( والكفارة عتق رقبة ) قبل المسيس للنص ( يجزئ فيها مطلق الرقبة السليمة ) فينطلق على المسلم والكافر والذكر والأنثى والصغير والكبير عملا بالإطلاق ، وهو قوله تعالى : ( فتحرير رقبة ) ، والرقبة عبارة عن الذات المرقوقة المملوكة من كل وجه ، وعند الإطلاق ينصرف إلى السليمة ، فمن قيدها بوصف زائد فقد زاد على النص فيرد عليه .
قال : ( ولا يجزئ المدبر وأم الولد ) لأن الرق فيهم ناقص لاستحقاقهم العتق بجهة أخرى ( و ) لا ( المكاتب الذي أدى بعض كتابته ) لأنه يشبه العتق ببدل ، ويجوز المكاتب الذي لم يؤد شيئا ، لأن الرق قائم به ، قال عليه الصلاة والسلام : " المكاتب عبد ما بقي عليه درهم " ، وما ذكرناه من المعنى فيمن أدى البعض منتف ، على أنه روي عن أبي حنيفة أنه يجوز من أدى البعض أيضا لأنه عبد بالحديث حتى لو فسخت الكتابة عاد رقيقا ، بخلاف أم الولد والمدبر فإن ذلك لا يفسخ أصلا .
قال : ( ولا مقطوع اليدين أو إبهاميهما أو الرجلين ، ولا الأعمى ولا الأصم ولا الأخرس ولا المجنون المطبق ) لأن جنس المنفعة تفوت في هؤلاء ، وهو البطش والسعي والسمع والبصر والانتفاع بالجوارح بالعقل ، والمجنون فائت المنفعة ، وبطش اليدين بالإبهامين فبفوتهما تفوت جنس المنفعة وأنه مانع ، لأن قيام الرقبة بقيام المنفعة وإذا فات جنس المنفعة صارت الرقبة هالكة من وجه فكانت ناقصة فلا يتناولها الاسم ، أما إذا اختلت المنفعة فليس بمانع ، لأن العيب القليل ليس بمانع لتعذر الاحتراز عنه ، وذلك كالأعور ومقطوع إحدى اليدين أو إحدى الرجلين من خلاف ، ولا يجوز إذا قطعا من جانب واحد لفوات جنس منفعة الشيء ، ولا يجوز المعتوه والمفلوج اليابس الشق لما بينا ، وثلاثة أصابع من اليد لها حكم الكل ، ويجوز عتق الخصي والمجبوب لأن ذلك يزيد القيمة لا ينقصها ، ويجوز مقطوع الأذنين لأنه لا ضرر فيه ، ويجوز مقطوع الشفتين إن كان يقدر على الأكل وإلا فلا .
[ ص: 214 ] ( ولا ) يجوز ( معتق البعض ) لأنه ليس برقبة كاملة .
( وإن أعتق نصف عبده ثم جامعها ثم أعتق باقيه لم يجزه ) عنده . وعندهما يجزئه بناء على تجزيء الإعتاق ، فعندهما لما أعتق نصفه كان إعتاقا للجميع ، وعنده لا ، فقد أعتق النصف قبل المسيس والنصف بعده ، والشرط أن يكون الإعتاق قبل المسيس فلا يجزئه فيستأنف عتق رقبة أخرى .
( وإن لم يجامع بين الإعتاقين أجزأه ) بالإجماع ، أما عندهما فظاهر ، وأما عنده فلأنه أعتقه بكلامين ، وما حصل فيه من النقص حصل بسبب الإعتاق للكفارة وأنه غير مانع ، كما إذا أصابت السكين عين شاة الأضحية وقد أضجعها للذبح ، وعلى هذا لو أعتق نصف عبد مشترك لا يجزئه موسرا كان أو معسرا بناء على ما مر ، وعندهما إن كان موسرا أجزأه ، لأنه يملك نصيب شريكه بالضمان وكان معتقا للكل ، وإن كان معسرا لا يجزئه ، لأن السعاية وجبت للشريك في نصيبه فلم يوجد منه عتق الجميع .
قال : ( والعبد لا يجزئه في الظهار إلا الصوم ) لأنه عاجز عن الإعتاق والإطعام لأنه لا يملك شيئا ، قال عليه الصلاة والسلام : " لا يملك العبد إلا الطلاق " .
[ ص: 215 ] قال : ( ليس فيهما رمضان ويوما العيد وأيام التشريق ) ، أما رمضان فلأنه يقع عن الفرض لتعينه على ما مر في الصوم فلا يقع عن غيره ، وأما الباقي فلأن الصوم فيها حرام فكان ناقصا فلا يتأدى به الواجب .
( ويطعم كما ذكرنا في صدقة الفطر ) لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث سهل بن صخر أو أوس بن الصامت : " لكل مسكين نصف صاع من بر " ولأنه لحاجة المسكين في اليوم فاعتبرت بصدقة الفطر . قال : ( أو قيمة ذلك ) لما مر في دفع القيم في الزكاة . قال : ( فإن غداهم وعشاهم جاز ) قال تعالى : ( فإطعام ستين مسكينا ) وهو التمكين من الطعم ( ولا بد [ ص: 216 ] من شبعهم في الأكلتين ) اعتبارا للعادة ( ولا بد من الإدام في خبز الشعير دون الحنطة ) لأنه لا يتمكن من الشبع في خبز الشعير دون الإدام فإنه قلما ينساغ دونه ، ولا كذلك خبز الحنطة . وعنأبي حنيفة رحمه الله : لو غداهم وعشاهم خبزا وإداما أو خبزا بغير إدام أو خبز الشعير أو سويقا أو تمرا - جاز ، ولو غدى ستين وعشى ستين غيرهم لم يجزه إلا أن يعيد على ستين منهم غداء أو عشاء ، ويجوز غداءان أو عشاءان أو عشاء وسحور ، وكذا لو غداهم يوما وعشاهم يوما آخر لوجود أكلتين مشبعتين ، ولو عشاهم في رمضان لكل مسكين ليلتين أجزأه ، والمستحب غداء وعشاء ، ولو أطعم كل مسكين مدا فعليه أن يعطيه مدا آخر ، ولا يجوز أن يعطيه غيرهم لأن الواجب شيئان : مراعاة عدد المساكين ، والمقدار في الوظيفة لكل المساكين .
قال : ( ولو أطعم مسكينا ) واحدا ( ستين يوما أجزأه ) لأن المعتبر دفع حاجة المسكين وأنها تتجدد بتجدد اليوم ، ( وإن أعطاه في يوم واحد عن الكل أجزأه عن يوم واحد ) لاندفاع الحاجة بالمرة الأولى ، وهذا لا خلاف فيه في الإباحة ، فأما التمليك منه في يوم واحد في دفعات ، قيل : لا يجزئه ، وقيل : يجزئه لأن الحاجة إلى التمليك تتجدد في اليوم مرات ، ولو دفع الكل إليه مرة واحدة لا يجوز لأن التفريق واجب بالنص .
قال : ( فإن جامعها في خلال الإطعام لم يستأنف ) لأن النص لم يشرط في الإطعام قبل المسيس ، إلا أنا أوجبناه قبل المسيس لاحتمال القدرة على الإعتاق أو الصوم فيقعان بعد المسيس ، والمنع لمعنى في غيره لا ينافي المشروعية .
قال : ( ومن أعتق رقبتين ، أو صام أربعة أشهر ، أو أطعم مائة وعشرين مسكينا عن كفارتي ظهار أجزأه عنهما وإن لم يعين ) لأن الجنس متحد فلا حاجة إلى التعيين . وقال زفر رحمه الله : لا يجوز عن واحدة منهما ما لم يعتق عن كل واحدة واحدة لأنه لما أعتق عنهما انقسم كل إعتاق عليهما فيقع العتق أشقاصا عن كل واحدة ، فلا يجوز كما إذا اختلف الجنس . ولنا أن الواجب تكميل العدد دون التعيين ، إذ التعيين لا يفيد في الجنس الواحد على ما عرف ، بخلاف اختلاف الجنس ، لأن التعيين مفيد فيه فيشترط .
[ ص: 217 ] ( وإن أطعم ستين مسكينا كل مسكين صاعا من بر عن كفارتين لم يجزه إلا عن واحدة ) وقال محمد رحمه الله : عنهما ، وإن أطعم ذلك عن ظهار وإفطار أجزأه عنهما بالإجماع ، وعليه قياس محمد رحمه الله ، وهذا لأن بالمؤدى وفاء بهما ، والمصروف إليه محل لهما فيقع عنهما وصار كما إذا فرق الدفع . ولهما أن النية تعتبر في الجنسين لا في جنس واحد ، وإذا لغت النية في الجنس الواحد بقي أصل النية فيجزي عن الواحدة كما إذا قال عن كفارة ظهار .
( وإن أعتق وصام عن كفارتي ظهار فله أن يجعل ذلك عن أيهما شاء ) لأن النية معتبرة عند اختلاف الجنس .