[ ص: 264 ] ومن أعتق بعض عبده عتق وسعى في بقية قيمته لمولاه ( سم ) ، والمستسعى كالمكاتب ( سم ) ، ولو أعتق أحد الشريكين نصيبه عتق ، فإن كان قادرا على قيمة نصيب شريكه فاضلا عن ملبوسه وقوت يومه وعياله ، فشريكه إن شاء أعتق ، وإن شاء دبر ، وإن شاء كاتب ، وإن شاء ضمن المعتق ، وإن شاء استسعى العبد ، وإن كان معسرا فكذلك إلا أنه لا يضمن ( سم ) .
وإذا اشتريا ابن أحدهما عتق نصيب الأب ، وشريكه إن شاء أعتق ( سم ) وإن شاء استسعى علم أو لم يعلم ، ولو قال لعبديه : أحدكما حر ثم باع أحدهما أو عرضه على البيع أو دبره أو مات عتق الآخر ، وكذا إذا استولد إحدى الجاريتين ، ولو قال لأمتيه : إحداكما حرة . ثم وطئ إحداهما لا تعتق الأخرى ( سم ) ، ولو شهدا أنه أعتق أحد عبديه أو إحدى أمتيه فهي باطلة ( سم ) .
فصل
( ومن أعتق بعض عبده عتق وسعى في بقية قيمته لمولاه ) ، وقالا : يعتق كله لأن الإعتاق لا يتجزأ عندهما ، فإضافة العتق إلى بعضه كإضافته إلى كله كما في الطلاق ، وعند أبي حنيفة يتجزأ فيقتصر على ما أعتق . لهما قوله عليه الصلاة والسلام : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10346627من أعتق شركا له في عبد فقد عتق كله ليس لله فيه شريك " ، ولأن الإعتاق إثبات العتق وهو قوة حكمية والقوة لا تتجزأ ، إذ لا يكون بعضه قويا وبعضه ضعيفا ، أو نقول : هو إزالة الرق الذي هو ضعف حكمي ، وكل واحد منهما لا يتجزأ فصار كالعفو عن القصاص . وله ما روى نافع عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10346808من أعتق شقصا من عبد فعليه عتق كله " ، وفي رواية : " كلف عتق ما بقي " ، وفي رواية : " وجب عليه أن يعتق ما بقي " ، ولو عتق بنفس الإعتاق لما وجب عليه إعتاقه ولما كلف ذلك ، لأن إعتاق المعتق محال . وقال عليه الصلاة والسلام : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10346627من أعتق شركا له في عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل وأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد ، وإلا فقد عتق منه ما عتق " ، وروى nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب عن جماعة من الصحابة أنهم قالوا : إذا كان العبد بين رجلين فأعتقه أحدهما فإنه يقوم عليه بأعلى القيمة ، ثم يغرم ثمنه ، ثم يعتق العبد ، وعائشة ترفعه إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، ولأن الإعتاق إزالة ملكه ، والمتصرف إنما يتصرف فيما يدخل تحت ولايته وهو إزالة ملكه فيتقدر به .
والأصل أن التصرف يقتصر على موضع الإضافة والتعدي في الطلاق والقصاص لعدم [ ص: 265 ] التجزؤ ، أما الملك فلأنه متجزئ كما في البيع والهبة ، ويسمى إعتاقا مجازا لأنه يصير إلى العتق . فيحمل حديثهما على ذلك توفيقا بين الأحاديث ، وتجب السعاية في الباقي على العبد ، لأن مالية الباقي صارت محتبسة عند العبد ، ولأن ما بقي منه على ملكه ، ووجب إخراجه إلى الحرية بما روينا ، ولا يلزمه إزالته بغير عوض فكان له أن يستسعيه ، وله أن يعتقه لأنه ملكه لما روينا كالمكاتب .
قال : ( والمستسعى كالمكاتب ) عند أبي حنيفة حتى يؤدي السعاية لأنه تعلق عتقه بأداء المال فلا تقبل شهادته ، ولا يرث ولا يورث ولا يتزوج ، ويفارق المكاتب في خصلة ، وهو أنه لا يرد في الرق لو عجز ، لأن الذي أوجب السعاية وقوع الحرية في بعضه وهو موجود بعد العجز ، وقالا : هو حر مديون ، لأن العتق وقع في جميعه بناء على ما تقدم من الأصل في التجزؤ فهو كسائر الأحرار عندهما ، وهذا كما إذا أعتق بعض عبده ، أو أعتق بعض الشركاء نصيبه أو بعض الورثة أو الغرماء أو المريض ولم يخرج من الثلث .
أما العبد الرهن إذا أعتقه الراهن وهو معسر وسعى العبد فهو حر بالإجماع ، لأن الدين على الراهن لا في رقبة العبد ، ولهذا يرجع العبد على الراهن بما سعى .
قال : ( ولو أعتق أحد الشريكين نصيبه عتق ، فإن كان قادرا على قيمة نصيب شريكه فاضلا عن ملبوسه وقوت يومه وعياله ، فشريكه إن شاء أعتق ، وإن شاء دبر ، وإن شاء كاتب ، وإن شاء ضمن المعتق ، وإن شاء استسعى العبد ، وإن كان معسرا فكذلك إلا أنه لا يضمن ) ، وقالا : ليس له إلا الضمان مع اليسار والسعاية مع الإعسار . والكلام في هذه المسألة في مواضع : أحدها الضمان في حالة اليسار ، والدليل عليه ما روي من الأحاديث أن النبي عليه الصلاة والسلام أوجب الضمان على المعتق الموسر فيجب عليه ، ولأنه أتلف نصيب الساكت حيث أعجزه عن التصرف فيه بالتمليك فله أن يضمنه ، فإذا ضمنه فالمعتق إن شاء أعتق لأنه ملكه بالضمان ، وإن شاء استسعى العبد لأنه انتقل إليه بما كان لشريكه من الحقوق ، والولاء له في ذلك كله ، لأنه هو الذي أعتقه أو عتق على ملكه ويرجع بما أدى على العبد ، لأنه لما أدى صار كالشريك الساكت ، للساكت ذلك بالسعاية فكذا هذا . والثاني للساكت ولاية الإعتاق لما تقدم أنه على ملكه فله أن يعتق تسوية بينه وبين شريكه ، فإذا أعتق كان ولاء نصيبه له . والثالث للساكت أن يستسعي العبد لحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10346809من أعتق شقصا من مملوك فعليه أن [ ص: 266 ] يعتقه كله إن كان له مال ، وإن لم يكن له مال استسعى العبد غير مشقوق عليه " ، ولأن نصيبه باق على ملكه فله أن يأخذه من العبد لما بينا ، فإذا استسعى فولاء نصيبه له أيضا لأنه عتق على ملكه .
والرابع له أن يدبر أو يكاتب لأنه لما ثبت أن ملكه باق فيه كان قابلا للتدبير والكتابة ، ولأن التدبير نوع إعتاق والكتابة استسعاء منجم ويكون الولاء له أيضا ، وفي حالة الإعسار إن شاء الساكت أعتق أو دبر أو كاتب أو استسعى لما بينا ، والولاء له في الوجوه كلها لأنها عتق على ملكه ، وهذه المسألة تبتنى على تجزؤ الإعتاق ، فلما كان يتجزأ عنده تفرعت هذه الأحكام عليه ، ولما لم يتجزأ عندهما عتق كله ، فإن كان موسرا يتعين الضمان لأنه أتلف عليه نصيبه وهو موسر ، وإن كان معسرا تعذر ضمانه فيستسعى العبد لأن ماليته محتبسة عنده ، فله أن يستسعيه كغاصب الغاصب ونحوه ، ولا يرجع العبد بما يؤدي بإجماع بيننا ، لأن منفعته حصلت للعبد بغير رضا المولى فكان ضمانا بعوض حصل له ، ولأنه يسعى لفكاك رقبته لا لقضاء دين على المعتق لأنه معسر لم يلحقه شيء . ولهما أيضا قوله عليه الصلاة والسلام : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10346810من أعتق نصيبه من عبد مشترك إن كان غنيا ضمن ، وإن كان فقيرا يسعى العبد " قسم والقسمة تنافي الشركة .
ويعتبر الإعسار واليسار يوم الإعتاق ، حتى لو أعتق وهو موسر فأعسر لا يبطل التضمين ، وإن كان معسرا فأيسر لا يثبت له حق التضمين لأنه حق ثبت بنفس العتق فلا يتغير وإن اختلفا في ذلك يحكم الحال ، إلا أن يكون بين الخصومة والعتق مدة تختلف فيها الأحوال ، فالقول للمعتق لأنه منكر ، ولو اختلفا في قيمة العبد يوم العتق ، فإن كان قائما يقوم للحال ، وإن كان هالكا فالقول للمعتق أيضا ، وإن كان الإعتاق سابقا على الاختلاف فالقول له أيضا لأنه منكر للزيادة ، ولو اختلفا في القيمة ووقت الإعتاق يحكم بالعتق للحال ، وعلى هذا التفصيل لو اختلف العبد والساكت في القيمة ، ولو مات العبد قبل أن يختار الساكت شيئا ليس له إلا التضمين ، لأن العتق والسعاية فاتا بالموت ، فإذا ضمن رجع المعتق على كسب العبد إن كان له كسب .
[ ص: 267 ] ولو كان المعتق معسرا فللساكت أن يرجع في أكسابه لأن السعاية تجب بنفس العتق ، ولو مات المعتق يؤخذ الضمان من ماله إن كان العتق في الصحة ، وإن كان في المرض فلا شيء في تركته . وعن محمد يؤخذ من تركته ، وهو رواية عن أبي يوسف ، لأن ضمان التمليك لا يختلف بالصحة والمرض ، ولو مات الساكت فللورثة أحد الاختيارات ، فإن اختار بعضهم العتق وبعضهم الضمان فلهم ذلك . وروى الحسن عن أبي حنيفة ليس لهم إلا الاجتماع على أحدهما . أعتق نصيبه وهو موسر وشريكه عبد مأذون إن كان مديونا فله خيار التضمين أو السعاية ، وإن لم يكن مديونا فالخيار للمولى ، وإن كان شريكه صبيا فإن كان له ولي أو وصي إن شاء ضمن وإن شاء استسعى ، وإن لم يكن له ولي ينتظر بلوغه أو ينصب له القاضي وليا ، وهذا أصل كبير يبتنى عليه كثير من مسائل العتق وغيره .
قال : ( وإذا اشتريا ابن أحدهما عتق نصيب الأب ، وشريكه إن شاء أعتق وإن شاء استسعى علم أو لم يعلم ) وكذا إذا ملكاه بهبة أو صدقة أو وصية ، وقالا : يضمن الأب نصف قيمته إن كان موسرا ، وإن كان معسرا يسعى الابن في نصف قيمته لشريك أبيه ، وعلى هذا إذا اشترياه وقد حلف أحدهما بعتقه إن اشترى نصفه ، وإن ملكاه بالإرث فكما قال أبو حنيفة بالإجماع . لهما أن شراء القريب إعتاق على أصلنا ، فقد أفسد نصيب الشريك بالإعتاق فصار كعبد بين اثنين أعتق أحدهما نصيبه . ولأبي حنيفة أن شراء القريب إعتاق كما قالا وقد شاركه فيه فقد شاركه في علة الإعتاق فيكون راضيا بإفساد نصيبه فلا يضمن ، كما إذا أذن له بالقول ، ولا فرق بين العلم وعدمه ، لأن الحكم يدار على السبب وهو الشراء ، كما إذا أمر رجلا بأكل طعام مملوك للآمر ولم يعلم به ، ولو اشترى الأجنبي نصفه أولا ثم اشترى الأب النصف الآخر وهو موسر ، فالأجنبي إن شاء ضمنه لأنه ما رضي بإفساد نصيبه ، وإن شاء استسعى العبد في نصيبه لاحتباس ماليته عنده ، وقالا : يضمن الأب نصف قيمته لا غير لما عرف ، ولو اشترى نصف ابنه وهو موسر ممن يملك جميعه لم يضمن للبائع شيئا ، وقالا : يضمن والأصل ما مر .
قال : ( ولو قال لعبديه : أحدكما حر ثم باع أحدهما أو عرضه على البيع أو دبره أو مات عتق الآخر ) لأنه خرج بالموت عن محلية العتق ، وبالبيع عن محلية العتق من جهته ، وبالعرض قصد الوصول إلى الثمن وأنه ينافي الحرية وذلك بالبيع ، وإذا خرج عن محلية العتق تعين الآخر ، وبالتدبير قصد بقاء الانتفاع به إلى حين موته ، وأنه ينافي العتق المنجز فيتعين الآخر .
[ ص: 268 ] قال : ( وكذا إذا استولد إحدى الجاريتين ) لأن الاستيلاد كالتدبير فيما ذكرنا بل أقوى ، ولو قال لعبديه : أحدكما حر ، ثم قال لواحد بعينه : أنت حر ، أو أعتقتك ، فإن نوى البيان صدق ديانة والآخر عبد ، وإن لم يكن له نية عتقا ، ولو قال لعبديه : أحدكما حر ، فقيل له : أيهما نويت ؟ ، فقال : لم أعن هذا عتق الآخر فإن قال بعد ذلك : لم أعن هذا عتق الأول أيضا ، وكذلك طلاق إحدى المرأتين ، بخلاف ما إذا قال : لأحد هذين علي ألف ، فقيل له : هو هذا ؟ فقال : لا ، لا يجب للآخر شيء ، والفرق أن التعيين واجب عليه في الطلاق والعتاق ، فإذا نفاه عن أحدهما تعين الآخر إقامة للواجب ، أما الإقرار لا يجب عليه البيان فيه ، لأن الإقرار للمجهول لا يلزم حتى لا يجبر عليه ، فلم يكن نفي أحدهما تعيينا للآخر ، ولو أعتق أحدهما في الصحة ثم بين في المرض يعتق من جميع المال لأنه أنشأ عتقا مستحقا عليه فيعتبر من جميع المال كالكفارة . ولو مات قبل البيان عتق من كل واحد نصفه لعدم الأولوية ، ولا يقوم الوارث مقامه في البيان .
( ولو قال لأمتيه : إحداكما حرة ثم وطئ إحداهما لا تعتق الأخرى ) وقالا : تعتق لأن الوطء لا يحل إلا في الملك ، وإحداهما حرة فكان بالوطء مستبقيا للملك في الموطوءة فتتعين الأخرى كما في طلاق إحدى المرأتين . ولأبي حنيفة أن الإيقاع في المنكرة والوطء في المعينة وهما متغايران فلا يجعل بيانا ، ثم قيل : العتق غير نازل قبل البيان لتعلقه به ، ولهذا يملك المولى كسبهما وعقرهما وأرشهما ، ويحل له وطؤهما عنده ولا يفتى به ، وينزل العتق في إحداهما عند البيان ، وما دام الخيار للمولى فيهما فهما كأمتين . وقيل إنه نازل في المنكرة وإما يظهر في حق حكم يقبله والوطء يقع في المعينة فلا تتعين الأخرى ، بخلاف الطلاق ، لأن المقصود الأصلي من النكاح الولد ، فبالوطء قصد الولد ، فدل على استبقاء الملك في الموطوءة صيانة للولد ، والمقصود من الأمة قضاء الشهوة دون الولد ، فلا يدل على الاستبقاء ، ولو وطئ وطئا معلقا فهو بيان ، ولو استخدم طوعا أو كرها لا يكون بيانا بالإجماع .
( ولو شهدا أنه أعتق أحد عبديه أو إحدى أمتيه فهي باطلة ) ، وقالا : تقبل ويجبر على إيقاعه على أحدهما ، وفي طلاق إحدى امرأتيه تقبل بالإجماع ، ويجبر على أن يطلق إحداهما ، وهذا [ ص: 269 ] بناء على أن دعوى العبد شرط لقبول الشهادة على عتقه عنده خلافا لهما ، ولا يشترط دعوى الأمة والمرأة لقبول الشهادة على حريتها وطلاقها بالإجماع . لهما أن هذه شهادة تعلق بها حق الله تعالى ، لأن حقوق الله تعالى تتعلق بالحرية من أداء الجمعة والحج والزكاة وغير ذلك ، فلا يشترط لها الدعوى كالأمة والحرة ، وله أنها شهادة قامت على حقوق العباد فيشترط لها الدعوى كسائر حقوقهم ، وهذا لأن معظم المقصود من العتق ونفعه يقع للعبد لأنه يتأهل به للولايات والقضاء والشهادات ، ويرتفع عنه بذلك ذل الملكية ويصير مالكا إلى غير ذلك من المنافع ، بخلاف الأمة والزوجة فإنه يتضمن تحريم الفرج وأنه حق الله تعالى حتى لو لم يتضمن تحريم الفرج لا يقبل بأن كانت الشهادة على عتق إحدى الأمتين بغير عينها فافترقا ، فإذا كانت الدعوى شرطا لقبول الشهادة عنده وهذا الشرط لم يوجد هنا لا تقبل ، لأن المشهود له مجهول والدعوى من المجهول لا تتحقق ، ولما لم تكن شرطا عندهما قبلت الشهادة من غير دعوى فيجبره القاضي على التعيين . وأما الشهادة على عتق إحدى الأمتين فلأن الدعوى وإن لم تكن شرطا في عتق الأمة ، فإنما لم تقبل لأنها لا تقتضي تحريم الفرج فصارت كالشهادة على أحد العبدين ، وهذا إذا شهدا عليه في صحته ، أما إذا شهدا أنه أعتق أحد عبديه في مرض موته أو دبره وأديا الشهادة في مرضه أو بعد موته قبلت استحسانا ، لأن العتق في المرض وصية ، وكذلك التدبير وصية والخصم معلوم ، لأن العتق يشيع بالموت فيهما فصار كل واحد منهما متعينا .