( وليس على الأم إرضاع الصبي ) لأن أجرة الإرضاع من نفقته وهي على الأب . قال : ( إلا إذا تعينت ) بأن لم يجد غيرها أو لا يأخذ من لبن غيرها ، ( فيجب عليها ) حينئذ صيانة للصغير عن الهلاك . قال : ( ويستأجر الأب من ترضعه عندها ) لأن الأجرة عليه والحضانة لها ( فإن استأجر زوجته أو معتدته لترضع ولدها لم يجز ) لأن الإرضاع مستحق عليها بالأصل ، لقوله تعالى : ( والوالدات يرضعن أولادهن ) ، فإذا امتنعت حملناه على العجز فجعلناه عذرا ، فإذا أقدمت عليه [ ص: 248 ] بالأجر علمنا قدرتها فكان واجبا عليها فلا يحل لها أخذ الأجر على فعل وجب عليها ، ولا خلاف في المعتدة الرجعية .
وأما المبتوتة فكذلك في رواية لأن النكاح قائم من وجه ، وقيل يجوز لأن النكاح قد زال بينهما فصارت أجنبية . وذكر الخصاف إذا لم يكن للصبي ولا لأبيه مال أجبرت الأم على الإرضاع وهو الصحيح لأنها ذات يسار في اللبن ، فإن طلبت من القاضي أن يقضي لها بنفقة الإرضاع حتى ترجع بها على الأب إذا أيسر فعل ، كما لو كان معسرا وهي موسرة تجبر على الإنفاق على الصغير ثم ترجع على الأب إذا أيسر ، وإن كان للصبي مال روي عن محمد أنه يفرض لها نفقة الإرضاع في مال الصبي .
قال : ( وبعد انقضاء العدة هي أولى من الأجنبية ) فإنها أشفق وفي ذلك نظر للصغير ، ( إلا أن تطلب زيادة أجرة ) لما فيه من ضرر الأب ، وقيل في قوله تعالى : ( لا تضار والدة بولدها ) هو أن ترضى بأجرة المثل فلا يدفع إليها : ( ولا مولود له بولده ) أن يؤخذ منه أكثر من أجر المثل .
رجل معسر له أولاد صغار محاويج وله ابن كبير موسر يجبر على نفقتهم .
قال : ( ولا تجب النفقة مع اختلاف الدين إلا للزوجة وقرابة الولاد أعلى وأسفل ) لإطلاق النصوص ، ولأن نفقة الزوجة جزاء الاحتباس كما مر أو بالعقد كالمهر ، وذلك لا يختلف باختلاف الدين ، ولهذا تجب مع يسارها ، وأما قرابة الولاد فلمكان الجزئية ، إذ الجزئية في معنى النفس ، ونفقة النفس تجب مع الكفر فكذا الجزء ، وهذا إذا كانوا ذمة ، فإن كانوا حربا لا تجب وإن كانوا مستأمنين لقوله تعالى : ( إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين ) الآية ، بخلاف غيرهم من ذوي الأرحام ، لأن الإرث منقطع فيما بينهم ولا بد من اعتباره بالنص .
قال : ( ونفقة ذي الرحم سوى الوالدين والولد تجب على قدر الميراث ) كالإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات ، ولا تجب لرحم ليس بمحرم ، والأصل فيه قوله تعالى : ( وعلى الوارث مثل ذلك ) وفي قراءة nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : " وعلى الوارث ذي الرحم المحرم مثل ذلك " ، فذكره الوارث إشارة إلى اعتبار قدر الميراث وليكون الغرم بالغنم .
( وإنما تجب إذا كان فقيرا به زمانة لا يقدر على الكسب ) أما الفقر فلما مر ، وأما العجز [ ص: 250 ] عن الكسب فلأنه يكون غنيا بكسبه ، ولا كذلك الوالدان حيث تجب نفقتهما مع القدرة على الكسب لما يلحقهما فيه من التعب والنصب ، والولد مأمور بدفع الضرر عنهما ، فيجب عليه أن يدفع عنهما ضرر الاكتساب وذلك بالإنفاق عليهما .
قال : ( أو تكون أنثى فقيرة ) لأنه أمارة الحاجة ، ( وكذا من لا يحسن الكسب لخرقه أو لكونه من البيوتات أو طالب علم ) لأن العجز عن الاكتساب في حق هؤلاء ثابت ، لأن شرط وجوب نفقة الكبير العجز عن الكسب حقيقة كالزمن والأعمى ونحوهما ، أو معنى كمن به خرق ونحوه .
( ونفقة زوجة الأب على ابنه ) رواه هشام عن أبي يوسف ( ونفقة زوجة الابن على أبيه إن كان صغيرا فقيرا أو زمنا ) لأنه من كفاية الصغير . وذكر في المبسوط لا يجبر الأب على نفقة زوجة الابن ، ويجب على الابن نفقة خادم الأب إذا احتاج إليه لأن خدمة الأب مستحقة على الابن فكذا نفقة من يخدمه ، ولا كذلك زوجة الابن .
( والمعتبر الغنى المحرم للصدقة ) هو المختار . وعن أبي يوسف أنه قدره بالنصاب . وعن محمد إذا فضل عن نفقة شهر له ولعياله يجب عليه نفقة أقاربه وإن لم يكن له شيء ويكتسب كل يوم درهما يكفيه أربعة دوانيق فإنه ينفق الفضل على أقربائه ، ومن له مسكن وخادم وهو محتاج تحل له الصدقة وتجب نفقته على أقاربه ، فإن كان في مسكنه فضل يكفيه بعضه يؤمر [ ص: 251 ] ببيع البعض وينفق على نفسه ، وكذا إذا كانت له دابة نفيسة يؤمر ببيعها ويشتري الأوكس وينفق الفضل ، ومن كان يأكل من الناس تسقط نفقته عن القريب ، وإن أعطوه قدر نصف كفايته يسقط نصف النفقة . وقال أبو يوسف : إذا كان الابن فقيرا كسوبا والأب زمن شاركه في القوت بالمعروف .
ومن لم يقدر على الكسب للزمانة أو كان مقعدا يتكفف الناس فنفقته ونفقة ولده في بيت المال ، ولو كان الأب معسرا والأم موسرة تؤمر الأم بالنفقة على الولد ثم ترجع على الأب إذا أيسر ، وكذلك إذا كان للأب المعسر أخ موسر يؤمر بالإنفاق على الصغير ثم يرجع على الأب ، وكذلك المرأة المعسرة إذا كان زوجها معسرا ولها ابن من غيره موسر أو أخ موسر فنفقتها على زوجها ويؤمر الابن أو الأخ بالإنفاق عليها وترجع على زوجها إذا أيسر ، ويحبس الابن أو الأخ إذا امتنع لأن هذا من المعروف ، وإذا كان للفقير أب غني وابن غني فالنفقة على الابن لأن شبهته في مال الابن أكثر ، قال عليه الصلاة والسلام : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10346797أنت ومالك لأبيك " ، ويعتبر في نفقة قرابة الولاد الأقرب فالأقرب دون الإرث ، لأن الله أوجب النفقة على المولود له وأنه مشتق من الولاد وهو الجزئية والبعضية باعتبار التولد والتفرع عنه .
وفي نفقة ذي الرحم المحرم يعتبر كونه أهل الإرث ، ويجب بقدر الميراث عند الاجتماع لأنه تعالى أوجبها باسم الوراثة .
فقير له ابن وبنت فنفقته عليهما نصفان ، ولو كان له بنت وأخ فنفقته على بنته لأنها أقرب .
له بنت وابن ابن موسران فنفقته على البنت لأنها أقرب ، ولو كان له بنت بنت وابن بنت وأخ موسرون فنفقته على أولاد أولاده دون الأخ لما بينا . فقير له أخ وأخت لأب وأم فالنفقة عليهما بقدر ميراثهما ، ولو كان له أخت وعم فعليهما نصفان ، ولو كان له أم وجد فعليهما أثلاثا . وروى الحسن عن أبي حنيفة كلها على الجد ، ولو كان له أم وجد وأخ فالثلث على الأم والباقي على الجد ، وعندهما الباقي على الأخ والجد نصفان . له عم وخال النفقة على العم . له خال وابن عم النفقة على الخال والميراث لابن العم ، وفي العمة والخالة ثلثان وثلث .
[ ص: 252 ] ( ولو أنفق من مال له في يده جاز ) بالإجماع لأنه ظفر بجنس حقه فله أن يأخذه لأن نفقته واجبة قبل القضاء لما بينا والأم في هذا كالأب . لهما أن بالبلوغ انقطعت ولايته عنه وعن ماله حتى لا يملك ذلك في حضرته ولا في دين غير النفقة وصار كالأم . وله - وهو الاستحسان - أن للأب أن يحفظ مال ابنه الغائب كالوصي ، بل أولى لأنه أوفر شفقة . وبيع النقلي من باب الحفظ ، فإذا باعه فالثمن من جنس حقه وهو نفقته فيأخذ منه حقه ، ولا كذلك العقار فإنه محفوظ بنفسه وبخلاف الأم وغيرها من الأقارب لأنه لا ولاية لهم حال صغره ، ولا ولاية الحفظ حالة الغيبة مع الكبر فافترقا .
قال : ( وإذا قضى القاضي بالنفقة ثم مضت مدة سقطت ) لأنها إنما وجبت دفعا للحاجة وقد اندفعت ، بخلاف الزوجة إذا قضي لها لأنها وجبت مع اليسار لا لدفع الحاجة فلا تسقط بحصول الاستغناء .
قال : ( إلا أن يكون القاضي أمر بالاستدانة عليه ) لأن ولاية القاضي عامة ، فكأن الغائب أمره بذلك فتصير دينا في ذمته فلا تسقط .
( فإن امتنع اكتسبوا وأنفقوا ) لأن فيه رعاية للجانبين : جانبه ببقاء ملكه ، وجانبهم بدفع حاجتهم ( وإن لم يكن لهم كسب ) كالزمن والأعمى والجارية المستحسنة التي لا تؤجر ( أجبر على بيعهم ) لأن الرقيق من أهل الاستحقاق ، وفي بيعهم إيفاء حقهم وإيفاء حق المولى بنقله إلى الخلف ، ولا يلزم على هذا الإعسار بنفقة الزوجة ، لأن نفقتها تصير دينا عليه فتتمكن من مطالبته وحبسه ، ولا دين للعبد على مولاه ، ولأنه يفوت ملكه في النكاح لا إلى خلف ، وهاهنا يفوت إلى الثمن ، على أن البيع هنا يقع باختياره وعقده والفسخ لا بفعله .
قال : ( وسائر الحيوانات يجبر فيما بينه وبين الله تعالى ) لما فيه من إضاعة المال وتعذيب [ ص: 253 ] الحيوان ، وقد ورد النهي عنهما ، وليست من أهل الاستحقاق ليقضى لها بجبر المولى على نفقتها أو بيعها .