[ ص: 269 ] باب التدبير وإذا قال لعبده : إذا مت فأنت حر ، أو أنت حر عن دبر مني ، أو أنت مدبر ، أو قد دبرتك ، أو أنت حر مع موتي ، أو عند موتي ، أو في موتي ، أو أوصيت لك بنفسك أو برقبتك ، أو بثلث مالي ، فقد صار مدبرا ، وتجوز كتابته ، وإذا ولدت المدبرة من مولاها صارت أم ولد له وسقط عنها التدبير ولا تسعى في شيء أصلا ، وله استخدامها وإجارتها ووطؤها ، وكسبها وأرشها للمولى ، وإذا مات المولى عتق من ثلث ماله ، فإن لم يخرج فبحسابه ، وإن كان على المولى دين سعى في كل قيمته ، ولو دبر أحد الشريكين وضمن نصف شريكه ثم مات عتق نصفه ( سم ) ، بالتدبير وسعى في نصفه ، وإن قال له : إن مت من مرضي هذا أو في سفري هذا ، أو إن مت إلى عشرين سنة فهو تعليق يجوز بيعه ، فإن مات على تلك الصفة عتق .
وهو العتق الواقع عن دبر الإنسان : أي بعده ، وهو مأخوذ منه ، وحقيقته أن يعلق عتق مملوكه بموته على الإطلاق . والأصل في جوازه أنه عتق معلق بشرط فصار كالمعلق بدخول الدار ، ولأنه وصية للعبد برقبته فصار كغيره من الوصايا ، وهو إيجاب العتق للحال ، وتأخير ثبوته إلى ما بعد الموت ، لأن ثبوته بعد الموت يستدعي إعتاقا ، والميت ليس أهلا له ، فلا بد من أن ينعقد التدبير سببا للحرية في الحال ليستفاد منه الحرية في المآل بخلاف المدبر المقيد لأنه ينعقد سببا للحرية في آخر جزء من أجزاء حياته ، لأن عتقه معلق بموت موصوف بصفة وأنه مشكوك فيه فلا يفضي إلى الموت قطعا فتعذر اعتباره سببا . أما الموت المطلق كائن لا محالة فكان مفضيا إلى الموت فأمكن اعتباره سببا للحال .
قال : ( وإذا قال لعبده : إذا مت فأنت حر ، أو أنت حر عن دبر مني ، أو أنت مدبر ، أو قد [ ص: 270 ] دبرتك ، أو أنت حر مع موتي ، أو عند موتي ، أو في موتي ، أو أوصيت لك بنفسك ، أو برقبتك ، أو بثلث مالي - فقد صار مدبرا ) أما لفظ التدبير فهو صريح فيه كلفظ العتق في الإعتاق ، وأما تعليق الحرية بالموت فلأنه معنى التدبير ، وأما مع موتي فلأنها للقران والشروط لا بد من تقديمها ، فكأنه قال : بعد موتي وأنه تدبير ، وعند موتي تعليق العتق بالموت ، ولا بد من وجوده أولا . وفي موتي ، لأن حرف الظرف إذا دخل على الفعل جعله شرطا ، وكذلك إذا ذكر مكان الموت الوفاة أو الهلاك لأن المعنى واحد .
وأما الوصية بالرقبة ونحوها فلأن العبد لا يملك رقبة نفسه ، والوصية تقتضي زوال ملك الموصي وانتقاله إلى الموصى له ، وأنه في حق العبد حرية مثل قوله : بعت نفسك منك ، أو وهبتها لك . وأما الوصية بالثلث ونحوه فلأنه يقتضي ملكه ثلث جميع ماله ورقبته من ماله فيملكها فيعتق ، وكذلك بسهم من ماله لأنه عبارة عن السدس ، ولو قال : بجزء من ماله لا يكون تدبيرا ، لأنه عبارة عن جزء مبهم والتعيين إلى الورثة فلا تكون رقبته داخلة في الوصية لا محالة .
وروى الحسن عن أبي حنيفة إذا قال : إذا مت ودفنت أو غسلت أو كفنت فأنت حر ليس بتدبير لأنه علق العتق بالموت وبمعنى آخر ، والقياس أن لا يعتق بالموت ، لأن التدبير تعليق بالموت على الإطلاق وهذا تعليق بالموت ومعنى آخر ، فصار كما إذا قال : إذا مت ودخلت الدار ، لكن استحسن أن يعتق من الثلث لأنه علق العتق بالموت وبصفة توجد عند الموت قبل استقرار ملك الورثة ، فصار كما إذا علقه بالموت بصفة ، بخلاف دخول الدار ، لأنه لا تعلق له بالموت فصارت يمينا فتبطل بالموت كسائر الأيمان ، وفي اختلاف زفر ويعقوب إذا قال : أنت حر إن مت أو قتلت . قال أبو يوسف : ليس بمدبر . وقال زفر : هو مدبر لأنه علقه بالموت لا محالة . ولأبي يوسف أنه علق العتق بأحد أمرين فصار كقوله : إن مت أو مات زيد ، وإذا صح التدبير لا يجوز له إخراجه عن ملكه إلا بالعتق ، لقوله عليه الصلاة والسلام : " المدبر لا يباع ولا يوهب ولا يورث وهو حر من الثلث " ، ولأنه سبب للحرية في الحال على ما بينا ، وأنه كائن لا محالة ، وفي الهبة والبيع إبطاله فلا يجوز ، ولأنه أوجب له حقا في الحرية فيمنع البيع كالكتابة [ ص: 271 ] والاستيلاد ، وإذا ثبت هذا فنقول : كل تصرف يجوز أن يقع في الحر يجوز في المدبر كالاستخدام والإجارة والوطء ، لأن حق الحرية لا يكون أكثر من الحرية ، وكل تصرف لا يجوز في الحر لا يجوز في المدبر إلا الكتابة على ما نبينه كالبيع والهبة والرهن .
أما البيع والهبة فلما بينا ، وأما الرهن فلأن المقصود منه الاستيفاء ، وما لا يجوز بيعه لا يمكن الاستيفاء منه .
قال : ( وتجوز كتابته ) لأنها تعجيل الحرية المؤجلة ، وله ذلك كما لو نجز العتق ، ( وإذا ولدت المدبرة من مولاها صارت أم ولد له وسقط عنها التدبير ) لأنه خير لها فإنه زيادة وصف وتأكيد ، لأنه تثبت به الحرية بعد الموت بالإجماع ( ولا تسعى في شيء أصلا ، وله استخدامها وإجارتها ووطؤها ) لأن ملكه ثابت فيها فتنفذ هذه التصرفات ولما بيناه آنفا .
( وكسبها وأرشها للمولى ) لأنها باقية على ملكه ، وإنما تستحق الحرية عند وجود الشرط ، وقبله هي كالأمة ، وللمولى تزويجها بغير رضاها لأنه يملك منافع بضعها ، ويملك وطأها وذلك جائز في الحرة أيضا ، وولد المدبرة مدبر بإجماع الصحابة ، ولأنه وصف لازم فيها فيتبعها فيه كالكتابة .
قال : ( وإذا مات المولى عتق من ثلث ماله ) لما روينا من الحديث ، ولأنه علق عتقه بالموت فكان وصية ، والوصية تعتبر من الثلث ، ( فإن لم يخرج ) من الثلث ( فبحسابه ) معناه : يحسب ثلث ماله فيعتق منه بقدره ويسعى في باقيه ، ( وإن كان على المولى دين سعى في كل قيمته ) لما بينا أنه وصية والدين مقدم على الوصية ، والمراد دين يحيط بالتركة ، والحرية لا يمكن ردها فوجب عليه السعاية رعاية للجانبين .
قال : ( ولو دبر أحد الشريكين وضمن نصف شريكه ثم مات عتق نصفه بالتدبير وسعى في نصفه ) لأن نصفه على ملكه عنده من غير تدبير ، وعندهما يعتق جميعه بالتدبير ، لأن تدبير بعضه تدبير الجميع وهو فرع تجزي الإعتاق ( وإن قال له : إن مت من مرضي هذا أو في سفري هذا ، أو إن مت إلى عشرين سنة فهو تعليق ) ، وهو التدبير المقيد ( يجوز بيعه ) لما بينا أنه ليس بسبب [ ص: 272 ] للحال فلا يكون البيع والتصرفات إبطالا للسبب ، ولأنه لم يستحق حق الحرية لا محالة فأن يكون البيع إبطالا لحق الحرية فيجوز بخلاف المدبر المطلق ، ( فإن مات على تلك الصفة عتق ) لوجود الشرط من الثلث لما بينا . وذكر أبو الليث في النوازل ، والحاكم في المنتقى : لو قال لعبده : إن مت إلى مائتي سنة فأنت حر ، فهو مدبر مقيد ، وهو قول أبي يوسف فيجوز بيعه . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14111الحسن بن زياد : هو مدبر مطلق لا يجوز بيعه ، والمختار أنه متى ذكر مدة لا يعيش إليها غالبا فهو مدبر مطلق لأنه كالكائن لا محالة .