[ ص: 189 ] وإن أبانها بأمرها ، أو جاءت الفرقة من جهتها في مرضه لم ترث كالمخيرة ، والمخيرة بسبب الجب والعنة والبلوغ والعتق ، ولو فعلت ما ذكرنا من الخيارات وهي مريضة ورثها إذا ماتت وهي في العدة ، ومرض الموت هو المرض الذي أضناه وأعجزه عن القيام بحوائجه ، فأما من يجيء ويذهب بحوائجه ويحم فلا ، ولو علق طلاق امرأته بفعله وفعله في المرض ورثت ، وإن علقه بفعل أجنبي أو بمجيء الوقت في المرض مثل قوله : إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق ، أو إن دخل فلان الدار أو صلى الظهر فأنت طالق ، فإن كان التعليق والشرط في المرض ورثت ، وإن كان التعليق في الصحة والشرط في المرض لم ترث ( ز ) ، وإن علقه بفعلها ولها منه بد لم ترث على كل حال ، وإن لم يكن لها منه بد كالصلاة وكلام الأقارب وأكل الطعام واستيفاء الدين ورثت ( م ) .
فصل
[ البينونة ]
( ومن أبان امرأته في مرضه ثم مات ورثته إن كانت في العدة ، وإن انقضت عدتها لم ترث ) وأصله أن الزوجية في مرض الموت سبب يفضي إلى الإرث غالبا ، فإبطاله يكون ضررا بصاحبه ، فوجب رده دفعا لهذا الضرر في حق الإرث ما دامت في العدة كما في الطلاق الرجعي ، وتعذر إبقاء الزوجية بعد انقضاء العدة لأنه لم يبق له أثر ولا حكم .
قال : ( وإن أبانها بأمرها ، أو جاءت الفرقة من جهتها في مرضه لم ترث كالمخيرة ، والمخيرة بسبب الجب والعنة والبلوغ والعتق ) لأنا إنما اعتبرنا قيام الزوجية مع المبطل نظرا لها ، فإذا رضيت بالمبطل لم تبق مستحقة للنظر فعمل المبطل وهو الطلاق عمله .
[ ص: 190 ] ( ولو فعلت ما ذكرنا من الخيارات وهي مريضة ورثها إذا ماتت وهي في العدة ) لأنها ممنوعة من إبطال حقه فبقينا النكاح في حق الإرث دفعا للضرر عنه إلا في الجب والعنة فإنه لا يرثها لأنه طلاق وهو مضاف إلى الزوج .
( ومرض الموت هو المرض الذي أضناه وأعجزه عن القيام بحوائجه ، فأما من يجيء ويذهب بحوائجه ويحم فلا ) وقيل : إن أمكنه القيام بحوائجه في البيت وعجز عنها خارج البيت فهو مريض . وعن أبي حنيفة إذا كان مضنى لا يقوم إلا بشدة وتتعذر عليه الصلاة جالسا فهو مريض ، والمحصور والواقف في صف القتال والمحبوس للرجم والقصاص وراكب السفينة والنازل في مسبعة يخاف الهلاك كالصحيح لأن الغالب فيه السلامة ، ومن قدم للقصاص والرجم أو بارز رجلا أو انكسرت السفينة وبقي على لوح أو وقع في فم سبع كالمريض ، وكذلك المرأة إذا ضربها الطلق .
( ولو علق طلاق امرأته بفعله وفعله في المرض ورثت ) سواء كان التعليق في الصحة أو المرض لأنه قصد إضرارها حيث باشر شرط الحنث في المرض ، وسواء كان له بد من الفعل أو لم يكن ، أما إذا كان فظاهر ، وأما إذا لم يكن فلأن له بدا من التعليق فكان مضافا إليه .
( وإن علقه بفعل أجنبي أو بمجيء الوقت في المرض مثل قوله : إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق ، أو إن دخل فلان الدار أو صلى الظهر فأنت طالق ، فإن كان التعليق والشرط في المرض ورثت ) لأنه قصد إضرارها بمباشرة التعليق في المرض حال تعلق حقها بماله .
( وإن كان التعليق في الصحة والشرط في المرض لم ترث ) خلافا لزفر ، لأن المعلق بالشرط ينزل عند الشرط فصار كالمنجز في المرض . ولنا أنه إنما يصير تطليقا عند الشرط حكما لا قصدا ولا ظلما إلا عند القصد .
[ ص: 191 ] ( وإن علقه بفعلها ولها منه بد لم ترث على كل حال ) لأنها راضية ( وإن لم يكن لها منه بد كالصلاة وكلام الأقارب وأكل الطعام واستيفاء الدين ورثت ) ، وقال محمد : إذا كان التعليق في الصحة لا ترث لأنه لا صنع له في إبطال الشرط فلم يقصد إبطال حقها . ولهما أنها مضطرة إلى المباشرة في هذه الأشياء لما يتعلق بتركها من العقاب في الآخرة والضرر في الدنيا ، والزوج هو الذي ألجأها إلى المباشرة فينتقل فعلها إليه وتصير كالآلة كما قلنا في الإكراه ، وإنما يكون مرض الموت إذا مات منه ، أما لو برئ ثم مات انقطع حكم المرض الأول .
أصله أن إضافة الطلاق إلى مجهولة ليس إلا تعليق الطلاق في المعينة بالبيان لأنه لا يقع على مجهولة وإنما يقع على المعينة ، وإنما ينزل بالبيان مقصورا عليه فكان للبيان حكم الإنشاء في حق المعينة ، والإنشاء لا يملك إلا بملك المحل ، فلو قال لامرأتيه : إحداكما طالق طلقت واحدة منهما بغير عينها إذا لم يكن له نية في معينة منهما لقوله عليه الصلاة والسلام : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10346765كل طلاق جائز " الحديث ، ولأن الجهالة مع الخطأ أجريا مجرى واحدا ، ألا ترى أنهما يمنعان البيع ، ثم الطلاق يقع مع الحظر فكذا مع الجهالة ، ولأن البيع مع ضعفه يصح مع هذا الضرب من الجهالة حتى جاز بيع قفيز من صبرة فلأن يصح الطلاق معه أولى ، وللنساء أن يخاصمنه ويستعدين عليه إلى القاضي حتى يبين إذا كان الطلاق ثلاثا أو بائنا ، لأن لكل واحدة منهن حقا في استيفاء منافع النكاح وأحكامه ، أو التوصل إلى التزوج بزوج آخر ، وكان على الزوج البيان . والقول قوله لأنه المجمل كمن أقر بشيء غير معين ، ويجبره القاضي أن يوقع الطلاق على معينة لتحصل الفائدة ، وعليها العدة من حين بين لما تقدم ، فإن لم يبين حتى ماتت إحداهما طلقت الباقية ، لأنه لم يبق من يستحق الطلاق غيرها .
[ ص: 192 ] وإن قال : أردت الميتة لم يرثها وطلقت الباقية ، فيصدق في الميتة على نفسه في إسقاط إرثه ، ولا يصدق على الباقية في صرف الطلاق عنها ، فإن ماتتا واحدة بعد الأخرى فقال : أردت الأولى ، لم يرث منهما لأنه سقط من الثانية بطريق الحكم ومن الأولى باعترافه ، ولو ماتتا معا ورث من كل واحدة منهما نصف ميراث ، فإن قال : أردت إحداهما سقط حقه من ميراثها ويرث من الأخرى نصف ميراثها لأنه لا يصدق في زيادة الاستحقاق ، ولو جامع إحداهما تعينت الأخرى للطلاق ، لأن الجماع دليل على تعيين الأخرى للطلاق لاستحالة أن يطأ المطلقة ، وكذلك لو قبلها أو حلف بطلاقها أو ظاهر منها ، لأن هذه الأحكام من خواص الزوجية فصارت كالجماع ، ولو طلق إحداهما بعينها وعنى به البيان صدق ، وإن لم ينو به البيان تعينت الأخرى للطلاق الأول . وعن محمد : لو كان الطلاق واحدة رجعية لم يكن وطء إحداهما بيانا للأخرى ، ولو مات الزوج قبل البيان فالميراث بينهما الربع أو الثمن ، لأن إحداهما زوجة قطعا وليست إحداهما أولى من الأخرى .
ولو طلق إحدى نسائه الأربع ثلاثا ثم اشتبهت وأنكرت كل واحدة أن تكون هي المطلقة لا يقرب واحدة منهن لأنه حرمت عليه إحداهن ، ويجوز أن تكون كل واحدة . وقد قال أصحابنا : كل ما يباح عند الضرورة لا يجوز التحري فيه والفروج من هذا الباب ، ولهذا قالوا : إذا اختلطت الميتة بالمذبوحة إنه يتحرى لأن الميتة تباح عند الضرورة .
وإن استعدين عليه إلى الحاكم في النفقة والجماع أعدى عليه وحبسه حتى يبين التي طلق منهن ، ويلزمه نفقتهن لأن لكل واحدة منهن حق المطالبة بأحكام النكاح ، فكان على الحاكم إلزامه إيفاء للحق ، ويقضي عليه بنفقتهن لأنها تجب للمعتدة وللزوجة .
وينبغي أن يطلق كل واحدة طلقة واحدة ، فإذا تزوجن بغيره جاز له التزوج بهن ، فإن لم يتزوجن فالأفضل أن لا يتزوج بواحدة ، ولو تزوج بالثلاث صح نكاحهن وتعينت الرابعة للطلاق ، وليس له أن يتزوج بالكل قبل أن يتزوجن بزوج آخر ، فإن تزوجت واحدة منهن بزوج ودخل بها ثم تزوج الكل ذكر في الجامع أنه يجوز نكاح الكل ، لأن الظاهر من حال المتزوجة إنما هي المطلقة ثلاثا حيث أقدمت على النكاح للتحليل ، ولو ادعت كل واحدة أنها المطلقة ثلاثا يحلف الزوج فإن نكل وقع على كل واحدة الثلاث ، لأنه بالنكول صار باذلا أو مقرا لها بالثلاث ، وإن حلف لهن فالحكم كما قلنا قبل اليمين .
وعن محمد : إذا حلف لإحدى المرأتين طلقت الأخرى ، وإن لم يحلف للأولى طلقت .
[ ص: 193 ] وإن تشاحا على اليمين حلف لهما بالله ما طلق واحدة منهما ، فإن حلف فالأمر على ما كان ، وإن نكل طلقتا على ما بينا ، فإن وطئ إحداهما فالتي لم يطأها مطلقة حملا لأمره على الصلاح أنه لم يطأها حراما .