوله : أنت طالق مضمر فيها أو مقتضى ، ولو أظهر لا يقع إلا واحدة لما بينا ، كذا هذا .
( ولو نوى الثنتين فواحدة ) لأنهما عدد واللفظ لا يدل على العدد ، وفيه خلاف زفر وقد تقدم ، ولا يقع إلا بالنية أو في حال مذاكرة الطلاق لأنه دليل عليه فيقع في القضاء ولا يقع ديانة إلا بالنية ، وتقع واحدة لأنه أدنى .
ثم هي ثلاثة أقسام : منها ما يصلح جوابا لا غير ، وهي ثلاثة : أمرك بيدك ، اختاري ، اعتدي .
ومنها ما يصلح جوابا وردا لا غير ، وهي سبعة : اخرجي ، اذهبي ، اغربي ، قومي ، تقنعي ، استتري ، تخمري .
ومنها ما يصلح جوابا وردا وشتيمة ، وهي خمسة : خلية ، برية ، بتة ، بائن ، حرام . وعن أبي يوسف أنه ألحق بالقسم الأول خمسة أخرى : خليت سبيلك ، سرحتك ، لا ملك لي عليك ، لا سبيل لي عليك ، الحقي بأهلك .
والأحوال ثلاثة : حالة مطلقة وهي حالة الرضا ، وحالة مذاكرة طلاقها ، وحالة غضب .
أما حالة الرضا فلا يقع الطلاق بشيء من ذلك إلا بالنية لما تقدم ، والقول قول الزوج في عدم النية لأنه لا يطلع غيره عليه والحال لا يدل عليه .
وفي حال مذاكرة الطلاق يقع الطلاق قضاء ولا يصدق على عدمه إلا فيما يصلح جوابا وردا لأنه لا يحتمل الرد وهو الأدنى فيصدق فيه .
وفي حالة الغضب يصدق إلا فيما يصلح جوابا لا غير ، لأنه يصلح للطلاق الذي يدل عليه الغضب فيجعل طلاقا .
[ ص: 178 ] قال : ( ولو قال لها : اختاري . ينوي الطلاق فلها أن تطلق نفسها في مجلس علمها ) فإن كانت حاضرة فبسماعها ، وإن كانت غائبة فبالإخبار لأن المخيرة لها المجلس بإجماع الصحابة رضي الله عنهم ، ولأنه ملكها فعل الاختيار ، والتمليكات تقتضي جوابا في المجلس كالبيع والهبة ونحوهما .
( ويبطل خيارها بالقيام ) لأنه دليل الإعراض ( وبتبدل المجلس ) حقيقة بالانتقال إلى مجلس آخر ، ومعنى بتبدل الأفعال ، فمجلس الأكل غير مجلس القتال ، ومجلس القتال غير مجلس البيع والشراء ، ويبطل بتبدل المجلس وإن كانت معذورة ؛ فإن محمدا رحمه الله قال : إذا أخذ الزوج بيدها وأقامها من المجلس بطل خيارها ، ولو كانت في صلاة مكتوبة أو وتر فأتمتها لا يبطل ، وكذا في التطوع إن أتمت ركعتين لأنها ممنوعة عن قطعها ، وإن أتمت أربعا بطل لأن الزيادة على ركعتين في النفل كالدخول في صلاة أخرى . وعن محمد في الأربع قبل الظهر لا تبطل وإن أتمتها أربعا ، وهو الصحيح ، ولو كانت قائمة فقعدت فهي على خيارها لأنه دليل التروي ، فإن القعود أجمع للرأي ، وكذا إذا كانت قاعدة فاتكأت ، أو متكئة فقعدت ، لأنه انتقال من جلسة إلى جلسة وليس بإعراض ، كما إذا تربعت بعد أن كانت محتبية . وقيل إذا كانت قاعدة فاتكأت بطل خيارها لأنه إظهار للتهاون بالأمر فكان إعراضا ، والأول أصح ، ولو كانت قاعدة فاضطجعت فعن أبي يوسف روايتان ، وإن كانت تسير على دابة أو في محمل فوقفت فهي على خيارها ، وإن سارت بطل خيارها ، إلا أن تختار مع سكوت الزوج ، لأن سير الدابة ووقوفها مضاف إليها ، فإذا سارت كان كمجلس آخر .
( ولا يكون ثلاثا وإن نواها ) لأن الاختيار لا يتنوع .
( ولا بد من ذكر النفس أو ما يدل عليه في كلامه أو كلامها ) مثل أن يقول : اختاري نفسك فتقول : اخترت ، أو يقول لها : اختاري فتقول : اخترت نفسي لأن ذلك عرف بإجماع الصحابة ، وأنه [ ص: 179 ] المفسر من أحد الجانبين ، ولأن المبهم لا يصلح تفسيرا للمبهم ، حتى لو قال لها : اختاري ، فقالت اخترت فليس بشيء ، لأن الاختيار ليس من ألفاظ الطلاق وضعا ، وإنما جعل بالسنة فيما إذا كان مفسرا ، فإذا لم يكن كذلك لا يقع به شيء ، ولأن قوله اختاري ، وقولها اخترت ليس له مخصص بها فلا يقع الطلاق ، فإذا ذكرت النفس تخصص الاختيار لها فيقع .
وقال في المحيط : ولا بد من ذكر النفس أو التطليقة أو الاختيارة في أحد الكلامين لوقوع الطلاق ، أما ذكر النفس فلما ذكرنا ، وأما ذكر التطليقة فظاهر ، وأما الاختيارة فلأن الهاء تنبئ عن التفرد ، واختيارها نفسها هو الذي يتحد مرة ويتعدد أخرى ، فصار مفسرا من جانبه .
والقياس أن لا يقع بالتخيير طلاق وإن نوى ، لأنه لا يملك إيقاع الطلاق بهذا اللفظ فلا يملك التفويض إلى غيره ، ولأن قولها : أنا أختار نفسي يحتمل الوعد فلا يكون جوابا مع الاحتمال . وجه الاستحسان إجماع الصحابة رضي الله عنهم ، ولأن الشرع جعل هذا إيجابا وجوابا لما روي أنه nindex.php?page=hadith&LINKID=10346763لما نزل قوله تعالى : ( ياأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها ) الآية ، " بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها ، فقال : إني أخبرك بشيء ، فما عليك ألا تجيبيني حتى تستأمري أبويك ثم أخبرها بالآية " ، فقالت : " أفي هذا أستأمر أبوي يا رسول الله ؟ لا ، بل أختار الله ورسوله " وأرادت بذلك الاختيار للحال ، وعده رسول الله صلى الله عليه وسلم جوابا وإيجابا ، ولأن له أن يستديم النكاح وله أن يفارقها ، فله أن يقيمها مقام نفسه في ذلك .
( ولو قال لها : اختاري اختاري اختاري ، فقالت : اخترت اختيارة ، أو قالت : اخترت الأولى أو الوسطى أو الأخيرة فهي ثلاث ) ولا يحتاج إلى نية الزوج ، لأن تكرار هذا الكلام إنما يكون في الطلاق دون غيره . أما قولها اختيارة فلأنها للمرة ، ولو صرحت بالمرة كانت ثلاثا فكذا هذا ، ولأنها للتأكيد ، والتأكيد بوقوع الثلاث . وأما قولها الأولى أو الوسطى أو الأخيرة فمذهب أبي حنيفة . وقالا : تقع واحدة ، لأن ذكر الأولى أو الوسطى أو الأخيرة إن كان لا يفيد الترتيب يفيد الإفراد لأنه يدل عليه فيعتبر فيه . وله أنها إنما تتصرف فيما ملكته ، إذ المجتمع في الملك كالمجتمع في المكان ، وذلك لا يحتمل الترتيب ، فإن القوم المجتمعين في مكان لا يقال : هذا أول وهذا آخر ، ويقال : هذا جاء أولا وهذا آخرا ، فيكون الترتيب في مجيئهما لا في ذاتهما ، [ ص: 180 ] وإذا كان كذلك لغا قولها : الأولى أو الوسطى ، فبقي قولها : اخترت ، ولو قالت : اخترت وسكتت وقعت الثلاث كذا هذا .
( ولو قالت : نفسي أو زوجي لا يقع ) لأن أو للشك فلا يقع الطلاق بالشك ، وخرج الأمر من يدها لاشتغالها بشيء آخر .
( ولو قالت : نفسي وزوجي طلقت ) ولا يصح العطف ( والأمر باليد كالتخيير يتوقف على المجلس ) على ما ذكرنا ، ( إلا أنه إذا قال : أمرك بيدك ونوى الثلاث صح ) لأنه يحتمل العموم والخصوص ، والاختيار لا يحتمل العموم ، فإن الأمر باليد ينبئ عن التمليك وضعا ، قال تعالى : ( والأمر يومئذ لله ) والاختيار عرف تمليكا شرعا لا وضعا ، والإجماع انعقد في الطلقة الواحدة لا غير ، فلهذا صحت نية الثلاث في الأمر باليد دون التخيير .
( ولو قالت في جواب الأمر باليد : اخترت نفسي بواحدة فهي ثلاث ) لأنها صفة الاختيارة ، لأن الاختيارة تصلح جوابا للأمر باليد لكونه تمليكا كالتخيير فصار كما إذا قالت : اخترت نفسي مرة واحدة ، وبذلك يقع الثلاث .
[ ص: 181 ] ( ولو قال لها : طلقي نفسك فلها أن تطلق في المجلس ) لأن المرأة لا تكون وكيلة في حق نفسها فكان تمليكا ، ( وتقع واحدة رجعية ، وليس له أن يرجع عنه ) لأنه تمليك فيه معنى التعليق ، لأنه علق الطلاق بتطليقها ، وكذا قوله : أنت طالق إن شئت أو أحببت أو هويت أو أردت أو رضيت ، لأن كله تعليق بفعل القلب فهو كالخيار .
( وإن طلقت نفسها ثلاثا وقد أرادها الزوج وقعن ) لأن معناه افعلي الطلاق ، وهو اسم جنس فيتناول الأدنى مع الجميع كسائر أسماء الأجناس فتصح نية الثلاث وينصرف إلى الأدنى عند عدمها على ما مر ( ولا تصح نية الثنتين ) لأنه عدد ؛ خلافا لزفر وقد بيناه ، ( إلا أن تكون أمة فيصح ) لأنه الجنس في حقها ( ولو كانت حرة وقد طلقها واحدة لا تصح نية الثنتين ) لأنه ليس بجنس في حقها .
( ولو قالت : أبنت نفسي طلقت واحدة رجعية ) لأن الإبانة من ألفاظ الطلاق ، إلا أنها زادت فيها وصف الإبانة فيلغو ، كما إذا قالت طلقت نفسي بائنة . وعن أبي حنيفة : لا يقع شيء لأنها أتت بغير ما فوض إليها ، ويتقيد بالمجلس كما في المخيرة لأنه تمليك أيضا .
( ولو قالت : أنا منك طالق أو أنا طالق ، وقع ) لأن المرأة توصف بالطلاق دون الرجال ، ( ولو قال لها : طلقي نفسك متى شئت ، أو متى ما شئت ، أو إذا شئت ، أو إذا ما شئت لا يتقيد [ ص: 182 ] بالمجلس ) لأنها لعموم الأوقات كأنه قال : في أي وقت شئت ، وهذا في " متى " و " متى ما " ظاهر ، وأما " إذا " و " إذا ما " فقد سبق الكلام فيه والعذر عنه ، ( ولو ردته لا يرتد ) لأنه ملكها الطلاق في أي وقت شاءت فلم يكن تمليكا قبل المشيئة فلا يرتد بالرد ، ( وكذا لو قال لغيره : طلق امرأتي ) لا يتقيد بالمجلس لأنه توكيل .
( ولو قال له : إن شئت ، اقتصر على المجلس ) ، وقال زفر : هو والأول سواء لأنه توكيل كما إذا سكت عن المشيئة . ولنا أنه تمليك حيث علقه بالمشيئة ، والمالك يتصرف بالمشيئة ، والتمليك يقتصر على المجلس لما عرف ، ولو قال لها : أنت طالق إن أحببت ، فقالت : شئت ، وقع ، ولو قال : إن شئت فقالت أحببت لا يقع ، والفرق أن المشيئة إرادة وإيجاب وفيها معنى المحبة وزيادة ، فقد وجد الشرط في الأولى وزيادة ، والمحبة ليس فيها إيجاب فلم يوجد في المسألة الثانية المشيئة بتلك الصفة فلم يوجد الشرط .
( ولو قال لها : طلقي نفسك كلما شئت فلها أن تفرق الثلاث ) لأن ( كلما ) تقتضي تكرار الفعل ، ويقتصر على المملوك من الطلاق في النكاح القائم حتى لو طلقها ثلاثا وعادت إليه بعد زوج آخر لا تملك التطليق ( وليس لها أن تجمعها ) لأنها توجب عموم الانفراد لا عموم الاجتماع ، وقال زفر : لا يقتصر على المملوك في النكاح حتى كان لها أن تطلق نفسها بعد زوج آخر عملا بحقيقة كلمة ( كلما ) ولنا أنه تمليك فلا يصح إلا فيما هو في ملكه ، ولا يملك أكثر من الثلاث ، وعلى هذا ، الإيلاء إذا وقع به ثلاث طلقات ثم عادت إليه لا يعود الإيلاء عندنا ، وعنده يعود .
( ولو قال : طلقي نفسك ثلاثا فطلقت واحدة فهي واحدة ) لأنها أوقعت بعض ما ملكت ، ( ولو قال : واحدة فطلقت ثلاثا لم يقع شيء ) عند أبي حنيفة ، وقالا : تقع واحدة لأنها ملكت الواحدة ، وقد أتت بالزيادة عليها فتلغو كما إذا قال لها : أنت طالق أربعا ، فإنه يقع الثلاث ويلغو الزائد . وله أن الواحدة غير الثلاث لفظا ومعنى ، فقد أتت بغير ما ملكها فكان كلاما مبتدأ فلا يقع ، بخلاف الزوج لأنه يملك الثلاث فيتصرف فيها بحكم الملك ، والزائد عليها لغو فبطل .
( ولو قال : واحدة بائنة ، فقالت : طلقت رجعية ، فهي بائنة ) لما قلنا .
( ولو قال لها : أنت طالق كيف شئت وقعت واحدة رجعية وإن لم تشأ ، فإن شاءت بائنة أو ثلاثا وقد أراد الزوج ذلك وقع ) للاتفاق بين إرادته ومشيئتها ، ( وإن اختلفت مشيئتها وإرادته فواحدة رجعية ) لأنها لما خالفته لغا تصرفها فبقي أصل الإيقاع . وقال أبو يوسف ومحمد : لا يقع شيء ما لم توقع المرأة فتشاء ثلاثا أو واحدة رجعية أو بائنة والعتق على هذا الخلاف . لهما أنه فوض إليها التطليق على أي صفة شاءت فوجب أن يتعلق بمشيئتها أصل الطلاق حتى تملك ذلك قبل الدخول وبعده ، ولو وقع بمجرد إيقاعه لا يملك قبل الدخول . ولأبي حنيفة أن كيف للاستيصاف فتقتضي ثبوت أصل الطلاق ، ويكون التفويض إليها في الصفة عملا بحقيقة كلمة كيف .
( ولو قال لها : طلقي نفسك من ثلاث ما شئت فليس لها أن تطلق ثلاثا وتطلق ما دونها ) وقالا : لها أن تطلق ثلاثا إن شاءت ، لأن ( ما ) للعموم و ( من ) تستعمل للتمييز فيحمل على تمييز الجنس كقوله : كل من طعامي ما شئت . ولأبي حنيفة أن ( من ) حقيقة للتبعيض ، و ( ما ) للتعميم فيعمل بهما ، فجعلنا المفوض إليها بعض الثلاث ، لكن بعضا له عموم وهو ثنتان ، وإنما ترك التبعيض في النظير لدلالة الحال ، وهو إظهار السماحة والكرم .
ولو قال لها : اعتدي اعتدي اعتدي ، وقال : نويت واحدة صدق ديانة ويقع ثلاثا في القضاء ، ولو قال : عنيت بالثانية العدة صدق قضاء ، ولو قال : نويت بالأولى طلاقا ولم أنو بالثانية والثالثة شيئا فهي ثلاث لأنهما في حال مذاكرة الطلاق فتتعين له .
ومن الكنايات الكتابة ، فإذا كتب طلاق امرأته في كتاب أو لوح أو على حائط أو أرض لا يقع إلا بنية . وأصله أن الكتابة حروف منظومة تدل على معان مفهومة كالكلام ، وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم قامت مقام قوله في الدعاء إلى الإسلام حتى وجب على كل من بلغته ، فنقول : إذا كتب ما لا يستبين أو كتب في الهواء فليس بشيء ، لأن ما لا يستبين في الكتابة كالمجمجة والكلام الغير المفهوم .
وإذا كتب ما يستبين فلا يخلو إما إن كان على وجه المخاطبة أو لا ، فإن لم يكن على وجه المخاطبة مثل أن يكتب : امرأته طالق . فإنه يتوقف على النية ، لأن الكتابة تقوم مقام الكلام كالكتابة مع الصريح ، وإن كتب على وجه الخطاب والرسالة مثل أن يقول : يا فلانة أنت طالق ، أو إذا وصل إليك كتابي فأنت طالق ، فإنه يقع به الطلاق من غير نية ، ولا يصدق أنه ما نوى لأنه [ ص: 185 ] ظاهر فيه ، ثم إن كان بغير تعليق وقع للحال كأنه قال لها : أنت طالق ، وإن كان معلقا بأن كتب : إذا جاءك كتابي فأنت طالق لا يقع حتى يصل إليها ، لأنه علق الوقوع بشرط فلا يقع قبله ، كما إذا علقه بدخول الدار ، فإن وصل الكتاب إلى أبيها فمزقه ولم يدفعه إليها إن كان هو المتصرف في أمورها وقع الطلاق لأنه كالوصول إليها ، وإن لم يكن هو المتصرف في أمورها لا يقع وإن أخبرها ما لم يدفعه إليها لأنه كالأجنبي .