[ ص: 302 ] [ فصل الخروج ] حلف لا يخرج ، فأمر رجلا فأخرجه حنث ، وإن أخرجه مكرها لا يحنث .
حلف لا يخرج إلا إلى جنازة فخرج إليها ثم أتى حاجة أخرى لم يحنث حلف لا يخرج إلى مكة فخرج يريدها ثم رجع حنث ، وكذلك الذهاب في الأصح ، وفي الإتيان لا يحنث حتى يدخلها حلف لا تدخل امرأته إلا بإذنه فلا بد من الإذن في كل مرة ، ولو قال : إلا أن آذن لك يكفيه إذن واحد .
حلف لا يدخل هذه الدار فصارت صحراء ودخلها حنث ، ولو قال : دارا لم يحنث ، وفي البيت لا يحنث في الوجهين حلف لا يدخل بيتا لم يحنث بالكعبة والمسجد والبيعة والكنيسة . حلف لا يدخل هذه الدار فقام على سطحها حنث ، ولو دخل دهليزها إن كان لو أغلق الباب كان داخلا حنث وإلا فلا ، ولو كان في الدار لم يحنث بالقعود .
[ ص: 302 ] فصل
[ الخروج ]
الخروج : هو الانفصال من الداخل إلى الخارج ، والدخول : الانفصال من الخارج إلى الداخل ، فعلى أي وصف وجد كان خروجا ، سواء كان راكبا أو ماشيا من الباب أو من السطح أو من ثقب في الحائط أو تسور الحائط ، إلا أن يقول من باب الدار ، فلا يحنث إلا بالخروج من الباب .
( وإن أخرجه مكرها لا يحنث ) لعدم إضافة الفعل إليه لعدم الأمر وهو مخرج وليس بخارج . وقيل إن قدر على الامتناع حنث عند محمد لأنه لما لم يمتنع مع القدرة صار كأنه فعل الدخول كركوب الدابة . وعن أبي يوسف رحمه الله أنه لا يحنث ، وهو الصحيح لأنه ليس بداخل . وروى محمد عن أبي يوسف لو حمله برضاه لا بأمره لا يحنث لأنه ليس بفاعل للدخول ، واليمين منعقدة على الفعل دون الرضا والإرادة ، أو نقول : الفعل إنما يضاف إليه بأمره . وقيل : يحنث والحلف على الدخول على هذه الوجوه .
قال : ( وكذلك الذهاب في الأصح ) لأنه عبارة عن الانتقال والذهاب من موضعه ، قال تعالى : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ) أي يزيله عنكم فأشبه الخروج ، ( وفي الإتيان لا يحنث حتى يدخلها ) لأن الإتيان الوصول ، قال تعالى : ( فأتيا فرعون ) والمراد الوصول إليه ، [ ص: 303 ] ويقال في العرف : خرجت إلى بلد كذا ولم آته ، أي قصدته بالخروج ولم أصل إليه ، والذهاب كالخروج في الاستعمال أيضا .
حلف لا يخرج من هذا البيت فأخرج يديه وقدميه وهو قاعد لم يحنث لأنه لا يسمى خارجا ، ولو كان مستلقيا على ظهره أو بطنه أو على جنبه يحنث بخروج أكثر جسده إقامة للأكثر مقام الكل . وعن أبي يوسف فيمن حلف لا يخرج من دار كذا فهو على الخروج ببدنه ، ولو قال : من هذه الدار فهو على النقلة ببدنه وأهله ، هذا هو العرف .
ولو حلف على امرأته أن لا تخرج في غير حق فهو ما يعده الناس حقا في استعمالهم دون الواجب كزيارة الوالدين وذوي الأرحام وأعراسهم وعيادتهم ونحوه . وعن أبي يوسف حلف لا تخرج إلا إلى أهلها فأبواها لا غير ، فإن عدما فكل ذي رحم محرم منها وأمها المطلقة أهلها ، فإن كان أبوها متزوجا بغير أمها وأمها كذلك فأهل منزل أبيها لا منزل أمها . حلف لا يخرج إلى بغداد فخرج من بيته لا يحنث ما لم يجاوز العمران قاصدا بغداد ، بخلاف الخروج إلى الجنازة حيث يحنث بنفس الخروج ، لأن الخروج إلى بغداد سفر ، ولا سفر حتى يجاوز العمران ، ولا كذلك الخروج إلى الجنازة .
( حلف لا تدخل امرأته إلا بإذنه فلا بد من الإذن في كل مرة ) لأن النهي يتناول عموم الدخلات إلا دخلة مقرونة بإذنه فصار كقوله : إلا راكبة ، وإلا منتقبة فإنه يشترط ذلك في كل مرة كذا هذا ، ولو نوى الإذن مرة صدق لأنه محتمل كلامه . وعن أبي يوسف أنه لا يصدق قضاء لأنه خلاف الظاهر ، وكذلك اليمين على الخروج ، ولو قال : كلما أردت . فخرجت مرة بعد أخرى لا يحنث ، وإن نهاها بعد ذلك فخرجت حنث .
( ولو قال : إلا أن آذن لك يكفيه إذن واحد ) وكذلك حتى آذن لك لأنه جعل الإذن غاية ليمينه لأنها كلمة الغاية فانتهت اليمين لوجود الغاية ، ولو أذن لها وهي نائمة صح كما لو كانت صماء ، وقيل : لا يصح لعدم حصول العلم ، ولو أذن لها ولم تعلم فدخلت حنث ، قال أبو يوسف : لا يحنث لأن الإذن إطلاق وإنه يتم الإذن كالرضا . ولهما أن الإذن هو الإعلام ولم يوجد لأنه لا يتحقق الإعلام بدون العلم والإفهام ، بخلاف الرضا فيما إذا قال : إلا برضاي ، ثم قال : رضيت ولم تسمع ، لأن الرضا إزالة الكراهة ، وأنه يتحقق بدون السماع والعلم لأنه فعل [ ص: 304 ] القلب ، ولو قال : إلا بأمري فأمرها ولم تسمع فدخلت حنث بالإجماع ، لأن الأمر إلزام المأمور فلا بد من السماع كأوامر الشرع .
قال : ( حلف لا يدخل هذه الدار فصارت صحراء ودخلها حنث ، ولو قال دارا لم يحنث ، وفي البيت لا يحنث في الوجهين ) لأن الدار اسم للعرصة حقيقة وعرفا ، والبناء صفة فيها ، لأن قوام البناء بالعرصة ، ولهذا ينطلق اسم الدار عليها بعد ذهاب البناء ، وفي أشعار العرب في ندبهم الدور الدارسة أقوى شاهد ، غير أن الوصف معتبر في الغائب وهو منكر لغو في الحاضر لحصول التعريف بالإشارة على ما عرف ، وأما البيت فهو اسم لما يبات فيه ، والعرصة إنما تصير صالحة للبيتوتة بالبناء وأنه لا يبقى بعد زواله حتى قالوا : لو خرب السقف وبقيت الحيطان يحنث لإمكان البيتوتة فيه ، ولو بني البيت بعد ما انهدم لم يحنث بدخوله . وفي الدار يحنث لزوال اسم البيت بعد الانهدام ، وبقاء اسم الدار على ما بينا ، ولو جعلت الدار بستانا أو حماما أو مسجدا أو بيتا فدخله لم يحنث لتبدل الاسم والصفة باعتراض اسم آخر وصفة أخرى ، وكذا لو صارت بحرا أو نهرا ، وكذا لو بنيت دارا أخرى بعد البستان والحمام لا يحنث لما بينا .
قال : ( حلف لا يدخل بيتا لم يحنث بالكعبة والمسجد والبيعة والكنيسة ) لعدم إطلاق اسم البيت عليها عرفا ، ولما بينا أنه اسم لما يبات فيه وأعد للبيتوتة ، وهذا المعنى معدوم فيها . حلف لا يدخل دار فلان وهما في سفر على الخيمة والفسطاط والقبة في كل منزل ، فإن نوى أحد هذه الأشياء صدق ديانة لا قضاء .
قال : ( حلف لا يدخل هذه الدار فقام على سطحها حنث ) لأنه من الدار كسطح المسجد في حق المعتكف ، وكل موضع إذا أغلق الباب لا يمكنه الخروج فهو من الدار .
( ولو دخل دهليزها إن كان لو أغلق الباب كان داخلا حنث ) لأنه من الدار ( وإلا فلا ) لأنه [ ص: 305 ] ليس من الدار ، ولو أدخل إحدى رجليه دون الأخرى إن استوى الجانبان أو كان الجانب الآخر أسفل لا يحنث ، وإن كان الجانب الداخل أسفل حنث ، لأن اعتماد جميع بدنه يكون على رجله الداخلة فيكون داخلا .
( ولو كان في الدار لم يحنث بالقعود ) لأنه لم يوجد منه الدخول على ما ذكرنا بعد اليمين .
حلف لا يدخل بيت فلان ولا نية له فدخل بيتا هو ساكنه حنث ، سواء كان ملكه أو لم يكن لأنه يضاف إليه عرفا ، بخلاف ما إذا حلف لا يركب دابة فلان أو لا يستخدم عبده حيث لا يحنث بالعبد والدابة المستأجرين فإنه لا يضاف إليه عادة . ولو دخل دارا هي ملك فلان يسكنها غيره في رواية لا يحنث لأن الإضافة بالسكنى ، وعن محمد أنه يحنث لأنها مضافة إلى المالك بملك الرقبة ، وإلى المستأجر بملك المنفعة ، وكلاهما حقيقة .
حلف لا يدخل دار فلان فدخل دارا مشتركة بينه وبين فلان ، وفلان ساكنها لا يحنث ، وإن حلف لا يزرع أرضه فزرع أرضا مشتركة حنث لأن كل جزء من الأرض أرض وليس بعض الدار دارا تسمية وعرفا . حلف لا يدخل دار فلانة فدخل دارها وزوجها يسكنها لا يحنث لأن الدار تنسب إلى الساكن .
حلف لا يدخل دار فلان وله دار يسكنها ودار غلة فدخل دار الغلة لا يحنث . حلف لا يدخل دارا فدخل بستانا في تلك الدار ، إن كان متصلا بها لم يحنث ، وإن كان في وسطها حنث .