وهي مصدر رجعه يرجعه رجعا ورجعة : إذا أعاده ورده ، يقال : رجعت الأمر إلى أوائله : إذا رددته إلى ابتدائه . قال : عسى الأيام أن يرجعن قوما كالذي كانوا
وفي الشرع : رد الزوجة إلى زوجها وإعادتها إلى الحالة التي كانت عليها .
قال : ( الطلاق الرجعي لا يحرم الوطء ) وهو أن يطلق الحرة واحدة أو ثنتين بصريح الطلاق من غير عوض والدليل عليه قوله تعالى : ( وبعولتهن أحق بردهن ) والبعل هنا الزوج ، ولا زوج إلا بقيام الزوجية ، وقيام الزوجية يوجب حل الوطء بالنص والإجماع ، ولأن الله تعالى أثبت للزوج حق الرد من غير رضاها ، والإنسان إنما يملك رد المنكوحة إلى الحالة التي كانت عليها قبل الطلاق ، فلا يكون النكاح زائدا ما دامت العدة باقية فيحل الوطء .
قال : ( وبكل فعل تثبت به حرمة المصاهرة من الجانبين ) لقوله تعالى : ( فأمسكوهن بمعروف ) ، والإمساك بالفعل أقوى منه بالقول ، ولأن الرجعة استدامة النكاح واستبقاؤه ، وهذه الأفعال تدل على ذلك ، وليست الرجعة بابتداء نكاح على ما زعمه بعضهم ، لأنا أجمعنا على أنه يملكها من غير رضاها ولا يشترط فيها الإيجاب والقبول ، ولا يجب فيها مهر ولا عوض ، لأن العوض إنما يجب عوضا عن ملك البضع ، والبضع في ملكه ، ولو كان نكاحا مبتدأ لوجب ، والخلوة ليست برجعة ، لأنه لم يوجد ما يدل على الرجعة لا قولا ولا فعلا .
ولا يصح تعليق الرجعة بالشرط لأنه استدراك فلا يصح بالتعليق كإسقاط الخيار ، ولو قال لها : أنت عندي كما كنت أو أنت امرأتي ونوى الرجعة صح وإلا فلا ، ويستحب أن يعلمها بالرجعة لتتخلص من قيد العدة ، وإن لم يعلمها جاز ، وليس له أن يسافر بها حتى يشهد على رجعتها لأنه لا يجوز للمعتدة الخروج من منزلها ، فإذا راجعها لم تبق معتدة فيجوز لها الخروج ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : ( لا تخرجوهن من بيوتهن ) .
قال : ( ويستحب أن يشهد على الرجعة ) لأن النصوص الدالة على الرجعة خالية عن قيد الشهادة ، ولما تقدم أنها استدامة للنكاح ، والشهادة ليست بشرط حالة الاستدامة ، وإنما استحببناه تحرزا عن التجاحد ، وهو محمل قوله تعالى عقيب ذكر الرجعة والطلاق : ( وأشهدوا ذوي عدل منكم ) ، وهكذا هو محمول في الطلاق أيضا توفيقا بينه وبين النصوص الدالة على جواز الرجعة ووقوع الطلاق الخالية عن قيد الإشهاد .
( فإن قال لها بعد العدة : كنت راجعتك في العدة فصدقته صحت الرجعة ، وإن كذبته لم تصح ) لأنه متهم في ذلك ، وقد كذبته فلا يثبت إلا ببينة ، فإذا صدقته ارتفعت التهمة ، ( ولا يمين عليها ) عند أبي حنيفة ، وهي مسألة الاستحلاف في الأشياء الستة ، وقد سبقت في الدعوى بتوفيق الله تعالى .
[ ص: 195 ] ( وإن قال لها : راجعتك ، فقالت مجيبة له : انقضت عدتي فلا رجعة ) ، وقالا : تصح الرجعة لأن الرجعة لا تتوقف على قبولها ، فلما قال : راجعتك صحت الرجعة لأن الظاهر بقاء العدة ، ولهذا لو قال : طلقتك ، فقالت قد انقضت عدتي وقع الطلاق فصار كما إذا سكتت ساعة ثم قالت . ولأبي حنيفة أنها لما أخبرت بانقضاء عدتها فالظاهر تقدم انقطاع الدم على ذلك ، لأنها أخبرت بلفظ الماضي ، والظاهر أنها صادقة ، وأقرب أوقات الماضي وقت قوله ، ومسألة الطلاق على الخلاف ، ولئن سلمت فنقول : الطلاق يقع بناء على إقراره ، ولو أقر بعد انقضاء العدة حكم به ، بخلاف ما إذا سكتت ساعة لأنها تثبت الرجعة بسكوتها فلا يقبل قولها بعد ذلك .
قال : ( وإذا قال زوج الأمة : راجعتها في العدة وصدقه المولى وكذبته الأمة أو بالعكس فلا رجعة ) ، وقالا : إذا صدقه المولى صحت الرجعة لأنه أقر له بما هو خالص حقه فصار كما إذا أقر عليها بالنكاح . ولأبي حنيفة أن القول قولها في العدة والرجعة تنبني عليها ، وأما إذا كذبه المولى وصدقته فعن أبي حنيفة روايتان ، والفرق على إحدى الروايتين أن العدة منقضية في الحال وصار ملك المتعة للمولى فلا تملك إبطاله .
قال : ( وإذا انقطع الدم في الحيضة الثالثة لعشرة أيام انقطعت الرجعة وإن لم تغتسل ) لأنها خرجت من الحيضة الثالثة فقد انقضت العدة ، ( وإن انقطع لأقل من عشرة أيام لم تنقطع حتى تغتسل ، أو يمضي عليها وقت صلاة أو تتيمم وتصلي ) لاحتمال عود الدم فلا بد من دخولها في حكم الطاهرات وذلك بالغسل ، أو بمضي وقت صلاة لأنها تصير مخاطبة بها ، وهو من أحكام الطاهرات ، وكذا إذا تيممت وصلت ، والقياس أن تنقطع بمجرد التيمم ، وهو قول محمد وزفر ، لأن التيمم كالغسل عند عدم الماء . وجه الاستحسان أن التيمم إنما اعتبر طهارة ضرورة كيلا تتضاعف عليه الواجبات ، أما إنه مطهر في نفسه فلا بل هو ملوث ، وهذه الضرورة تتحقق إذا أرادت الصلاة لا قبل ذلك ولا كذلك الغسل ، ولو تيممت وقرأت القرآن أو مست المصحف أو دخلت المسجد . قال : الكرخي : انقطعت الرجعة لأنها من أحكام الطاهرات . وقال : أبو بكر [ ص: 196 ] الرازي : لا لأنها ليست من أحكام الصلاة ولو اغتسلت بسؤر الحمار انقطعت ، ولا تحل للأزواج أخذا بالاحتياط .
( وفي الكتابية تنقطع الرجعة بمجرد انقطاع الدم ) لأنه لا غسل عليها فصارت كالمسلمة إذا اغتسلت .
( فإن اغتسلت ونسيت شيئا من بدنها ، فإن كان أقل من عضو انقطعت الرجعة ولا تحل للأزواج ) لأنه قليل يتسارع إليه الجفاف فلم نتيقن بعدم غسله ، فقلنا بانقطاع الرجعة وعدم حل التزوج أخذا بالاحتياط ، ( وإن كان عضوا لم تنقطع ) لأنه كثير لا يتسارع إليه الجفاف فافترقا ، والمضمضة والاستنشاق كالعضو عند أبي يوسف لأن الحدث باق في عضو . وعند محمد لا لوقوع الاختلاف في فرضيتهما فينقطع حق الرجعة ، ولا تحل للأزواج احتياطا .
( وإن قال ذلك بعد الخلوة الصحيحة فلا رجعة له ) لأن الرجعة إنما تثبت عقيب الطلاق في ملك متأكد بالوطء ، وقد أقر بعدم الوطء فيثبت فيما له والرجعة حقه ، بخلاف المهر لأن وجوبه بناء على تسليم المبدل لا على قبضه .
قال : ( والمطلقة الرجعية تتشوف وتتزين ) لقيام النكاح بينها وبين الزوج على ما بينا ، والرجعة مستحبة والزينة حاملة عليها فتجوز .
[ ص: 197 ] ( ويستحب لزوجها أن لا يدخل عليها حتى يؤذنها ) إذا لم يكن قصده الرجعة لاحتمال أن يقع نظره عليها وهي متجردة فتحصل الرجعة ، ثم يطلقها فتطول عليها العدة .
( ولا تحل للأول بملك اليمين ولا بوطء المولى ) لأن الشرط نكاح زوج غيره ولم يوجد ، ( والشرط هو الإيلاج دون الإنزال ) لحصول نكاح زوج غيره ، والحديث ورد على غالب الحال ، فإن الغالب في الجماع الإنزال أو نقول الكتاب عري عن ذكر الإنزال فلا يزاد عليه .
[ ص: 198 ] قال : ( وأن يكون المحلل يجامع مثله ) سواء كان مراهقا أو بالغا لوجود الشرط وهو الإيلاج ، ولا يجوز صغير لا يقدر على الإيلاج لعدم الوطء المراد من النكاح .
قال : ( فإن تزوجها بشرط التحليل كره وحلت للأول ) ، وقال أبو يوسف : النكاح فاسد لأنه كالمؤقت ولا تحل للأول لفساده . وقال محمد : هو جائز لشروط الجواز ولا تحل للأول لأنه عجل ما أخره الشرع فيعاقب بالمنع كقتل المورث . ولأبي حنيفة قوله عليه الصلاة والسلام : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10346768لعن الله المحلل والمحلل له " ، ومراده النكاح بشرط التحليل فيكره للحديث ، وتحل للثاني لأنه عليه الصلاة والسلام سماه محللا وهو المثبت للحل ، أو نقول وجد الدخول في نكاح صحيح ، لأن النكاح لا يفسد بالشرط فتحل للأول ، ولو تزوجها بقصد التحليل ولم يشرطه حلت للأول بالإجماع ، والطلقتان في الأمة كالثلاث في الحرة لما مر .
قال : ( والزوج الثاني يهدم ما دون الثلاث ) ، وصورته إذا طلق امرأته طلقة أو طلقتين وانقضت عدتها ، وتزوجت بزوج آخر ودخل بها ثم طلقها ، وانقضت عدتها ثم تزوجها الأول عادت إليه بثلاث طلقات ، وهدم الزوج الثاني الطلقة والطلقتين كما هدم الثلاث . وقال محمد وزفر : تعود إلى الأول بما بقي من الثلاث في النكاح الأول ، لأن الزوج الثاني إنما يثبت الحل إذا انتهى ، والحل لم ينته لأنها تحل له بالعقد قبله فلا يكون مثبتا له . ولنا أنه وطء من زوج ثان فرفع الحكم المتعلق بالطلاق كما في الثلاث .
قال : ( ولو طلقها ثلاثا فقالت : قد انقضت عدتي وتحللت وانقضت عدتي والمدة تحتمله ، وغلب على ظنه صدقها جاز له أن يتزوجها ) لأنه إن كان أمرا دينيا فقول الواحد فيه مقبول كرواية الأخبار والإخبار عن القبلة وطهارة الماء ، وإن كان معاملة فقول الواحد مقبول في المعاملات على ما عرف ، وتمامه يعرف في باب العدة إن شاء الله تعالى .